الباحث القرآني
﴿وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿أنَّهُ اسْتَمَعَ﴾ فَهو مِن جُمْلَةِ المُوحى والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالمَساجِدِ المَواضِعُ المُعَدَّةُ لِلصَّلاةِ والعِبادَةِ أيْ وأُوحِيَ إلَيَّ أنَّ المَساجِدَ مُخْتَصَّةٌ بِاللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ ﴿فَلا تَدْعُوا﴾ أيْ فَلا تَعْبُدُوا فِيها ﴿مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ غَيْرَهُ سُبْحانَهُ. وقالَ الحَسَنُ المُرادُ كُلُّ مَوْضِعِ سُجِدَ فِيهِ مِنَ الأرْضِ سَواءُ أُعِدَّ لِذَلِكَ أمْ لا إذِ الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ وكَأنَّهُ ذَلِكَ مِمّا في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ««جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا»» .
واشْتُهِرَ أنَّ هَذا مِن خَصائِصِ نَبِيِّنا ﷺ أيْ شَرِيعَتِهِ فَيَكُونُ لَهُ ولِأُمَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ مِن قَبْلُ إنَّما تُباحُ لَهُمُ الصَّلاةُ في البِيَعِ والكَنائِسِ واسْتَشْكَلَ بِأنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يُكْثِرُ السِّياحَةَ وغَيْرَهُ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يُسافِرُونَ فَإذا لَمْ تَجُزْ لَهُمُ الصَّلاةُ في غَيْرِ ما ذَكَرَ لَزِمَ تَرْكُ الصَّلاةِ في كَثِيرٍ مِنَ الأوْقاتِ وهو بَعِيدٌ لا سِيَّما في الخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ ولِذا قِيلَ المَخْصُوصُ كَوْنُها مَسْجِدًا وطَهُورًا أيِ المَجْمُوعُ ويَكْفِي في اخْتِصاصِهِ اخْتِصاصُ التَّيَمُّمِ وأُجِيبُ بِأنَّ المُرادَ الِاخْتِصاصُ بِالنِّسْبَةِ إلى الأُمَمِ السّالِفَةِ دُونَ أنْبِيائِها عَلَيْهِمُ السَّلامُ والخَضِرُ إنْ كانَ حَيًّا اليَوْمَ فَهو مِن هَذِهِ الأُمَّةِ سَواءً كانَ نَبِيًّا أمْ لا لِخَبَرِ «لَوْ كانَ مُوسى حَيًّا ما وسِعَهُ إلّا اتِّباعِي» وحُكْمُهُ قَبْلَهُ نَبِيًّا ظاهِرٌ والأمْرُ فِيهِ غَيْرَ نَبِيٍّ سَهْلٌ وقِيلَ المُرادُ بِها المَسْجِدُ الحَرامُ أيِ الكَعْبَةُ نَفْسُها أوِ الحَرَمُ كُلُّهُ عَلى ما قِيلَ والجَمْعُ لِأنَّ كُلَّ ناحِيَةٍ مِنهُ مَسْجِدٌ لَهُ قِبْلَةٌ مَخْصُوصَةٌ أوْ لِأنَّهُ لَمّا كانَ قِبْلَةَ المَساجِدِ فَإنَّ كُلَّ قِبْلَةٍ مُتَوَجِّهَةٍ نَحْوَهُ جَعَلَ كَأنَّهُ جَمِيعُ المَساجِدِ مَجازًا وقِيلَ: المُرادُ هو وبَيْتُ المَقْدِسِ فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ نَزَلَتْ ﴿وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ﴾ إلَخِ في الأرْضِ =مَسْجِدًا لا المَسْجِدُ الحَرامُ ومَسْجِدُ إيلِيّا بَيْتُ المَقْدِسِ وأمْرُ الجَمْعِ عَلَيْهِ أظْهَرُ مِنهُ عَلى الأوَّلِ لا أنَّهُ كالأوَّلِ خِلافَ الظّاهِرِ وما ذُكِرَ لا يَتِمُّ دَلِيلًا لَهُ.
وقالَ ابْنُ عَطاءٍ وابْنُ جُبَيْرٍ والزَّجّاجُ والفَرّاءُ المُرادُ بِها الأعْضاءُ السَّبْعَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْها واحِدُها مَسْجَدٌ بِفَتْحِ الجِيمِ وهي القَدَمانِ والرُّكْبَتانِ والكَفّانِ والوَجْهُ أيِ الجَبْهَةُ والأنْفُ ورُوِيَ أنَّ المُعْتَصِمَ سَألَ أبا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسى الكاظِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم عَنْ ذَلِكَ فَأجابَ بِما ذَكَرَ.
وقِيلَ السَّجَداتُ عَلى أنَّ المَسْجَدَ بِفَتْحِ الجِيمِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ ونُقِلَ عَنِ الخَلِيلِ بْنِ أحْمَدَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿وأنَّ المَساجِدَ﴾ بِتَقْدِيرِ لامِ التَّعْلِيلِ وهو مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدُ والمَساجِدُ بِمَعْناها المَعْرُوفِ أيْ لِأنَّ ﴿المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ ولَمّا لَمْ تَكُنِ الفاءُ في جَوابِ شَرْطٍ مُحَقَّقٍ كانَتْ في الحَقِيقَةِ زائِدَةً فَلا يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ ما بَعْدَها عَلَيْها نَعَمْ قالَ غَيْرُ واحِدٍ جِيءَ بِها لِتَضَمُّنِ الكَلامِ مَعْنى الشَّرْطِ، والمَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ أنْ يُوَحَّدَ ولا يُشْرَكَ بِهِ أحَدٌ فَإنْ لَمْ يُوَحِّدُوهُ في سائِرِ المَواضِعِ فَلا تَدْعُوا مَعَهُ أحَدًا في المَساجِدِ لِأنَّ المَساجِدَ لَهُ سُبْحانَهُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ عَزَّ وجَلَّ فالإشْراكُ فِيها أقْبَحُ وأقْبَحُ ونَظِيرُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى ﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ ﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾ [قُرَيْشٍ: 1- 3] عَلى وجْهٍ ولا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الشَّرْطِ المُحَقِّقِ ويَنْدَفِعُ بِما ذَكَرَ لُزُومُ جَعِلِ الفاءِ لَغْوًا لِأنَّها لِلسَّبَبِيَّةِ ومَعْناها مُسْتَفادٌ مِنَ اللّامِ المُقَدَّرَةِ وقِيلَ في دَفْعِهِ أيْضًا أنَّها تَأْكِيدٌ لِلّامِ أوْ زائِدَةٌ جِيءَ بِها لِلْإشْعارِ بِمَعْناها وأنَّها مُقَدَّرَةٌ والخِطابُ في ﴿تَدْعُوا﴾ قِيلَ لِلْجِنِّ وأُيِّدَ بِما رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ قالَ: إنَّ الجِنَّ قالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَكَ عَلى نَأْيِنا عَنْكَ فَنَزَلَتِ الآيَةُ.
لِيُخاطِبَهم عَلى مَعْنى أنَّ عِبادَتَكم حَيْثُ كانَتْ مَقْبُولَةً إذا لَمْ تُشْرِكُوا فِيها. وقِيلَ هو خِطابٌ عامٌّ وعَنْ قَتادَةَ كانَ اليَهُودُ والنَّصارى إذا دَخَلُوا كَنائِسَهم وبَيَعَهم أشْرَكُوا بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَأُمْرِنا أنْ نُخْلِصَ لِلَّهِ تَعالى الدَّعْوَةَ إذا دَخَلْنا المَساجِدَ يَعْنِي بِهَذِهِ الآيَةِ.
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بَدَلٌ (فَأُمِرْنا إلَخِ «فَأمَرَهم أنْ يُوَحِّدُوهُ» وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أيْضًا وقَرَأ (p-92)كَما في البَحْرِ ابْنُ هُرْمُزٍ وطَلْحَةُ «وإنَّ المَساجِدَ» بِكَسْرِ هَمْزَةِ «إنَّ» وحَمْلِ ذَلِكَ عَلى الِاسْتِئْنافِ.
{"ayah":"وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











