الباحث القرآني

﴿وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ﴾ أيِ المَوْصُوفُونَ بِصَلاحِ الحالِ في شَأْنِ أنْفُسِهِمْ وفي مُعامَلَتِهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ المائِلُونَ إلى الخَيْرِ والصَّلاحِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ الفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ لا إلى الشَّرِّ والفَسادِ كَما هو مُقْتَضى النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ ﴿ومِنّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أيْ قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ المَذْكُورِ ويَطَّرِدُ حَذْفُ المَوْصُوفِ إذا كانَ بَعْضَ اسْمٍ مَجْرُورٍ بِمَن مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ والصِّفَةُ ظَرْفٌ كَما هُنا أوْ جُمْلَةً كَما في قَوْلِهِ مِنّا أقامَ ومِنّا ظَعَنَ وأرادُوا بِهَؤُلاءِ القَوْمَ المُقْتَصِدِينَ في صَلاحِ الحالِ عَلى الوَجْهِ السّابِقِ لا في الإيمانِ والتَّقْوى كَما قِيلَ فَإنَّ هَذا بَيانٌ لِحالِهِمْ قَبْلَ اسْتِماعِ القُرْآنِ كَما يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ . وأمّا حالُهم بَعْدَ اسْتِماعِهِ فَسَتُحْكى بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ﴾ إلَخِ وجَوَّزَ بَعْضُهم كَوْنَ ﴿دُونَ﴾ بِمَعْنى غَيْرَ فَيَكُونُ دُونَ ذَلِكَ شامِلًا لِلشِّرِّيرِ المَحْضِ وأيًّا ما كانَ فَجُمْلَةُ كُنّا إلَخِ تَفْسِيرٌ لِلْقِسْمَةِ المُتَقَدِّمَةِ لَكِنْ قِيلَ الأنْسَبُ عَلَيْهِ كَوْنُ دُونَ بِمَعْنى غَيْرَ والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ كُنّا ذَوِي طَرائِقَ أيْ مَذاهِبَ. أوْ مِثْلَ طَرائِقَ في اخْتِلافِ الأحْوالِ أوْ كانَتْ بِطَرائِقِنا طَرائِقُ قِدَدا وكَوْنُ هَذا مِن تَلَقِّي الرُّكْبانِ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وعَدَمُ اعْتِبارِ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ تَقْدِيرِ مِثْلِ قِيلٍ لِأنَّ المَحَلَّ لَيْسَ مَحِلَّ المُبالِغَةِ. وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَ ﴿طَرائِقَ﴾ مَنصُوبًا عَلى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ في أيْ كُنّا في ﴿طَرائِقَ﴾ وتُعُقِّبَ بِأنَّ الطَّرِيقَ اسْمٌ خاصٌّ لِمَوْضِعٍ يَسْتَطْرِقُ فِيهِ فَلا يُقالُ لِلْبَيْتِ أوِ المَسْجِدِ طَرِيقٌ عَلى الإطْلاقِ وإنَّما يُقالُ جَعَلْتُ المَسْجِدَ طَرِيقًا فَلا يَنْتَصِبُ مِثْلُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ إلّا في الضَّرُورَةِ وقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: كَما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ شاذٌّ فَلا يُخْرَّجُ القُرْآنُ الكَرِيمُ عَلى ذَلِكَ. وقالَ بَعْضُ النُّحاةِ: هو ظَرْفٌ عامٌّ لِأنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُسْتَطْرَقُ طَرِيقٌ والقِدَدُ المُتَفَرِّقَةُ المُخْتَلِفَةُ قالَ الشّاعِرُ: ؎القابِضُ الباسِطُ الهادِي بِطاعَتِهِ في فِتْنَةِ النّاسِ إذْ أهْواؤُهم قِدَدُ جَمْعُ قِدَةٍ مِن قَدَّ إذا قَطَعَ كَأنَّ كُلَّ طَرِيقٍ لِامْتِيازِها مَقْطُوعَةٌ مِن غَيْرِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب