الباحث القرآني
﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ عَطْفٌ عَلى نَظِيرِهِ السّابِقِ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ﴾ إلَخِ اعْتِراضُ وسَطٌ بَيْنَ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْإيذانِ مِن أوَّلِ الأمْرِ بِأنَّ ما أصابَهم مِنَ الإغْراقِ والإحْراقِ لَمْ يُصِبْهم إلّا لِأجْلِ خَطِيئاتِهِمُ الَّتِي عَدَّها نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ وأشارَ إلى اسْتِحْقاقِهِمْ لِلْهَلاكِ لِأجْلِها لا أنَّهُ حِكايَةٌ لِنَفْسِ الإغْراقِ والإحْراقِ عَلى طَرِيقَةِ حِكايَةِ ما جَرى بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وبَيْنَهم مِنَ الأحْوالِ والأقْوالِ وإلّا لَأُخِرَ عَنْ حِكايَةِ دُعائِهِ هَذا قالَهُ مُفْتِي الدِّيارِ الرُّومِيَّةِ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ. .
وما قِيلَ إنَّهُ عَطْفٌ عَلى لَمْ يَجِدُوا أوْ عَلى جُمْلَةِ ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ﴾ إلَخِ ولَيْسَ المُرادُ حَقِيقَةَ الدُّعاءِ بَلِ التَّشَفِّي وإظْهارُ الرِّضا بِما كانَ مِن هَلاكِهِمْ بَعِيدٌ غايَةَ البُعْدِ والمَعْرُوفُ أنَّ هَذا الدُّعاءَ كانَ قَبْلَ هَلاكِهِمْ والدَّيّارُ مِنَ الأسْماءِ الَّتِي لا تُسْتَعْمَلُ إلّا في النَّفْيِ العامِّ يُقالُ: ما بِالدّارِ دَيّارٌ أوْ دَيُّورٌ كَقَيّامٍ وقَيُّومٍ أيْ ما بِها أحَدٌ وهو فَيْعالٌ مِنَ الدّارِ أوْ مِنَ الدَّوْرِ كَأنَّهُ قِيلَ ﴿لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ﴾ مَن يَسْكُنْ دارًا أوْ لا تَذَرْ عَلَيْها مِنهم مَن يَدُورُ ويَتَحَرَّكُ وأصْلُهُ دَيْوارٌ اجْتَمَعَتِ الواوُ والياءُ وسَبَقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً وأُدْغِمَتِ الياءُ في الياءِ ولَيْسَ بِفَعّالٍ وإلّا لَكانَ دَوّارًا إذْ لا داعِيَ لِلْقَلْبِ حِينَئِذٍ ( ومِنَ الكافِرِينَ ) حالٌ مِنهُ ولَوْ أُخِّرَ كانَ صِفَةً لَهُ والمُرادُ بِالكافِرِينَ قَوْمُهُ الَّذِينَ دَعاهم إلى الإيمانِ والطّاعَةِ فَلَمْ يُجِيبُوا فَإنْ (p-80)كانَ النّاسُ مُنْتَشِرِينَ في مَشارِقِ الأرْضِ ومَغارِبِها نَحْوَ انْتِشارِهِمُ اليَوْمَ وكانَتْ بِعْثَتُهُ لِبَعْضٍ مِنهم كَسُكّانِ جَزِيرَةِ العَرَبِ ومَن يَقْرُبُ مِنهم فَذاكَ وإنْ كانُوا غَيْرَ مُنْتَشِرِينَ كَذَلِكَ بَلْ كانُوا في الجَزِيرَةِ وقَرِيبًا مِنها فَإنْ كانَتِ البِعْثَةُ لِبَعْضِهِمْ أيْضًا فَكَذَلِكَ وإنْ كانَتْ لِكُلِّهِمْ فَقَدِ اسْتَشْكَلَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ عُمُومَ البِعْثَةِ.
وقَدْ قالُوا بِأنَّهُ مَخْصُوصٌ بِنَبِيِّنا ﷺ وأُجِيبُ بِأنَّ ذَلِكَ العُمُومَ لَيْسَ كَعُمُومِ بَعَثَتِهِ ﷺ بَلْ لِانْحِصارِ أهْلِ الأرْضِ في قِطْعَةٍ مِنها فَهو انْحِصارٌ ضَرُورِيٌّ ولَيْسَ عُمُومًا مِن كُلِّ وجْهٍ، وهَذا نَحْوَ ما يُقالُ في بِعْثَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى زَوْجَتِهِ وأوْلادِهِ فَإنَّهم حِينَئِذٍ لَيْسُوا إلّا كَأهْلِ بَيْتٍ واحِدٍ عَلى أنَّهُ قِيلٌ لا إشْكالَ ولَوْ قُلْنا بِانْتِشارِ النّاسِ إذْ ذاكَ كانْتِشارِهِمُ اليَوْمَ وإرْسالِهِ إلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأنَّ العُمُومَ المَخْصُوصَ بِنَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هو العُمُومُ المُنْدَرِجُ فِيهِ الإنْسُ والجِنُّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ بَلِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بَلْ وبَلْ والمَشْهُورُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مَبْعُوثًا لِجَمِيعِ أهْلِ الأرْضِ وأنَّهُ ما آمَنَ مِنهم إلّا قَلِيلٌ واسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِهَذا الدُّعاءِ وعُمُومِ الطُّوفانِ وتُعَقِّبَ بِأنَّ الأرْضَ كَثِيرًا ما تُطْلَقُ عَلى قِطْعَةٍ مِنها فَيُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هُنا كَذَلِكَ سَلَّمْنا إرادَةَ الجَمِيعِ لَكِنَّ الدُّعاءَ عَلى الكافِرِينَ وهم مِن بُعَثَ إلَيْهِمْ فَدَعاهم ولَمْ يُجِيبُوهُ وكَوْنُهم مَن عَدا أهْلَ السَّفِينَةِ أوَّلَ المَسْألَةِ والطُّوفانُ لا نُسَلِّمُ عُمُومَهُ وإنَّ سُلِّمَ لا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ كُلُّ مَن غَرِقَ بِهِ مُكَلَّفًا بِالإيمانِ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عاصِيًا بِتَرْكِهِ، فالبَلاءُ قَدْ يَعُمُّ الصّالِحَ والطّالِحَ لَكِنْ يَصْدُرُونَ مَصادِرَ شَتّى كَما ورَدَ في حَدِيثِ خَسْفِ البَيْداءِ ويُرْشِدُ إلى هَذا أنَّ أوْلادَهم قَدْ أُغْرِقُوا عَلى ما قِيلَ مَعَهم. .
وقَدْ سُئِلَ الحَسَنُ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: عَلِمَ اللَّهُ تَعالى بَراءَتَهم فَأهْلَكَهم بِغَيْرِ عَذابٍ. نَعَمُ الحِكْمَةُ في إهْلاكِ هَؤُلاءِ زِيادَةُ عَذابٍ في آبائِهِمْ وأُمَّهاتِهِمْ إذا أبْصَرُوا أطْفالَهم يَغْرَقُونَ وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ اللَّهَ تَعالى أعَقَمَ أرْحامَ نِسائِهِمْ وأيْبَسَ أصْلابَ رِجالِهِمْ قَبْلَ الطُّوفانِ بِأرْبَعِينَ أوْ سَبْعِينَ سَنَةً فَلَمْ يَكُنْ مَعَهم صَبِيٌّ حِينَ أُغْرِقُوا ويَحْتاجُ إلى نَقْلٍ صَحِيحٍ وحِكَمُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لا تُحْصى فافْهَمْ.
{"ayah":"وَقَالَ نُوحࣱ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ دَیَّارًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











