الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ مِن آياتِ الأنْفُسَ ما ذَكَرَ أتْبَعَهُ بِشَيْءٍ مِن آياتِ الآفاقِ ولِبُعْدِ أحَدِ الأمْرَيْنِ عَنِ الآخَرِ رُتْبَةً لَمْ يَأْتِ بِالعَطْفِ بَلْ قَطَعَ فَقالَ ﴿ألَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾ أيْ مُتَطابِقَةً بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ وتَفْسِيرُ التَّطابُقِ بِالتَّوافُقِ في الحُسْنِ والِاشْتِمالِ عَلى الحُكْمِ وجَوْدَةِ الصُّنْعِ ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ [المُلْكِ: 3] عُدُولٌ عَنِ الظّاهِرِ الَّذِي تَطابَقَتْ عَلَيْهِ الأخْبارُ مِن غَيْرِ داعٍ إلَيْهِ ﴿وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ مُنَوِّرًا لْوَجْهِ الأرْضِ في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وجَعَلَهُ فِيهِنَّ مَعَ أنَّهُ في إحْداهِنَّ وهي السَّماءُ الدُّنْيا كَما يُقالُ زَيْدٌ في بَغْدادَ وهو في بُقْعَةٍ مِنها، والمُرَجِّحُ لَهُ الإيجازُ والمُلابَسَةُ بِالكُلَّيَةِ والجُزْئِيَّةِ وكَوْنُها طِباقًا شَفّافَةً ﴿وجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجًا﴾ يُزِيلُ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ ويُبْصِرُ أهْلُ الدُّنْيا في ضَوْئِها وجْهَ الأرْضِ ويُشاهِدُونَ الآفاقَ كَما يُبْصِرُ أهْلُ البَيْتِ في ضَوْءِ السِّراجِ ما يَحْتاجُونَ إلى إبْصارِهِ وتَنْوِينُهُ لِلتَّعْظِيمِ. . وفِي الكَلامِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ ولِكَوْنِ السِّراجِ أعْرَفَ وأقْرَبَ جُعِلَ مُشَبَّهًا بِهِ ولِاعْتِبارِ التَّعَدِّي إلى الغَيْرِ في مَفْهُومِهِ بِخِلافِ النُّورِ كانَ أبْلَغَ مِنهُ ولَعَلَّ في تَشْبِيهِها بِالسِّراجِ القائِمِ ضِياءُهُ لا بِطْرِيقِ الِانْعِكاسِ رَمْزًا إلى أنَّ ضِياءَها لَيْسَ مُنْعَكِسًا إلَيْها مِن كَوْكَبٍ آخَرَ كَما أنَّ نُورَ القَمَرِ مُنْعَكِسٌ عَلَيْهِ مِنَ الشَّمْسِ لِاخْتِلافِ تَشَكُّلاتِهِ بِالقُرْبِ والبُعْدِ مِنها مَعَ خُسُوفِهِ بِحَيْلُولَةِ الأرْضِ بَيْنَهُ وبَيْنَها، وجَزَمَ أهْلُ الهَيْئَةِ القَدِيمَةِ بِذَلِكَ وفي رِوايَةٍ أظُنُّها تَصِحُّ أنَّ ضِياءَ الشَّمْسِ مُفاضٌ عَلَيْها مِنَ العَرْشِ، وأظُنُّ أنَّ مَن يَقُولُ إنَّها تَدُورُ عَلى كَوْكَبٍ آخَرَ مِن أهْلِ الهَيْئَةِ الجَدِيدَةِ يَقُولُ بِاسْتِفادَتِها النُّورَ مِن غَيْرِها. . ثُمَّ الظّاهِرُ أنَّ المُرادَ وجَعَلَ الشَّمْسَ فِيهِنَّ فَقِيلَ هي في السَّماءِ الدُّنْيا في فَلَكٍ في ثِخْنِها، وقِيلَ في السَّماءِ الرّابِعَةِ وهو المَشْهُورُ عِنْدَ مُتَقَدِّمِي أهْلِ الهَيْئَةِ واسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِما هو مَذْكُورٌ في كُتُبِهِمْ وفي البَحْرِ حِكايَةُ قَوْلِ إنَّها في الخامِسَةِ ولا يَكادُ يَصِحُّ ومِمّا يُضْحِكُ الصِّبْيانَ فَضْلًا عَنْ فُحُولِ ذَوِي العِرْفانِ ما حُكِيَ فِيهِ أيْضًا أنَّها في الشِّتاءِ في الرّابِعَةِ وفي الصَّيْفِ في السّابِعَةِ وذَهَبَ مُتَأخِّرُو أهْلِ الهَيْئَةِ إلى أنَّها مَرْكَزٌ لِلسَّيّاراتِ وعَدُّوا الأرْضَ مِنها ولَمْ يَعُدُّوا القَمَرَ لِدَوَرانِهِ عَلى الأرْضِ وهو بَيْنَها وبَيْنَ الشَّمْسِ عِنْدَهم وسَنَعْمَلُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى رِسالَةً في تَحْقِيقِ الحَقِّ والحَقُّ عِنْدَ ذَوِيِهِ أظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب