الباحث القرآني

﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ أيْ إذا كانَ الأمْرُ كَما ذَكَرْنا مِن أنَّ خَلْقَهم مِمّا يَعْلَمُونَ وهو النُّطْفَةُ القَذِرَةُ فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ ﴿إنّا لَقادِرُونَ﴾ ﴿عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهُمْ﴾ أيْ نُهْلِكُهم بِالمَرَّةِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ جِناياتُهم ونَأْتِي بَدَلَهم بِخَلْقٍ آخَرِينَ. لَيْسُوا عَلى صِفَتِهِمْ ﴿وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أيْ بِمَغْلُوبِينَ إنْ أرَدْنا ذَلِكَ لَكِنَّ مَشِيئَتَنا المَبْنِيَّةَ عَلى الحِكَمِ البالِغَةِ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَ عُقُوباتِهِمْ وفِيهِ نَوْعُ بُعْدٍ ولَعَلَّ الأقْرَبَ كَوْنُهُ في مَعْنى التَّعْلِيلِ لَكِنْ عَلى وجْهٍ قَرَّرَ بِهِ صاحِبُ الكَشْفِ كَلامَ الكَشّافِ فَقالَ أرادَ أنَّهُ رَدْعٌ عَنِ الطَّمَعِ مُعَلِّلٌ بِإنْكارِهِمُ البَعْثَ مِن حَيْثُ إنَّ ذِكْرَ دَلِيلِهِ إنَّما يَكُونُ مَعَ المُنْكِرِ فَأُقِيمَ عِلَّةُ العِلَّةِ مَقامَ العِلَّةِ مُبالَغَةً لَمّا حُكِيَ عَنْهم طَمَعُ دُخُولِ الجَنَّةِ. ومِنَ البَدِيهِيِّ أنَّهُ يُنافِي حالَ مَن لا يُثْبِتُها فَكَأنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يُنْكِرُ البَعْثَ ( فَأنّى ) يَتَّجِهُ طَمَعُهُ واحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِخَلْقِهِمْ أوَّلًا وبِقُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلى خَلْقِ مِثْلِهِمْ ثانِيًا وفِيهِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ وتَنْبِيهٌ عَلى مَكانِ مُناقَضَتِهِمْ فَإنَّ الِاسْتِهْزاءَ بِالسّاعَةِ والطَّمَعَ في دُخُولِ الجَنَّةِ مِمّا يَتَنافَيانِ ووَجْهُ أقْرَبِيَّتِهِ قُوَّةُ الِارْتِباطِ بِما سَبَقَ عَلَيْهِ وهو في الحَقِيقَةِ أبْعَدُ مَغْزًى ومِنهُ يُعْلَمُ أنَّ ما قِيلَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿إنّا لَقادِرُونَ﴾ ﴿عَلى أنْ نُبَدِّلَ﴾ إلَخِ أنَّ مَعْناهُ ﴿إنّا لَقادِرُونَ﴾ عَلى أنْ نُعْطِيَ مُحَمَّدًا ﷺ مَن هو خَيْرٌ مِنهم وهُمُ الأنْصارُ لَيْسَ بِذاكَ وفي التَّعْبِيرِ عَنْ مادَّةِ خَلْقِهِمْ بِما يَعْلَمُونَ مِمّا يَكْسِرُ سَوْرَةَ المُتَكَبِّرِينَ ما لا يَخْفى والمُرادُ بِالمَشارِقِ والمَغارِبِ مَشارِقُ الشَّمْسِ المِائَةُ والثَّمانُونَ ومَغارِبُها كَذَلِكَ أوْ مَشارِقُ ومَغارِبُ الشَّمْسِ والقَمَرِ عَلى ما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أوْ مَشارِقُ الكَواكِبِ ومَغارِبُها مُطْلَقًا كَما قِيلَ وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ المُرادَ رَبُّ المَخْلُوقاتِ بِأسْرِها والكَلامُ فِي﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ وقَرَأ قَوْمٌ «فَلا قَسَمَ» بَلاءٍ دُونَ ألْفٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ والجَحْدَرِيُّ «المَشْرِقِ والمَغْرِبِ» مُفْرَدَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب