الباحث القرآني

﴿أفَأمِنَ أهْلُ القُرى﴾ الهَمْزَةُ لِإنْكارِ الواقِعِ واسْتِقْباحِهِ، وقِيلَ: لِإنْكارِ الوُقُوعِ ونَفْيِهِ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ: ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ﴾ إلَخْ يَأْباهُ، والفاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ السَّبَبِ، والمُرادُ بِأهْلِ القُرى قِيلَ: أهْلُ القُرى المَذْكُورَةِ عَلى وضْعِ المُظْهَرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ لِلْإيذانِ بِأنَّ مَدارَ التَّوْبِيخِ أمْنُ كُلِّ طائِفَةٍ ما أتاهم مِنَ البَأْسِ لا أمْنَ مَجْمُوعِ الأُمَمِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِمْ أهْلُ مَكَّةَ وما حَوالَيْها مِمَّنْ بُعِثَ إلَيْهِ نَبِيُّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وهو الأوْلى عِنْدِي، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ مُحْيِي السُّنَّةِ، والعَطْفُ عَلى القَوْلَيْنِ عَلى ﴿فَأخَذْناهم بَغْتَةً﴾ لا عَلى مَحْذُوفٍ ويُقَدَّرُ بِما يُناسِبُ المَقامَ كَما وقَعَ نَحْوَ ذَلِكَ في القُرْآنِ كَثِيرًا، وأمْرُ صَدارَةِ الِاسْتِفْهامِ سَهْلٌ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا﴾ إلَخْ اعْتِراضٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُما لِلْمُسارَعَةِ إلى بَيانِ أنَّ الأخْذَ المَذْكُورَ مِمّا كَسَبَتْهُ أيْدِيهِمْ نَظَرًا لِلْأوَّلِ، ولِأنَّهُ يُؤَيِّدُ ما ذُكِرَ مِن أنَّ الأخْذَ بَغْتَةً تَرَتَّبَ عَلى الإيمانِ والتَّقْوى، ولَوْ عُكِسَ لانْعَكَسَ الأمْرُ نَظَرًا لِلثّانِي، ولَوْ جَعَلْتَ اللّامَ فِيما تَقَدَّمَ لِلْجِنْسِ أكَّدَ كَذا هَذا الِاعْتِراضَ المَعْطُوفُ والمَعْطُوفُ عَلَيْها وشَمِلَهُما شُمُولًا سَواءٌ عَلى ما في الكَشْفِ ولَمْ يُجْعَلِ العَطْفُ عَلى (فَأخَذْناهُمْ) الأقْرَبَ لِأنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِبَيانِ القُرى وقِصَّةِ هَلاكِها قَصْدًا كالَّذِي قَبْلَهُ فَكانَ العَطْفُ عَلَيْهِ دُونَهُ أنْسَبَ، وهَذا إذا أُرِيدَ بِالقُرى القُرى المَدْلُولُ عَلَيْها بِما سَبَقَ، وأمّا إذا أُرِيدَ بِها (p-12)مَكَّةُ وما حَوْلَها فَوَجْهُ ذَلِكَ أظْهَرُ؛ لِأنَّ مَنشَأ الإنْكارِ ما أصابَ الأُمَمَ السّالِفَةَ لا ما أصابَ أهْلَ مَكَّةَ ومَن حَوْلَها مِنَ القَحْطِ وضِيقِ الحالِ، ورُبَّما يُقالُ: إذا كانَ المُرادُ بِأهْلِ القُرى في المَوْضِعَيْنِ أهْلَ مَكَّةَ وما حَوْلَها يَكُونُ العَطْفُ عَلى الأقْرَبِ أنْسَبَ، والمَعْنى أبَعْدَ ذَلِكَ الأخْذِ لِمَنِ اسْتَكْبَرَ وتَعَزَّزَ وخالَفَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وشُيُوعِهِ والعِلْمِ بِهِ يَأْمَنُ أهْلُ القُرى المُشارِكُونَ لَهم في ذَلِكَ ﴿أنْ يَأْتِيَهم بَأْسُنا﴾ أيْ عَذابُنا ﴿بَياتًا﴾، أيْ: وقْتَ بَياتٍ وهو مُرادُ مَن قالَ لَيْلًا، وهو مَصْدَرُ باتَ ونَصْبُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ المَفْعُولِ أيْ: بائِتِينَ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَصْدَرَ بَيَتَ، ونَصْبُهُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِيَأْتِيهم مِن غَيْرِ لَفْظِهِ، أيْ: تَبْيِيتًا أوْ حالٌ مِنَ الفاعِلِ بِمَعْنى مُبَيِّتًا بِالكَسْرِ، أوْ مِنَ المَفْعُولِ بِمَعْنى مُبَيَّتِينَ بِالفَتْحِ، واخْتارَ غَيْرُ واحِدٍ الظَّرْفِيَّةَ لِيُناسِبَ ما سَيَأْتِي، ﴿وهم نائِمُونَ﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِهِمُ البارِزِ أوِ المُسْتَتِرِ في بَياتًا لِتَأْوِيلِهِ بِالصِّفَةِ كَما سَمِعْتَ وهو حالٌ مُتَداخِلَةٌ حِينَئِذٍ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب