الباحث القرآني

﴿وما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ﴾ إشارَةٌ إجْمالِيَّةٌ إلى بَيانِ أحْوالِ سائِرِ الأُمَمِ المَذْكُورَةِ تَفْصِيلًا، وفِيهِ تَخْوِيفٌ لِقُرَيْشٍ وتَحْذِيرٌ، ومِن سَيْفُ خَطِيبٍ جِيءَ بِها لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وفي الكَلامِ حَذْفُ صِفَةِ نَبِيٍّ، أيْ: كُذِّبَ أوْ كَذَّبَهُ أهْلُها. ﴿إلا أخَذْنا أهْلَها﴾ اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ، ( وأخَذْنا ) في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ ( أرْسَلْنا )، وفي الرِّضى أنَّ الماضِيَ الواقِعَ حالًا إذا كانَ بَعْدَ إلّا فاكْتِفاؤُهُ بِالضَّمِيرِ مِن دُونِ الواوِ، وقَدْ كَثُرَ نَحْوَ: ما لَقِيتُهُ إلّا وأكْرَمَنِي؛ لِأنَّ دُخُولَ إلّا في الأغْلَبِ الأكْثَرِ عَلى الِاسْمِ فَهو بِتَأْوِيلِ: إلّا مُكْرِمًا لِي، فَصارَ كالمُضارِعِ المُثْبَتِ وما في هَذِهِ الآيَةِ مِن هَذا القَبِيلِ، وقَدْ يَجِيءُ مَعَ الواوِ وقَدْ نَحْوَ: ما لَقِيتُهُ إلّا وقَدْ أكْرَمَنِي، ومَعَ الواوِ وحْدَها (p-9)نَحْوَ: ما لَقِيتُهُ إلّا أكْرَمَنِي؛ لِأنَّ الواوَ مَعَ إلّا تَدْخُلُ في خَبَرِ المُبْتَدَأِ فَكَيْفَ بِالحالِ ولَمْ يُسْمَعْ فِيهِ قَدْ مِن دُونِ الواوِ، وقالَ المُرادِيُّ في شَرْحِ الألْفِيَّةِ: إنَّ الحالَ المُصَدَّرَةَ بِالماضِي المُثْبَتِ إذا كانَ تالِيًا لِ إلّا يَلْزَمُها الضَّمِيرُ والخُلُوُّ مِنَ الواوِ، ويَمْتَنِعُ دُخُولُ قَدْ. وقَوْلُهُ: ؎مَتى يَأْتِ هَذا المَوْتُ لَمْ تَلْفَ حاجَةً لِنَفْسِي إلّا قَدْ قَضَيْتُ قَضاءَها نادِرٌ، وقَدْ نَصَّ عَلى ذَلِكَ الأشْمُونِيُّ وغَيْرُهُ أيْضًا، والظّاهِرُ أنَّ امْتِناعَ قَدْ بَعْدَ إلّا فِيما ذُكِرَ إذا كانَ الماضِي حالًا لا مُطْلَقًا، وإلّا فَقَدْ ذَكَرَ الشِّهابُ أنَّ الفِعْلَ الماضِيَ لا يَقَعُ بَعْدَ إلّا، إلّا بِأحَدِ شَرْطَيْنِ؛ إمّا تَقَدُّمُ فِعْلٍ كَما هُنا. وإمّا مَعَ قَدْ نَحْوَ: ما زَيْدٌ إلّا قَدْ قامَ، ولا يَجُوزُ: ما زَيْدٌ إلّا ضُرِبَ، ويُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْنا أنَّ ما وقَعَ في غالِبِ نُسَخِ تَفْسِيرِ مَوْلانا شَيْخِ الإسْلامِ مِن أنَّ الفِعْلَ الماضِيَ لا يَقَعُ بَعْدَ إلّا، إلّا بِأحَدِ شَرْطَيْنِ إمّا تَقْدِيرُ قَدْ كَما في هَذِهِ الآيَةِ أوْ مُقارَنَةُ قَدْ كَما في قَوْلِكَ: ما زَيْدٌ إلّا قَدْ قامَ. لَيْسَ عَلى ما يَنْبَغِي بَلْ هو غَلَطٌ ظاهِرٌ كَما لا يَخْفى، والمَعْنى فِيما نَحْنُ فِيهِ: وما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِنَ القُرى المُهْلَكَةِ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا حالَ كَوْنِنا آخِذِينَ أهْلَها ﴿بِالبَأْساءِ﴾ أيْ: بِالبُؤْسِ والفَقْرِ، ﴿والضَّرّاءِ﴾ بِالضُّرِّ والمَرَضِ، وبِذَلِكَ فَسَّرَهُما ابْنُ مَسْعُودٍ وهو مَعْنى قَوْلِ مَن قالَ: البَأْساءُ في المالِ، والضَّرّاءُ في النَّفْسِ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّ ابْتِداءَ الإرْسالِ مُقارِنٌ لِلْأخْذِ المَذْكُورِ، بَلْ إنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لَهُ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنْهُ، ﴿لَعَلَّهم يَضَّرَّعُونَ﴾ أيْ: كَيْ يَتَضَرَّعُوا ويَخْضَعُوا ويَتُوبُوا مِن ذُنُوبِهِمْ ويَنْقادُوا لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب