الباحث القرآني
﴿والوَزْنُ﴾ أيْ وزْنُ الأعْمالِ والتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرّاجِحِ مِنها والخَفِيفِ والجَيِّدِ والرَّدِيءِ وهو مُبْتَدَأٌ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُهُ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَقُّ﴾ صِفَتُهُ أيْ والوَزْنُ الحَقُّ الثّابِتُ يَوْمَ إذْ يَكُونُ السُّؤالُ والقَصُّ واخْتارَ هَذا بَعْضٌ مِنَ المُعْرِبِينَ وقِيلَ: الظّاهِرُ أنَّ ( الحَقُّ ) خَبَرٌ و( يَوْمَئِذٍ ) ظَرْفٌ لِلْوَزْنِ لِئَلّا يَقَعَ الفَصْلُ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ.
ولَعَلَّ وجْهَ عَدَمِ اخْتِيارِ هَذا أنَّ فِيهِ إعْمالَ المَصْدَرِ المُعَرَّفِ وهو قَلِيلٌ وفي الكَشْفِ لَيْسَ المَعْنى عَلى أنَّ الوَزْنَ هو الحَقُّ بَلْ أنَّ الوَزْنَ الحَقَّ يَكُونُ يَوْمَئِذٍ ألا يُرى إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ وذَكَرَ الأصْفَهانِيُّ في شَرْحِ اللُّمْعِ لِابْنِ جِنِّيٍّ أنَّ ( الحَقُّ ) بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في الظَّرْفِ وهو وجْهٌ حَسَنٌ إلّا أنَّ الأوَّلَ رَجَّحَ جانِبَ المَعْنى ولَمْ يُبالِ بِالفَصْلِ بِالخَبَرِ لِاتِّحادِهِ مِن وجْهٍ بِالمُبْتَدَأِ لا سِيَّما والظَّرْفُ يَتَوَسَّعُ فِيهِ وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ ( الحَقُّ ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَأنَّهُ قِيلَ: ما ذَلِكَ الوَزْنُ فَقِيلَ: هو الحَقُّ أيِ العَدْلُ السَّوِيُّ وأنْ يَكُونَ ( الوَزْنُ ) خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْضًا أيْ هَذا الوَزْنُ وهو كَما تَرى وقُرِئَ ( القِسْطَ ) والوَزْنُ كَما قالَ الرّاغِبُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ يُقالُ وزَنْتُهُ وزْنًا وزِنَةً والمُتَعارَفُ فِيهِ عِنْدَ العامَّةِ ما يُقَدَّرُ بِالقِسْطاسِ والقَبّانِ واخْتُلِفَ في كَيْفِيَّتِهِ يَوْمَ القِيامَةِ والجُمْهُورُ كَما قالَ القاضِي عَلى أنَّ صَحائِفَ الأعْمالِ هي الَّتِي تُوزَنُ بِمِيزانٍ لَهُ لِسانٌ وكِفَّتانِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ الخَلائِقُ إظْهارًا لِلْمَعْدَلَةِ وقَطْعًا لِلْمَعْذِرَةِ كَما يُسْألُونَ عَنْ أعْمالِهِمْ فَتَعْتَرِفُ بِها ألْسِنَتُهم وجَوارِحُهم ولا تُعْرَضُ لَهم لِماهِيَّةِ هاتِيكَ الصَّحائِفِ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَتِها.
ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ وغَيْرُهم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُصاحُ بِرَجُلٍ مِن أُمَّتِي عَلى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِنها مَدُّ البَصَرِ فَيَقُولُ سُبْحانَهُ: أتُنْكِرُ مِن هَذا شَيْئًا أظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحافِظُونَ فَيَقُولُ: لا يا رَبِّ فَيَقُولُ سُبْحانَهُ أفَلَكَ عُذْرٌ أوْ حَسَنَةٌ فَيَهابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لا يا رَبِّ فَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: بَلى إنَّ لَكَ عِنْدَنا حَسَنَةً وإنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ فَتَخْرُجُ لَهُ بِطاقَةٌ فِيها أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ فَيَقُولُ: يا رَبِّ ما هَذِهِ البِطاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلّاتِ فَيُقالُ: إنَّكَ لا تُظْلَمُ فَتُوضَعُ السِّجِلّاتُ في كِفَّةٍ (p-83)والبِطاقَةُ في كِفَّةٍ فَطاشَتِ السِّجِلّاتُ وثَقُلَتِ البِطاقَةُ ولا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعالى شَيْءٌ» وهَذِهِ الشَّهادَةُ عَلى ما قالَهُ القُرْطُبِيُّ نَقْلًا عَنِ الحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ لَيْسَتْ شَهادَةَ التَّوْحِيدِ لِأنَّ مِن شَأْنِ المِيزانِ أنْ يُوضَعَ في إحْدى كِفَّتَيْهِ شَيْءٌ وفي الأُخْرى ضِدُّهُ فَتُوضَعُ الحَسَناتُ في كِفَّةٍ والسَّيِّئاتُ في كِفَّةٍ ومِنَ المُسْتَحِيلِ أنْ يُؤْتى لِعَبْدٍ واحِدٍ بِكُفْرٍ وإيمانٍ مَعًا فَيَسْتَحِيلُ أنْ تُوضَعَ شَهادَةُ التَّوْحِيدِ في المِيزانِ أمّا بَعْدَ الإيمانِ فَإنَّ النُّطْقَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ حَسَنَةٌ فَتُوضَعُ في المِيزانِ كَسائِرِ الحَسَناتِ وأُيِّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا في الحَدِيثِ «إنَّ لَكَ عِنْدَنا حَسَنَةً» دُونَ أنْ يَقُولَ سُبْحانَهُ إيمانًا وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ هَذِهِ الكَلِمَةَ إذا كانَتْ آخِرَ كَلامِهِ في الدُّنْيا وجَوَّزَ غَيْرُهُ أنْ تَكُونَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ ومُنِعَ لُزُومُ وضْعِ الضِّدِّ في الكِفَّةِ الأُخْرى لِيَلْزَمَ المُحالُ فَتَدَبَّرْ وجاءَ في خَبَرٍ آخَرَ أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي الدُّنْيا والنُّمَيْرِيُّ في كِتابِ الأعْلامِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أيْضًا قالَ «إنَّ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مَوْقِفًا في فَسَحَ مِنَ العَرْشِ عَلَيْهِ ثَوْبانِ أخْضَرانِ كَأنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ يَنْظُرُ إلى مَن يَنْطَلِقُ بِهِ مِن ولَدِهِ إلى الجَنَّةِ ومَن يَنْطَلِقُ بِهِ إلى النّارِ فَبَيْنا آدَمُ عَلى ذَلِكَ إذْ يَنْظُرُ إلى رَجُلٍ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَنْطَلِقُ بِهِ إلى النّارِ فَيُنادِي آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ يا أحْمَدُ يا أحْمَدُ فَيَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَبَّيْكَ يا أبا البَشَرِ فَيَقُولُ هَذا رَجُلٌ مِن أُمَّتِكَ يَنْطَلِقُ بِهِ إلى النّارِ قالَ ﷺ فَأشُدُّ المِئْزَرَ وأُسْرِعُ في أثَرِ المَلائِكَةِ فَأقُولُ: يا رُسُلَ رَبِّي قِفُوا فَيَقُولُونَ نَحْنُ الغِلاظُ الشِّدادُ الَّذِينَ لا نَعْصِي اللَّهَ تَعالى ما أمَرَنا ونَفْعَلُ ما نُؤْمَرُ فَإذا أيِسَ النَّبِيُّ ﷺ قَبَضَ عَلى لِحْيَتِهِ بِيَدِهِ اليُسْرى واسْتَقْبَلَ العَرْشَ بِوَجْهِهِ فَيَقُولُ يا رَبِّ قَدْ وعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي في أُمَّتِي فَيَأْتِي النِّداءُ مِن قِبَلِ العَرْشِ أطِيعُوا مُحَمَّدًا ورُدُّوا هَذا العَبْدَ إلى المَقامِ فَيُخْرِجُ ﷺ بِطاقَةً بَيْضاءَ كالأُنْمُلَةِ فَيُلْقِيها في كِفَّةِ المِيزانِ اليُمْنى وهو يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَتَرْجُحُ الحَسَناتُ عَلى السَّيِّئاتِ فَيُنادِي المُنادِي سَعِدَ وسَعِدَ جَدُّهُ وثَقُلَتْ مَوازِينُهُ انْطَلِقُوا بِهِ إلى الجَنَّةِ فَيَقُولُ يا رُسُلَ رَبِّي قِفُوا حَتّى أسْألَ هَذا العَبْدَ الكَرِيمَ عَلى رَبِّهِ فَيَقُولُ بِأبِي أنْتَ وأُمِّي ما أحْسَنَ وجْهَكَ وأحْسَنَ خُلُقَكَ مَن أنْتَ فَقَدَ أقَلْتَنِي عَثْرَتِي ورَحِمْتَ عَبْرَتِي فَيَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنا نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وهَذِهِ صَلاتُكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّي عَلَيَّ وفَّيْتُكَها أحْوَجَ ما تَكُونُ إلَيْها». انْتَهى.
ولَعَلَّ فِعْلَ مِثْلِ هَذا إذا صَحَّ الخَبَرُ مُبالَغَةٌ في إظْهارِ كَرامَةِ النَّبِيِّ ﷺ عَلى رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ بَيْنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ.
وقِيلَ تُوزَنُ الأشْخاصُ واحْتَجُّوا لَهُ بِما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ «إنَّهُ لَيُؤْتى العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى جَناحَ بَعُوضَةٍ» ولا أدْرِي عَلى هَذا ما يُوضَعُ في الكِفَّةِ الأُخْرى في المِيزانِ إذا وُضِعَ المُذْنِبُ في إحْداهُما ووَضْعُ شَخْصٍ في مُقابَلَةِ شَخْصٍ لا أراهُ إلّا كَما تَرى والخَبَرُ لَيْسَ نَصًّا في الدَّعْوى كَما لا يَخْفى وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الأعْمالَ الظّاهِرَةَ في هَذِهِ النَّشْأةِ بِصُورَةٍ عَرَضِيَّةٍ تَظْهَرُ في النَّشْأةِ الآخِرَةِ بِصُورَةٍ جَوْهَرِيَّةٍ مُناسِبَةً لَها في الحُسْنِ والقُبْحِ ورُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وصَحَّحَهُ غَيْرُ واحِدٍ وقالَ: إنَّ عَلَيْهِ الِاعْتِقادَ وفي الآثارِ ما يُؤَيِّدُهُ فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنِ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ قالَ يُجاءُ بِعَمَلِ الرَّجُلِ فَيُوضَعُ بِكِفَّةِ مِيزانِهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَخِفُّ فَيُجاءُ بِشَيْءٍ أمْثالِ الغَمامِ فَيُوضَعُ في كِفَّةِ مِيزانِهِ فَيَرْجَحُهُ فَيُقالُ لَهُ أتَدْرِي ما هَذا فَيَقُولُ: لا فَيُقالُ لَهُ هَذا فَضْلُ العِلْمِ الَّذِي كُنْتَ تُعَلِّمُهُ النّاسَ وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ عَنْ حَمّادِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ بِمَعْناهُ.
وقِيلَ: الوَزْنُ عِبارَةٌ عَنِ القَضاءِ السَّوِيِّ والحُكْمِ العادِلِ واسْتِعْمالُ لَفْظِ الوَزْنِ في هَذا المَعْنى شائِعٌ في اللُّغَةِ والعُرْفِ بِطْرِيقِ الكِنايَةِ وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ والأعْمَشُ والضَّحّاكُ وإلَيْهِ ذَهَبَ المُعْتَزِلَةُ إلّا أنَّ مِنهم مَن جَوَّزَ (p-84)الوَزْنَ بِالمَعْنى المُتَعارَفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وإنْ لَمْ يَقْضِ بِثُبُوتِهِ كالعَلّافِ وبِشْرِ بْنِ المُعْتَمِرِ ومِنهم مَن أحالَهُ لِأنَّ الأعْمالَ أعْراضٌ وهي مِمّا لا تَبْقى ومِمّا لا يُمْكِنُ إعادَتُها لَكِنَّها أعْراضٌ والأعْراضُ يَمْتَنِعُ وزْنُها إذْ لا تُوصَفُ بِثِقَلٍ ولا خِفَّةٍ سَلَّمْنا إمْكانَ وزْنِها لَكِنْ لا فائِدَةَ في ذَلِكَ إذِ المَقْصُودُ إنَّما هو العِلْمُ بِتَفاوُتِ الأعْمالِ واللَّهُ تَعالى عالِمٌ بِذَلِكَ وما لا فائِدَةَ فِيهِ فَفِعْلُهُ قَبِيحٌ والرَّبُّ تَعالى مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ القَبِيحِ وجَوابُهُ يُعْلَمُ مِمّا قَدَّمْنا.
وفَسَّرَ هَؤُلاءِ المِيزانَ بِالعَدْلِ والإنْصافِ واعْتَرَضَ الآمِدِيُّ عَلى ذَلِكَ بِأنَّ المِيزانَ مَوْصُوفٌ بِالثِّقَلِ والخِفَّةِ والعَدْلُ والإنْصافُ يُوصَفانِ بِذَلِكَ وفي الأخْبارِ ما هو صَرِيحٌ في أنَّ المِيزانَ جُسْمانِيٌّ فَقَدْ أخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ سَلْمانَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «يُوضَعُ المِيزانُ يَوْمَ القِيامَةِ فَلَوْ وُزِنَ فِيهِ السَّمَواتُ والأرْضُ لَوَسِعَ فَتَقُولُ المَلائِكَةُ يا رَبِّ مَن يَزِنُ هَذا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: مَن شِئْتُ مِن خَلْقِي فَتَقُولُ المَلائِكَةُ سُبْحانَكَ ما عَبَدْناكَ حَقَّ عِبادَتِكَ» وفي رِوايَةِ ابْنِ المُبارَكِ واللّالَكائِيِّ عَنْهُ قالَ: «يُوضَعُ المِيزانُ ولَهُ كِفَّتانِ لَوْ وُضِعَ في إحْداهُما السَّمَواتُ والأرْضُ ومِن فِيهِنَّ لَوَسِعَهُ فَتَقُولُ المَلائِكَةُ مَن يَزِنُ هَذا». الحَدِيثَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «خَلَقَ اللَّهُ تَعالى كِفَّتَيِ المِيزانِ مِثْلَ السَّمَواتِ والأرْضِ فَقالَتِ المَلائِكَةُ يا رَبَّنا مَن تَزِنُ بِهَذا فَقالَ أزِنُ بِهِ مَن شِئْتُ» وفي بَعْضِ الآثارِ أنَّ اللَّهَ تَعالى كَشَفَ عَنْ بَصَرِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَرَأى مِنَ المِيزانِ ما هالَهُ حَتّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمّا أفاقَ قالَ: يا رَبِّ مَن يَمْلَأُ كِفَّةَ هَذا حَسَناتٍ فَقالَ جَلَّ شَأْنُهُ يا داوُدُ إذا رَضِيتُ عَنْ عَبْدٍ مَلَأْتُها بِشِقِّ تَمْرَةٍ تَصَدَّقَ بِها إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يُحْصى كَثْرَةً فالأوْلى كَما قالَ الزَّجّاجُ اتِّباعُ ما جاءَ في الأحادِيثِ ولا مُقْتَضى لِلْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ فَإنْ قِيلَ إنَّ المُكَلَّفَ يَوْمَ القِيامَةِ إمّا مُؤْمِنٌ بِأنَّهُ تَعالى حَكِيمٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الجَوْرِ فَيَكْفِيهِ حُكْمُهُ تَعالى بِكَيْفِيّاتِ الأعْمالِ وكَمِّيّاتِها وإمّا مُنْكِرٌ لَهُ فَلا يُسَلِّمُ حِينَئِذٍ أنَّ رُجْحانَ بَعْضِ الأعْمالِ عَلى بَعْضٍ لِخُصُوصِيّاتٍ راجِعَةٍ إلى ذَواتِ تِلْكَ الأعْمالِ بَلْ يُسْنِدُهُ إلى إظْهارِ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ فَما الفائِدَةُ في الوَزْنِ أُجِيبَ بِأنَّهُ يَنْكَشِفُ الحالُ يَوْمَئِذٍ وتَظْهَرُ جَمِيعُ الأشْياءِ بِحَقائِقِها عَلى ما هي عَلَيْهِ وبِأوْصافِها وأحْوالِها في أنْفُسِها مِنَ الحُسْنِ والقُبْحِ وغَيْرِ ذَلِكَ وتَنْخَلِعُ عَنِ الصُّوَرِ المُسْتَعارَةِ الَّتِي بِها ظَهَرَتْ في الدُّنْيا فَلا يَبْقى لِأحَدٍ مِمَّنْ يُشاهِدُها شُبْهَةٌ في أنَّها هي الَّتِي كانَتْ في الدُّنْيا بِعَيْنِها وأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنها قَدْ ظَهَرَ في هَذِهِ النَّشْأةِ بِصُورَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ المُسْتَتَّبِعَةِ لِصِفاتِهِ ولا يَخْطُرُ بِبالِهِ خِلافُ ذَلِكَ قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ.
﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ تَفْصِيلٌ لِلْأحْكامِ المُتَرَتِّبَةِ عَلى الوَزْنِ والمَوازِينُ إمّا جَمْعُ مِيزانٍ وجَمْعُهُ مَعَ أنَّ المَشْهُورَ الصَّحِيحَ أنَّ المِيزانَ مُطْلَقًا واحِدٌ بِاعْتِبارِ تَعَدُّدِ الأوْزانِ أوِ المَوْزُوناتِ وكَذا إذا قُلْنا بِأنَّ مِيزانَ كُلِّ شَخْصٍ واحِدٌ وفي الكَلامِ مُضافٌ مُقَدَّرٌ أيْ كِفَّةُ مَوازِينِهِ وإمّا جَمْعُ مَوْزُونٍ وإضافَتُهُ لِلْعَهْدِ لِتَرَتُّبِ الفَلاحِ عَلى ذَلِكَ فالمُرادُ الحَسَناتُ والجَمْعُ عَلى هَذا ظاهِرٌ وكَذا لَوْ قُلْنا إنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِيزانًا ﴿فَأُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ والجَمْعِيَّةُ بِاعْتِبارِ مَعْناهُ كَما أنَّ إفْرادَ ضَمِيرِ ( مَوازِينُهُ ) العائِدِ إلَيْهِ بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ وهو مُبْتَدَأٌ و( هم ) إمّا ضَمِيرُ فَصْلٍ يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ الخَبَرِ والصِّفَةِ ويُؤَكِّدُ النِّسْبَةَ ويُفِيدُ اخْتِصاصَ المُسْنَدِ بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ و﴿المُفْلِحُونَ﴾ (8) أيِ الفائِزُونَ بِالنَّجاةِ والثَّوابِ (p-85)خَبَرٌ وإمّا مُبْتَدَأٌ ثانٍ و( المُفْلِحُونَ ) خَبَرُهُ والجُمْلَةُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ وتَعْرِيفُ المُفْلِحِينَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُمُ النّاسُ الَّذِينَ بَلَغَكَ أنَّهم مُفْلِحُونَ في الآخِرَةِ أوْ إشارَةٌ إلى ما يَعْرِفُهُ كُلُّ أحَدٍ مِن حَقِيقَةِ المُفْلِحِينَ وخَصائِصِهِمْ.
{"ayah":"وَٱلۡوَزۡنُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق