الباحث القرآني
﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكُمْ﴾ خِطابٌ لِكافَّةِ المُكَلَّفِينَ والمُرادُ بِالمَوْصُولِ الكِتابُ المُنَزَّلُ إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ إلّا أنَّهُ وُضِعَ المُظْهَرُ مَوْضِعَ المُضْمَرِ وجُعِلَ مُنَزَّلًا إلَيْهِمْ لِتَأْكِيدِ وُجُوبِ الِاتِّباعِ وقِيلَ: المُرادُ بِهِ ما يَعُمُّ الكِتابَ والسَّنَةَ فَلَيْسَ مِن وضْعِ المُظْهَرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ وإيثارُهُ لِفائِدَةِ التَّعْمِيمِ وتَشْمِيمٌ مِن أُسْلُوبِ قَوْلِ الأنْمارِيَّةِ هم كالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لا يُدْرى أيْنَ طَرَفاها وتَتْمِيمٌ لِشَرْحِ الصَّدْرِ فَإنَّهُ لَمّا شَجَّعَ أمْرُ الجَمِيعِ بِاتِّباعِ جَمِيعِ ما يَرْسُمُهُ لِيَكُونَ أدْعى لِانْشِراحِ صَدْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ورَحْبَ ذِراعِهِ.
ولا يَخْفى أنَّ هَذا الحَمْلَ بَعِيدٌ نَعَمْ يَعُمُّ السُّنَّةَ بِأقْسامِها الحُكْمُ بِطَرِيقِ الدَّلالَةِ لا بِطْرِيقِ العِبارَةِ و( مِن ) مُتَعَلِّقَةٌ بِأُنْزِلَ عَلى أنَّها لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًا أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ المَوْصُولِ أوْ مِن ضَمِيرِهِ في الصِّلَةِ وفي التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ مَزِيدُ لُطْفٍ بِهِمْ وتَرْغِيبٌ لَهم في الِامْتِثالِ بِما أُمِرُوا بِهِ وتَأْكِيدٌ لِوُجُوبِهِ إثْرَ تَأْكِيدٍ ﴿ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ﴾ الضَّمِيرُ المَجْرُورُ عائِدٌ إلى ( رَبِّكم ) والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن فاعِلِ فِعْلِ النَّهْيِ أيْ لا تَتَّبِعُوا مُتَجاوِزِينَ رَبَّكُمُ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكم ما يَهْدِيكم إلى الحَقِّ ( أوْلِياءَ ) مِنَ الشَّياطِينِ والكُهّانِ بِأنْ تَقْبَلُوا مِنهم ما يُلْقُونَهُ إلَيْكم مِنَ الأباطِيلِ لِيُضِلُّوكم عَنِ الحَقِّ بَعْدَ إذْ جاءَكم ويَحْمِلُوكم عَلى البِدَعِ والأهْواءِ الزّائِغَةِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الجارُّ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن ( أوْلِياءَ ) قُدِّمَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً أيْ أوْلِياءَ كائِنَةً غَيْرَهُ تَعالى وأنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالفِعْلِ قَبْلَهُ أيْ تَعْدِلُوا عَنْهُ سُبْحانَهُ إلى غَيْرِهِ ولَمّا كانَ اتِّباعُ ما أنْزَلَهُ سُبْحانَهُ جَلَّ وعَلا اتِّباعًا لَهُ عَزَّ شَأْنُهُ عَقَّبَ الأمْرَ السّابِقَ بِهَذا النَّهْيِ وقِيلَ: الضَّمِيرُ لَمّا أُنْزِلَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ في أوْلِياءَ أيْ لا تَتَّبِعُوا مِن دُونِ ما أُنْزِلَ أباطِيلَ أوْلِياءَ وكَأنَّهُ قِيلَ: ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِ دِينِ رَبِّكم دِينَ أوْلِياءَ وذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِأنَّهُ لا يَحْسُنُ وصْفُ المُنْزَلِ بِكَوْنِهِ دُونَهم وجُوِّزَ كَوْنُ الضَّمِيرِ لِلْمَصْدَرِ أيْ لا تَتَّبِعُوا أوْلِياءَ اتِّباعًا مِن دُونِ اتِّباعِكم ما أُنْزِلَ إلَيْكم وفِيهِ بُعْدٌ.
وقَرَأ مُجاهِدٌ ( تَبْتَغُوا ) بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ مِنَ الِابْتِغاءِ ﴿قَلِيلا ما تَذَكَّرُونَ﴾ (3) أيْ تَذَكُّرًا قَلِيلًا أوْ زَمانًا قَلِيلًا تَذَكَّرُونَ لا كَثِيرًا حَيْثُ لا تَتَأثَّرُونَ بِذَلِكَ ولا تَعْمَلُونَ بِمُوجِبِهِ وتَتْرُكُونَ الحَقَّ وتَتَّبِعُونَ غَيْرَهُ فَقَلِيلًا (p-78)نَعْتُ مَصْدَرٍ أوْ زَمانٍ مَحْذُوفٍ أُقِيمَ مَقامَهُ ونَصَبَهُ بِالفِعْلِ بَعْدَهُ وقُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْقَصْرِ و( ما ) مَزِيدٌ لِتَأْكِيدِ القِلَّةِ لِأنَّها تُفِيدُها في نَحْوِ أكَلْتُ أكْلًا ما فَهي ها هُنا قِلَّةٌ عَلى قِلَّةٍ والظّاهِرُ مِنَ القِلَّةِ مَعْناها وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِها العَدَمُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقَلِيلا ما يُؤْمِنُونَ﴾ وأُجِيزَ أنْ يَكُونَ قَلِيلًا نَعْتَ مَصْدَرٍ لِتَتَّبِعُوا أيِ اتِّباعًا قَلِيلًا قِيلَ: ويُضَعِّفُهُ أنَّهُ لا مَعْنى حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( تَذَكَّرُونَ ) وأمّا النَّهْيُ عَنِ الِاتِّباعِ القَلِيلِ فَلا يَضُرُّ لِأنَّهُ يُفْهَمُ مِنهُ غَيْرُهُ بِالطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ وأنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ تَتَّبِعُوا وما مَصْدَرِيَّةٌ أوْ مَوْصُولَةٌ فاعِلٌ لَهُ كَما قِيلَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ﴾ والنَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ إلى القَيْدِ والمُقَيَّدِ جَمِيعًا واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا طائِلَ تَحْتَ مَعْناهُ وإنْ وُجِّهَ وأنْ يَكُونَ ما مَصْدَرِيَّةً أوْ مَوْصُولَةً مُبْتَدَأٌ و( قَلِيلًا ) عَلى مَعْنى زَمانًا قَلِيلًا خَبَرُهُ وقِيلَ: إنَّ ما نافِيَةٌ و( قَلِيلًا ) مَعْمُولٌ لِما بَعْدَهُ والكُوفِيُّونَ يُجَوِّزُونَ عَمَلَ ما بَعْدَ ما النّافِيَةِ فِيما قَبْلَها والمَعْنى ما تَذَكَّرُونَ قَلِيلًا فَكَيْفَ تَذَكَّرُونَ كَثِيرًا ولَيْسَ بِشَيْءٍ.
وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ ( تَذْكُرُونَ ) بِحَذْفِ إحْدى التّاءَيْنِ وذالٍ مُخَفَّفَةٍ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ( يَتَذَكَّرُونَ ) بِياءٍ تَحْتِيَّةٍ ومُثَنّاةٍ فَوُقِيَّةٍ وذالٍ مُخَفَّفَةٍ وفي طَرِيقٍ شاذَّةٍ عَنْهُ بِتاءَيْنِ فَوْقِيَّتَيْنِ وقَرَأ الباقُونَ بِتاءٍ فَوْقِيَّةٍ وذالٍ مُشَدَّدَةٍ عَلى إدْغامِ التّاءِ المَهْمُوسَةِ في الذّالِ المَجْهُورَةِ والجُمْلَةُ عَلى ما قالَهُ غَيْرُ واحِدٍ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مَسُوقٌ لِتَقْبِيحِ حالِ المُخاطَبِينَ والِالتِفاتُ عَلى القِراءَةِ المَشْهُورَةِ عَنِ ابْنِ عامِرٍ لِلْإيذانِ بِاقْتِضاءِ سُوءِ حالِهِمْ في عَدَمِ الِامْتِثالِ بِالأمْرِ والنَّهْيِ صَرْفُ الخِطابِ عَنْهم وحِكايَةُ جِناياتِهِمْ لِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ المُباتَّةِ ولا حُجَّةَ في الآيَةِ لِنُفاةِ القِياسِ كَما لا يَخْفى.
{"ayah":"ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَۗ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











