الباحث القرآني

﴿وقاسَمَهُما إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ﴾ (21) أقْسَمَ لَهُما وإنَّما عَبَّرَ بِصِيغَةِ المُفاعَلَةِ لِلْمُبالَغَةِ لِأنَّ مَن يُبارِي أحَدًا في فِعْلٍ يَجِدُّ فِيهِ فاسْتُعْمِلَ في لازِمِهِ وقِيلَ: المُفاعَلَةُ عَلى بابِها والقَسَمُ وقَعَ مِنَ الجانِبَيْنِ لَكِنَّهُ اخْتَلَفَ مُتَعَلِّقُهُ فَهو أقْسَمَ لَهُما عَلى النُّصْحِ وهُما أقْسَما لَهُ عَلى القَبُولِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّ هَذا إنَّما يَتِمُّ لِوُجُودِ المُقاسَمَةِ عَنْ ذِكْرِ المُقْسَمِ عَلَيْهِ وهو النَّصِيحَةُ أمّا حَيْثُ ذُكِرَ فَلا يَتِمُّ إلّا أنْ يُقالَ: سُمِّيَ قَبُولُ النَّصِيحَةِ نَصِيحَةٌ لِلْمُشاكَلَةِ والمُقابَلَةِ كَما قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وواعَدْنا مُوسى﴾ أنَّهُ سَمّى التِزامَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ الوَفاءَ والحُضُورَ لِلْمِيعادِ مِيعادًا فَأسْنَدَ التَّعْبِيرُ بِالمُفاعَلَةِ وقِيلَ: قالا لَهُ أتُقْسِمُ بِاللَّهِ تَعالى إنَّكَ لَمِنَ النّاصِحِينَ وأقْسَمَ لَهُما فَجَعَلَ ذَلِكَ مُقاسَمَةً وعَلى هَذا فَيَكُونُ كَما قالَ ابْنُ المُنِيرِ في الكَلامِ لَفٌّ لِأنَّ آدَمَ وحَوّاءَ عَلَيْهِما السَّلامُ لا يُقْسِمانِ بِلَفْظِ التَّكَلُّمِ بَلْ بِلَفْظِ الخِطابِ وقِيلَ: إنَّهُ إلى التَّغْلِيبِ أقْرَبُ وقِيلَ: إنَّهُ لا حاجَةَ إلَيْهِ بِأنْ يَكُونَ المَعْنى حَلِفًا عَلَيْهِ بِأنْ يَقُولَ لَهُما إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ ﴿فَدَلاهُما﴾ أيْ حَطَّهُما عَلى دَرَجَتِهِما وأنْزَلَهُما عَنْ رُتْبَةِ الطّاعَةِ إلى رُتْبَةِ المَعْصِيَةِ فَهو مِن دَلّى الدَّلْوَ في البِئْرِ كَما قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ وعَنِ الأزْهَرِيِّ أنَّ مَعْناهُ أطْمَعَهُما وأصْلُهُ مِن تَدْلِيَةِ العَطْشانِ شَيْئًا في البِئْرِ فَلا يَجِدُ ما يَشْفِي غَلِيلَهُ وقِيلَ هو مِنَ الدّالَّةِ وهي الجُرْأةُ في فَجَرَّأهُما كَما قالَ. ؎أظُنُّ الحِلْمَ دَلَّ عَلى قَوْمِي وقَدْ يُسْتَجْهَلُ الرَّجُلُ الحَلِيمُ فَأبْدَلَ أحَدَ حَرْفَيِ التَّضْعِيفِ ياءً ﴿بِغُرُورٍ﴾ أيْ بِما غَرَّهُما بِهِ مِنَ القَسَمِ أوْ مُتَلَبِّسِينَ بِهِ فالباءُ لِلْمُصاحَبَةِ أوِ المُلابَسَةِ والجارُّ والمَجْرُورُ حالٌ مِنَ الفاعِلِ أوِ المَفْعُولِ وجَعَلَ بَعْضُهُمُ الغُرُورَ مَجازًا عَنِ القَسَمِ لِأنَّهُ سَبَبٌ لَهُ ولا حاجَةَ إلَيْهِ وسَبَبُ غُرُورِهِما عَلى ما قالَهُ غَيْرُ واحِدٍ أنَّهُما ظَنّا أنَّ أحَدًا لا يُقْسِمُ بِاللَّهِ تَعالى كاذِبًا ورَوَوْا في ذَلِكَ خَبَرًا وظاهِرُ هَذا أنَّهُما صَدَّقا ما قالَهُ فَأقْدَما عَلى ما نُهِيا عَنْهُ. وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ أنَّ التَّصْدِيقَ لَمْ يُوجَدْ مِنهُما لا قَطْعًا ولا ظَنًّا وإنَّما أقْدَما عَلى المَنهِيِّ عَنْهُ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ كَما نَجِدُ مِن أنْفُسِنا أنْ نُقْدِمَ عَلى الفِعْلِ إذا زَيَّنَ لَنا الغَيْرُ ما نَشْتَهِيهِ وإنْ لَمْ نَعْتَقِدْ أنَّ الأمْرَ كَما قالَ ولَعَلَّ كَلامَ اللَّعِينِ عَلى هَذا مِن قَبِيلِ المُقَدِّماتِ الشِّعْرِيَّةِ أثارَ الشَّهْوَةَ حَتّى غَلَبَتْ ونَسِيَ مَعَها النَّهْيَ فَوَقَعَ الإقْدامُ مِن غَيْرِ رَوِيَّةٍ وقالَ القُطْبُ: يُمْكِنُ أنْ يُقالُ إنَّ اللَّعِينَ لَمّا وسْوَسَ لَهُما بِقَوْلِهِ ﴿ما نَهاكُما﴾ .. إلَخْ. فَلَمْ يَقْبَلا مِنهُ عَدَلَ إلى اليَمِينِ عَلى ما قالَهُ سُبْحانَهُ ﴿وقاسَمَهُما﴾ فَلَمْ يُصَدِّقاهُ أيْضًا فَعَدَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إلى شَيْءٍ آخَرَ وكَأنَّهُ أشارَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب