الباحث القرآني
﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ﴾ عُطِفَ عَلى (قُلْ)، وعَلى الثّانِي فِيهِ تَجْرِيدُ الخِطابِ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو عامٌّ لِكُلِّ ذِكْرٍ فَإنَّ الإخْفاءَ أدْخَلُ في الإخْلاصِ وأقْرَبُ مِنَ القَبُولِ، وفي بَعْضِ الأخْبارِ «يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: «مَن ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، ومَن ذَكَرَنِي في مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَأٍ خَيْرٍ مِنهُ»». وقالَ الإمامُ: المُرادُ بِالذِّكْرِ في نَفْسِهِ أنْ يَكُونَ عارِفًا بِمَعانِي الأذْكارِ الَّتِي يَقُولُها بِلِسانِهِ مُسْتَحْضِرًا لِصِفاتِ الكَمالِ والعِزِّ والعَظَمَةِ والجَلالِ، وذَلِكَ لِأنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسانِ عارِيًا عَنِ الذِّكْرِ بِالقَلْبِ كَأنَّهُ عَدِيمُ الفائِدَةِ، بَلْ ذَكَرَ جَمْعٌ أنَّ الذِّكْرَ اللِّسانِيَّ السّاذَجَ لا ثَوابَ فِيهِ أصْلًا، ومَن أتى بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ غَيْرَ مُلاحِظٍ مَعْناها أوْ جاهِلًا بِهِ لا يُعَدُّ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، وقِيلَ: الخِطابُ لِمُسْتَمِعِ القُرْآنِ، والذِّكْرُ القُرْآنُ، والمُرادُ أمْرُ المَأْمُومِ بِالقِراءَةِ سِرًّا بَعْدَ فَراغِ الإمامِ عَنْ قِراءَتِهِ، وفِيهِ بُعْدٌ ولَوِ التَزَمَ قَوْلَ الإمامِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿تَضَرُّعًا وخِيفَةً﴾ في مَوْضِعِ الحالِ بِتَأْوِيلِ اسْمِ الفاعِلِ أيْ: مُتَضَرِّعًا وخائِفًا، أوْ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ: ذا تَضَرُّعٍ وخِيفَةٍ، وكَوْنُهُ مَفْعُولًا لِأجْلِهِ غَيْرُ مُناسِبٍ.
وجَوَّزَ بَعْضُهم كَوْنَ ذَلِكَ مَصْدَرًا لِفِعْلٍ مِن غَيْرِ المَذْكُورِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وأصْلُ خِيفَةٍ خُوفَةٌ، ودُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ﴾ صِفَةٌ لِمَعْمُولِ حالٍ مَحْذُوفَةٌ؛ أيْ: ومُتَكَلِّمًا كَلامًا دُونَ الجَهْرِ لِأنَّ دُونَ لا تَتَصَرَّفُ عَلى المَشْهُورِ، والعَطْفُ عَلى تَضَرُّعًا، وقِيلَ: لا حاجَةَ إلى ما ذُكِرَ والعَطْفُ عَلى حالِهِ، والمُرادُ: اذْكُرْهُ مُتَضَرِّعًا ومُقْتَصِدًا.
وقِيلَ: إنَّ العَطْفَ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي نَفْسِكَ﴾ لَكِنْ عَلى مَعْنى: اذْكُرْهُ ذِكْرًا في نَفْسِكَ وذِكْرًا بِلِسانِكَ دُونَ الجَهْرِ، والمُرادُ بِالجَهْرِ رَفْعُ الصَّوْتِ المُفْرِطُ وبِما دُونَهُ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الجَهْرِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: هو أنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ. وقالَ الإمامُ: المُرادُ أنْ يَقَعَ الذِّكْرُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الجَهْرِ والمُخافَتَةِ كَما قالَ تَعالى: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾ ويُشْعِرُ كَلامُ ابْنِ زَيْدٍ أنَّ المُرادَ بِالجَهْرِ مُقابِلَ الذِّكْرِ في النَّفْسِ، والآيَةُ عِنْدَهُ خِطابٌ لِلْمَأْمُومِ المَأْمُورِ بِالإنْصاتِ، أيِ اذْكُرْ رَبَّكَ أيُّها المُنْصِتُ في نَفْسِكَ ولا تَجْهَرْ بِالذِّكْرِ ﴿بِالغُدُوِّ﴾ جَمْعُ غُدْوَةٍ كَما في القامُوسِ، وفي الصِّحاحِ الغُدُوُّ نَقِيضُ الرَّواحِ، وقَدْ غَدا يَغْدُو غُدُوًّا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِالغُدُوِّ﴾ أيْ: بِالغَدَواتِ جَمَعِ غَدْوَةٍ وهي ما بَيْنَ صَلاةِ الغَداةِ وطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَعَبَّرَ بِالفِعْلِ عَنِ الوَقْتِ كَما يُقالُ: أتَيْتُكَ طُلُوعَ الشَّمْسِ. أيْ: وقْتَ طُلُوعِها، وهو نَصٌّ في أنَّ الغُدُوَّ مَصْدَرٌ لا جَمْعٌ، وعَلَيْهِ فَقَدْ يُقَدَّرُ مَعَهُ مُضافٌ مَجْمُوعٌ أيْ أوْقاتَ الغُدُوِّ لِيُطابِقَ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿والآصالِ﴾ وهو كَما قالَ الأزْهَرِيُّ جَمْعُ أصْلٍ، وأصْلٌ جَمْعُ أصِيلٍ أعْنِي ما (p-155)بَيْنَ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ - فَهو جَمْعُ الجَمْعِ ولَيْسَ لِلْقِلَّةِ ولَيْسَ جَمْعًا لِأصِيلٍ؛ لِأنَّ فَعِيلًا لا يُجْمَعُ عَلى أفْعالٍ، وقِيلَ: إنَّهُ جَمْعٌ لَهُ لِأنَّهُ قَدْ يُجْمَعُ عَلَيْهِ كَيَمِينٍ وإيمانٍ، وقِيلَ: إنَّهُ جَمْعٌ لِأصْلٍ مُفْرَدًا كَعُنُقٍ ويُجْمَعُ عَلى أُصْلانٍ أيْضًا، والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِ اذْكُرْ، وخُصَّ هَذانِ الوَقْتانِ بِالذِّكْرِ قِيلَ لِأنَّ الغَدْوَةَ عِنْدَها يَنْقَلِبُ الحَيَوانُ مِنَ النَّوْمِ الَّذِي هو كالمَوْتِ إلى اليَقَظَةِ الَّتِي هي كالحَياةِ، والعالَمُ يَتَحَوَّلُ مِنَ الظُّلْمَةِ الَّتِي هي طَبِيعَةٌ عَدَمِيَّةٌ إلى النُّورِ الَّذِي هو طَبِيعَةٌ وُجُودِيَّةٌ، وفي الأصِيلِ الأمْرُ بِالعَكْسِ، أوْ لِأنَّهُما وقْتا فَراغٍ فَيَكُونُ الذِّكْرُ فِيهِما ألْصَقَ بِالقَلْبِ، وقِيلَ: لِأنَّهُما وقْتانِ يَتَعاقَبُ فِيهِما المَلائِكَةُ عَلى ابْنِ آدَمَ، وقِيلَ: لَيْسَ المُرادُ التَّخْصِيصَ بَلْ دَوامَ الذِّكْرِ واتِّصالَهُ أيِ اذْكُرْ كُلَّ وقْتٍ.
وقَرَأ أبُو مِجْلَزٍ لاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ السَّدُوسِيُّ (والإيصالِ)، وهو مَصْدَرُ آصَلَ إذا دَخَلَ في الأصِيلِ وهو مُطابِقٌ لِغُدُوٍّ بِناءً عَلى القَوْلِ بِإفْرادِهِ ومَصْدَرِيَّتِهِ، فَتَذَكَّرْ ﴿ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق