الباحث القرآني

﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ مِنَ الأمْرِ بِبَيانِ أنَّ الِاسْتِعاذَةَ سُنَّةٌ مَسْلُوكَةٌ لِلْمُتَّقِينَ والإخْلالَ بِها شَنْشَنَةُ الغاوِينَ، أيْ: إنَّ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِتَقْوى اللَّهِ تَعالى ﴿إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ﴾ أيْ: لَمَّةٌ مِنهُ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وتَنْوِينُهُ لِلتَّحْقِيرِ، والمُرادُ وسْوَسَةٌ ما، وهو اسْمُ فاعِلٍ مِن طافَ بِالشَّيْءِ إذا دارَ حَوْلَهُ، وجَعَلَ الوَسْوَسَةَ طائِفًا لِلْإيذانِ بِأنَّها وإنْ مَسَّتْ لا تُؤَثِّرُ فِيهِمْ فَكَأنَّها طافَتْ حَوْلَهم ولَمْ تَصِلْ إلَيْهِمْ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مِن طافَ طَيْفُ الخَيالِ إذا ألَمَّ في المَنامِ فالمُرادُ بِهِ الخاطِرُ. وذَهَبَ غَيْرُ واحِدٍ إلى أنَّ المُرادَ بِالطّائِفِ الغَضَبُ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو والكِسائِيُّ ويَعْقُوبُ: (طَيْفٌ) عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ أوْ تَخْفِيفٌ مِن (طَيِّفٌ) مِنَ الواوِيِّ أوِ اليائِيِّ كَهَيِّنٍ ولَيِّنٍ، والمُرادُ بِالشَّيْطانِ الجِنْسُ لا إبْلِيسُ فَقَطْ؛ ولِذا جُمِعَ ضَمِيرُهُ فِيما سَيَأْتِي. ﴿تَذَكَّرُوا﴾ أيْ: ما أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ ونَهى عَنْهُ، أوِ الِاسْتِعاذَةَ بِهِ تَعالى والِالتِجاءَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، أوْ عَداوَةَ الشَّيْطانِ وكَيْدَهُ. ﴿فَإذا هُمْ﴾ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّذَكُّرِ ﴿مُبْصِرُونَ﴾ مَواقِعَ الخَطَأِ ومَناهِجَ الرَّشَدِ فَيَحْتَرِزُونَ عَمّا يُخالِفُ أمْرَ اللَّهِ تَعالى ويَنْجُونَ عَمّا لا يُرْضِيهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، الظّاهِرُ أنَّ المُرادَ مِنَ المَوْصُولِ مَنِ اتَّصَفَ بِعُنْوانِ الصِّلَةِ مُطْلَقًا، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّ الخِطابَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ﴾ إلَخْ إمّا أنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما هو الظّاهِرُ فالمُناسِبُ أنْ يُرادَ بِالمُتَّقِينَ المُرْسَلُونَ مِن أُولِي العَزْمِ، أوْ يَكُونَ عامًّا عَلى طَرِيقَةِ: ««بَشِّرِ المَشّائِينَ إلى المَساجِدِ بِالنُّورِ التّامِّ يَوْمَ القِيامَةِ»،» أوْ خاصًّا يُرادُ بِهِ العامُّ نَحْوَ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ فالمُتَّقُونَ حِينَئِذٍ الصّالِحُونَ مِن عِبادِ اللَّهِ تَعالى. انْتَهى. ولا يَخْفى أنَّ المُلازَمَةَ في الشَّرْطِيَّةِ الأُولى في حَيِّزِ المَنعِ، والعُمُومُ هو المُتَبادِرُ عَلى كُلِّ حالٍ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المُرادَ بِالمُتَّقِينَ المَنسُوبُ إلَيْهِمُ المَسُّ غَيْرَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وجُعِلَ الخِطابُ فِيما سَبَقَ خاصًّا بِالسَّيِّدِ الأعْظَمِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وادُّعِيَ أنَّ النَّزْغَ أوَّلُ الوَسْوَسَةِ، والمَسُّ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ، ثُمَّ قالَ: ولِذا فَصَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بَيْنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وغَيْرِهِ مِن سائِرِ المُتَّقِينَ فَعَبَّرَ في حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالنَّزْغِ وفي حَقِّهِمْ بِالمَسِّ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ اهْتِمامَ الشَّيْطانِ في الوَسْوَسَةِ لِلْكامِلِ أكْمَلُ مِنَ اهْتِمامِهِ في الوَسْوَسَةِ لِمَن دُونَهُ؛ فَلِذا عَبَّرَ أوَّلًا بِالنَّزْغِ وثانِيًا بِالمَسِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب