الباحث القرآني

﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ تَذْيِيلٌ وتَأْكِيدٌ لِما تَضَمَّنَتْهُ القِصَّةُ السّابِقَةُ عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلامُ بَعْضِهِمْ. وقالَ آخَرُ: إنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَ نَبِيَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأنْ يَقُصَّ عَلى أُولَئِكَ الضّالِّينَ قَصَصَ أخِيهِمْ لِيَتَفَكَّرُوا ويَتْرُكُوا ما هم عَلَيْهِ عَقِبَ ذَلِكَ بِتَحْقِيقِ أنَّ الهِدايَةَ والضَّلالَةَ مِن جِهَتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وإنَّما العِظَةُ والتَّذْكِيرُ مِن قَبِيلِ الوَسائِطِ العادِيَّةِ في حُصُولِ الِاهْتِداءِ لِكَوْنِها دَواعِيَ إلى صَرْفِ المُكَلَّفِ اخْتِيارَهُ نَحْوَ تَحْصِيلِهِ حَسْبَما نِيطَ بِهِ خَلْقُ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ، والمُرادُ بِهَذِهِ الهِدايَةِ ما يُوجِبُ الِاهْتِداءَ قَطْعًا لا لِأنَّ حَقِيقَتَها الدَّلالَةُ المُوصِلَةُ إلى البُغْيَةِ كَما يُوهِمُهُ كَلامُ بَعْضِ الأصْحابِ بَلْ لِأنَّها الفَرْدُ الكامِلُ مِن حَقِيقَةِ الهِدايَةِ الَّتِي هي الدَّلالَةُ إلى ما يُوصِلُ لِإسْنادِها إلى اللَّهِ تَعالى وتَفْرِيعِ الِاهْتِداءِ عَلَيْها ومُقابَلَتِها بِالضَّلالِ وما مَعَهُ، ولا يَخْفى أنَّ الهِدايَةَ بِهَذا المَعْنى يَلْزَمُها الِاهْتِداءُ فَيَكُونُ الإخْبارُ بِاهْتِداءِ مَن هُداهُ اللَّهُ تَعالى عَلى ما قِيلَ عَلى حَدِّ الأخْبارِ في - شِعْرِي شِعْرِي - وهو يُفِيدُ تَعْظِيمَ شَأْنِ الِاهْتِداءِ وأنَّهُ في نَفْسِهِ كَمالٌ جَسِيمٌ ونَفْعٌ عَظِيمٌ، وأنَّهُ كافٍ في نَيْلِ كُلِّ شَرَفٍ في الأُولى والعُقْبى. واخْتارَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّهُ لَيْسَ المَقْصُودُ مُجَرَّدَ الإخْبارِ بِما ذُكِرَ لِيُتَوَهَّمَ عَدَمُ الإفادَةِ بِحَسْبِ الظّاهِرِ ويُصارَ إلى تَوْجِيهِهِ بِذَلِكَ بَلْ هو قَصْرُ الِاهْتِداءِ عَلى مَن هَداهُ اللَّهُ تَعالى حَسْبَما يَقْضِي بِهِ تَعْرِيفُ الخَبَرِ، فالمَعْنى مَن يَخْلُقُ (p-118)فِيهِ الِاهْتِداءَ فَهو المُهْتَدِي لا غَيْرَ كائِنًا مَن كانَ، ولا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ إلّا أنَّهُ قَدْ يُقالُ: إنَّ الأوَّلَ أوْفَقُ بِالمُقابِلِ، وإفْرادُ المُهْتَدِي رِعايَةً لِلَفْظِ (مَن)، وجَمْعُ الخاسِرِينَ رِعايَةً لِمَعْناها لِلْإيذانِ بِأنَّ الحَقَّ واحِدٌ وطُرُقَ الضَّلالِ مُتَشَعِّبَةٌ، وفي الآيَةِ تَصْرِيحٌ بِأنَّ الهُدى والضَّلالَ مِنَ اللَّهِ تَعالى فَسُبْحانَ مَن أضَلَّ المُعْتَزِلَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب