الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ﴾ أيْ: بَقُوا عَلى اتِّخاذِهِ واسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ كالسّامِرِيِّ وأشْياعِهِ كَما يُفْصِحُ عَنْهُ كَوْنُ المَوْصُولِ الثّانِي عِبارَةً عَنِ التّائِبِينَ، فَإنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ في أنَّ المَوْصُولَ الأوَّلَ عِبارَةٌ عَنِ المُصِرِّينَ.
﴿سَيَنالُهُمْ﴾ أيْ: سَيَلْحَقُهم ويُصِيبُهم في الآخِرَةِ جَزاءَ ذَلِكَ ﴿غَضَبٌ﴾ عَظِيمٌ لا يُقادِرُ قَدْرَهُ مُسْتَتْبِعٌ لِفُنُونِ العُقُوباتِ لِعِظَمِ جَرِيمَتِهِمْ وقُبْحِ جَرِيرَتِهِمْ.
﴿مِن رَبِّهِمْ﴾ أيْ: مالِكِهِمْ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِ يَنالُهُمْ، أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ نَعْتًا لِ غَضَبٌ، مُؤَكِّدًا لِما أفادَهُ التَّنْوِينُ مِنَ الفَخامَةِ الذّاتِيَّةِ بِالفَخامَةِ الإضافِيَّةِ أيْ: كائِنٌ مِن رَبِّهِمْ ﴿وذِلَّةٌ﴾ عَظِيمَةٌ.
﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ وهي عَلى ما أقُولُ: الذِّلَّةُ الَّتِي عَرَتْهم عِنْدَ تَحْرِيقِ إلَهِهِمْ ونَسْفِهِ في اليَمِّ نَسْفًا، مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ، وقِيلَ: هي ذِلَّةُ الِاغْتِرابِ الَّتِي تُضْرَبُ بِها الأمْثالُ والمَسْكَنَةُ المُنْتَظِمَةُ لَهم ولِأوْلادِهِمْ جَمِيعًا، والذِّلَّةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِها السّامِرِيُّ مِنَ الِانْفِرادِ عَنِ النّاسِ والِابْتِلاءِ بِلا مِساسٍ، ورُوِيَ أنَّ بَقاياهُمُ اليَوْمَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وإذا مَسَّ أحَدَهم أحَدٌ غَيْرُهم حَما جَمِيعًا في الوَقْتِ، ولَعَلَّ ما ذَكَرْناهُ أوْلى والرِّوايَةُ لَمْ نَرَ لَها أثَرًا، وإيرادُ ما نالَهم بِالسِّينِ لِلتَّغْلِيبِ، وقِيلَ: وإلَيْهِ يُشِيرُ كَلامُ أبِي العالِيَةِ المُرادُ بِهِمُ التّائِبُونَ، وبِالغَضَبِ ما أُمِرُوا بِهِ مِن قَتْلِ أنْفُسِهِمْ، وبِالذِّلَّةِ إسْلامُهم أنْفُسَهم لِذَلِكَ واعْتِرافُهم بِالضَّلالِ، واعْتُذِرَ عَنِ السِّينِ بِأنَّ ذَلِكَ حِكايَةٌ عَمّا أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ أخْبَرَهُ بِافْتِتانِ قَوْمِهِ واتِّخاذِهِمُ العِجْلَ فَإنَّهُ قالَ لَهُ: ﴿سَيَنالُهم غَضَبٌ﴾ إلَخْ. فَيَكُونُ سابِقًا عَلى الغَضَبِ، وجُعِلَ الكَلامُ جَوابَ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ؛ وذَلِكَ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ القَوْمَ نَدِمُوا عَلى عِبادَتِهِمُ العِجْلَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَمّا سُقِطَ في أيْدِيهِمْ ورَأوْا أنَّهم قَدْ ضَلُّوا﴾ والنَّدَمُ تَوْبَةٌ؛ ولِذَلِكَ عَقَّبُوهُ بِقَوْلِهِمْ: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا ويَغْفِرْ لَنا، وذِكْرُ عِتابِ مُوسى لِأخِيهِ عَلَيْهِما السَّلامُ ثُمَّ اسْتِغْفارِهِ اتَّجَهَ لِسائِلٍ أنْ يَقُولَ: يا رَبِّ، إلى ماذا يَصِيرُ أمْرُ القَوْمِ وتَوْبَتُهم واسْتِغْفارُ نَبِيِّ اللَّهِ تَعالى؟ وهَلْ قَبِلَ اللَّهُ تَعالى تَوْبَتَهُمْ؟ فَأجابَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهم غَضَبٌ﴾ أيْ: نِقَمٌ قَبْلَ تَوْبَةِ مُوسى وأخِيهِ وغَفَرَ لَهُما خاصَّةً، وكانَ مِن تَمامِ تَوْبَةِ القَوْمِ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ أمَرَهم بِقَتْلِ أنْفُسِهِمْ فَسَلَّمُوها لِلْقَتْلِ، فَوَضَعَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ مَوْضِعَ القَوْمِ إشْعارًا بِالعِلِّيَّةِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّ سِياقَ النَّظْمِ الكَرِيمِ وكَذا سِباقُهُ نابَ عَنْ ذَلِكَ نَبْوًا ظاهِرًا، كَيْفَ لا وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ يُنادِي عَلى خِلافِهِ؛ فَإنَّهم شُهَداءُ تائِبُونَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ وصْفُهم بَعْدَ ذَلِكَ بِالِافْتِراءِ؟ وأيْضًا لَيْسَ يَجْزِي اللَّهُ تَعالى كُلَّ المُفْتَرِينَ بِهَذا الجَزاءِ الَّذِي ظاهِرُهُ قَهْرٌ وباطِنُهُ لُطْفٌ ورَحْمَةٌ إلّا أنْ يُقالَ: يَكْفِي في صِحَّةِ التَّشْبِيهِ وُجُودُ وجْهِ الشَّبَهِ في الجُمْلَةِ ولا بُدَّ مِنَ التِزامِ ذَلِكَ عَلى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْناهُ أيْضًا، وما ذُكِرَ في (p-70)تَحْرِيرِ السُّؤالِ، والجَوابُ مِمّا تَمُجُّهُ أسْماعُ ذَوِي الألْبابِ.
وقالَ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ: المُرادُ: سَيَنالُ أوْلادَ الَّذِينَ تَعَبَّدُوا العِجْلَ وهُمُ الَّذِينَ كانُوا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأُرِيدَ بِالغَضَبِ والذِّلَّةِ ما أصابَ بَنِي النَّضِيرِ وقُرَيْظَةَ مِنَ القَتْلِ والجَلاءِ، أوْ ما أصابَهم مِن ذَلِكَ، ومِن ضَرْبِ الجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، وفي الكَلامِ عَلى هَذا حَذْفُ مُضافٍ وهو الأوْلادُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هُناكَ وهو مِن تَعْيِيرِ الأبْناءِ بِما فَعَلَ الآباءُ، ومُثُلُهُ في القُرْآنِ كَثِيرَةٌ. وقِيلَ: المُرادُ بِالمَوْصُولِ المُتَّخِذُونَ حَقِيقَةً، وبِالضَّمِيرِ في يَنالُهم أخْلافُهُمْ، وبِالغَضَبِ الغَضَبُ الأُخْرَوِيُّ، وبِالذِّلَّةِ الجِزْيَةُ الَّتِي وضَعَها الإسْلامُ عَلَيْهِمْ أوِ الأعَمُّ مِنها لِيَشْمَلَ ما ضَرَبَهُ بُخْتَنَصَّرُ عَلَيْهِمْ. وتُعُقِّبَ ذَلِكَ أيْضًا بِأنَّهُ لا رَيْبَ في أنَّ تَوْسِيطَ حالِ هَؤُلاءِ في تَضاعِيفِ بَيانِ حالِ المُتَّخِذِينَ مِن قَبِيلِ الفَصْلِ بَيْنَ الشَّجَرِ ولِحائِهِ، والمُرادُ بِالمُفْتَرِينَ المُفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ تَعالى، وافْتِراءُ أُولَئِكَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ قَوْلُ السّامِرِيِّ في العِجْلِ: هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى ورِضاهم بِهِ، ولا أعْظَمَ مِن هَذِهِ الفِرْيَةِ، ولَعَلَّهُ لَمْ يَفْتَرِ مِثْلَها أحَدٌ قَبْلَهم ولا بَعْدَهُمْ، وعَنْ سُفْيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أنَّهُ قالَ: كُلُّ صاحِبِ بِدْعَةٍ ذَلِيلٌ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ سَیَنَالُهُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُفۡتَرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق