الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ اسْتِئْنافٌ كَما مَرَّ ﴿إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ﴾ (15) ظاهِرُهُ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ حَيْثُ وقَعَ في مُقابَلَةِ كَلامِهِ لَكِنْ في سُورَةِ الحِجْرِ و ﴿ص﴾ التَّقْيِيدُ بِيَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ واخْتُلِفَ في المُرادِ مِنهُ فالمَشْهُورُ أنَّهُ يَوْمُ النَّفْخَةِ الأُولى دُونَ يَوْمِ البَعْثِ لِأنَّهُ لَيْسَ بِيَوْمِ مَوْتٍ وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ يَوْمَ البَعْثِ ولا يَلْزَمُ أنْ لا يَمُوتَ فَلَعَلَّهُ يَمُوتُ أوَّلَ اليَوْمِ ويُبْعَثُ مَعَ الخَلْقِ في تَضاعِيفِهِ: وفي كِتابِ العَرائِسِ عَنْ كَعْبِ الأحْبارِ أنَّ إبْلِيسَ إنَّما يَذُوقُ طَعْمَ المَوْتِ يَوْمَ الحَشْرِ وذَكَرَ في كَيْفِيَّةِ مَوْتِهِ وقَبْضِ عِزْرائِيلَ رُوحَهُ ما يَقْضِي مِنهُ العَجَبُ ولَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ الفاضِلُ السَّفارِينِيُّ وقالَ في كِتابِهِ ( البُحُورُ الزّاخِرَةُ ) أخْرَجَ نُعَيْمُ بْنُ حَمّادٍ في الفِتَنِ والحاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ لا يَلْبَثُونَ يَعْنِي النّاسَ بَعْدَ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها فَتَجِفُّ الأقْلامُ وتُطْوى الصُّحُفُ فَلا يُقْبَلُ مِن أحَدً تَوْبَةٌ ويَخِرُّ إبْلِيسُ ساجِدًا يُنادِي إلَهِي مُرْنِي أنْ أسْجُدَ لِمَن شِئْتَ وتَجْتَمِعُ إلَيْهِ الشَّياطِينُ فَتَقُولُ يا سَيِّدَنا إلى مَن تَفْزَعُ فَيَقُولُ: إنَّما سَألْتُ رَبِّي أنْ يُنْظِرَنِي إلى يَوْمِ البَعْثِ فَأنْظَرَنِي إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ وقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها وهَذا يَوْمُ الوَقْتِ المَعْلُومِ وتَصِيرُ الشَّياطِينُ ظاهِرَةً في الأرْضِ حَتّى يَقُولَ الرَّجُلُ هَذا (p-92)قَرِينِي الَّذِي كانَ فالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أخْزاهُ ولا يَزالُ إبْلِيسُ ساجِدًا باكِيًا حَتّى تَخْرُجَ الدّابَّةُ فَتَقْتُلُهُ وهو ساجِدٌ. انْتَهى. ومِنهُ يُعْلَمُ أنَّ المُرادَ بِاليَوْمِ المَعْلُومِ ما صَرَّحَ بِهِ اللَّعِينُ وهو قَبْلَ يَوْمِ النَّفْخَةِ الأُولى بِكَثِيرٍ وهَذا قَوْلٌ لَمْ نَرَ أحَدًا مِنَ المُفَسِّرِينَ ذَكَرَهُ وهو الَّذِي ارْتَضاهُ هَذا الفاضِلُ وقالَ: إنَّ الخَبَرَ في حُكْمِ المَرْفُوعِ لِأنَّهُ لا يُقالُ مِن قِبَلِ الرَّأْيِ ولَيْسَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَكَعْبِ الأحْبارِ مِمَّنْ يَتَلَقّى مِن كُتُبِ أهْلِ الكِتابِ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ إنْ صَحَّتْ نِسْبَةُ هَذا الخَبَرِ إلى ابْنِ مَسْعُودٍ يَنْبَغِي أنْ لا يُعْدَلَ إلى القَوْلِ بِما يُخالِفُهُ ولَكِنْ في صِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عِنْدِي تَرَدُّدٌ وقِيلَ: المُرادُ بِهِ وقْتٌ يَعْلَمُ اللَّهُ تَعالى انْتِهاءَ أجَلِهِ فِيهِ وقَدْ أخْفى عَنّا وكَذا عَنِ اللَّعِينِ وأوْجَبَ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ واسْتَدَلَّ لَهُ بَعْضُهم بِأنَّ اللَّعِينَ كانَ مُكَلَّفًا والمُكَلَّفُ لا يَجُوزُ أنْ يَعْلَمَ أجَلَهُ لِأنَّهُ يُقْدِمُ عَلى المَعْصِيَةِ بِقَلْبٍ فارِغٍ حَتّى إذا قَرُبَ أجَلُهُ تابَ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وهَذا كالإغْراءِ عَلى المَعاصِي فَيَكُونُ قَبِيحًا وأُجِيبَ بِأنَّ مَن عَلِمَ اللَّهُ تَعالى مِن حالِهِ أنَّهُ يَمُوتُ عَلى الطَّهارَةِ والعِصْمَةِ كالأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أوْ عَلى الكُفْرِ والمَعاصِي كَإبْلِيسَ وأشْياعِهِ فَإنَّ إعْلامَهُ بِوَقْتِ أجَلِهِ لا يَكُونُ إغْراءً عَلى المَعْصِيَةِ لِأنَّهُ لا يَتَفاوَتُ حالُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ والإعْلامِ وظاهِرُ النَّظْمِ الكَرِيمِ عِنْدَ غَيْرِ واحِدٍ أنَّ هَذِهِ إجابَةٌ لِدُعائِهِ كُلًّا أوْ بَعْضًا وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِمَن قالَ: إنَّ دُعاءَ الكافِرِ قَدْ يُسْتَجابُ وهو الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الدَّبُّوسِيُّ وغَيْرُهُ مِنَ الفُقَهاءِ خِلافًا لِما نَقَلَهُ في البَزّازِيَّةِ عَنِ البَعْضِ مِن أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُقالُ: إنَّ دُعاءَ الكافِرِ مُسْتَجابٌ لِأنَّهُ لا يَعْرِفُ اللَّهَ تَعالى لِيَدْعُوَهُ والفَتْوى عَلى الأوَّلِ لِلظّاهِرِ ولِقَوْلِهِ ﷺ: «دَعْوَةُ المَظْلُومِ مُسْتَجابَةٌ وإنْ كانَ كافِرًا» . وحَمْلُ الكُفْرِ عَلى كُفْرانِ النِّعْمَةِ لا كُفْرانِ الدِّينِ خِلافُ الظّاهِرِ ولا يَلْزَمُ مِنَ الِاسْتِجابَةِ المَحَبَّةُ والإكْرامُ فَإنَّها قَدْ تَكُونُ لِلِاسْتِدْراجِ وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: الجُمْلَةُ إخْبارٌ عَنْ كَوْنِهِ مِنَ المَنظَرِينَ في قَضاءِ اللَّهِ تَعالى مِن غَيْرِ تَرَتُّبٍ عَلى دُعائِهِ وادُّعِيَ أنَّ وُرُودَها اسْمِيَّةً مَعَ التَّعَرُّضِ لِشُمُولِ ما سَألَهُ اللَّعِينُ الآخَرِينَ عَلى وجْهٍ يُشْعِرُ بِأنَّ السّائِلَ تَبَعٌ لَهم في ذَلِكَ صَرِيحٌ في أنَّ ذَلِكَ إخْبارٌ بِأنَّ الإنْظارَ المَذْكُورَ لَهم أزَلًا لا إنْشاءَ لِإنْظارٍ خاصٍّ بِهِ إجابَةً لِدُعائِهِ ويُعْلَمُ مِن ذَلِكَ أيْضًا أنَّ اسْتِنْظارَهُ كانَ طَلَبًا لِتَأْخِيرِ المَوْتِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ مِن جُمْلَتِهِمْ لا لِتَأْخِيرِ العُقُوبَةِ كَما قِيلَ ولا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ والحِكْمَةُ في إنْظارِهِ ذَلِكَ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ مَعَ ما هو عَلَيْهِ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ مِنَ الإفْسادِ مِمّا يَنْبَغِي أنْ يُفَوَّضَ عِلْمُها إلى خالِقِ العِبادِ. وقَدْ ذَكَرَ الشِّهْرِسْتانِيُّ عَنْ شارِحِ الأناجِيلِ الأرْبَعَةِ صُورَةَ مُناظَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَ المَلائِكَةِ وبَيْنَ إبْلِيسَ بَعْدَ هَذِهِ الحادِثَةِ وقَدْ ذُكِرَتْ في التَّوْراةِ وهي أنَّ اللَّعِينَ قالَ لِلْمَلائِكَةِ: إنِّي أُسَلِّمُ أنَّ لِي إلَهًا هو خالِقِي ومُوجِدِي وهو خالِقُ الخَلْقِ لَكِنْ لِي عَلى حُكْمِهِ أسْئِلَةٌ الأوَّلُ ما الحِكْمَةُ في الخَلْقِ لا سِيَّما وقَدْ كانَ عالِمًا أنَّ الكافِرَ لا يَسْتَوْجِبُ عِنْدَ خَلْقِهِ إلّا النّارَ الثّانِي ما الفائِدَةُ في التَّكْلِيفِ مَعَ أنَّهُ لا يَعُودُ إلَيْهِ مِنهُ نَفْعٌ ولا ضَرَرٌ وكُلُّ ما يَعُودُ إلى المُكَلَّفِينَ فَهو قادِرٌ عَلى تَحْصِيلِهِ لَهم مِن غَيْرِ واسِطَةِ التَّكْلِيفِ الثّالِثُ هَبْ أنَّهُ كَلَّفَنِي بِمَعْرِفَتِهِ وطاعَتِهِ فَلِماذا كَلَّفَنِي بِالسُّجُودِلِآدَمَ الرّابِعُ لَمّا عَصَيْتُهُ في تَرْكِ السُّجُودِ فَلِمَ لَعَنَنِي وأوْجَبَ عِقابِي مَعَ أنَّهُ لا فائِدَةَ لَهُ ولا لِغَيْرِهِ فِيهِ ولِي فِيهِ أعْظَمُ الضَّرَرِ الخامِسُ أنَّهُ لَمّا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَ سَلَّطَنِي عَلى أوْلادِهِ ومَكَّنَنِي مِن إغْوائِهِمْ وإضْلالِهِمُ السّادِسُ لَمّا اسْتَمْهَلْتُهُ المُدَّةَ الطَّوِيلَةَ في ذَلِكَ فَلِمَ أمْهَلَنِي ومَعْلُومٌ أنَّ العالَمَ لَوْ كانَ خالِيًا مِنَ الشَّرِّ لَكانَ ذَلِكَ خَيْرًا قالَ شارِحُ الأناجِيلِ: فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ مِن سُرادِقِ العَظَمَةِ والكِبْرِياءِ يا إبْلِيسُ أنْتَ ما عَرَفْتَنِي ولَوْ عَرَفْتَنِي لَعَلِمْتَ أنَّهُ لا اعْتِراضَ عَلَيَّ في شَيْءٍ مِن أفْعالِي فَإنِّي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا لا أُسْألُ عَمّا أفْعَلُ. انْتَهى. (p-93)وفِي السُّؤالِ السّادِسِ ما يُؤَيِّدُ القَوْلَ الأوَّلَ في الجُمْلَةِ ولا يَخْفى أنَّ هَذِهِ الشُّبَهاتِ يَصْعُبُ عَلى القائِلِينَ بِالحُسْنِ والقُبْحِ العَقْلِيَّيْنِ الجَوابُ عَنْها بَلْ قالَ الإمامُ: إنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ الأوَّلُونَ والآخِرُونَ مِنَ الخَلائِقِ وحَكَمُوا بِتَحْسِينِ العَقْلِ وتَقْبِيحِهِ لَمْ يَجِدُوا مِن هَذِهِ الشُّبَهاتِ مُخَلِّصًا وكانَ الكُلُّ لازِمًا ويُعْجِبُنِي ما يُحْكى أنَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ بْنَ حَمَدانَ خَرَجَ يَوْمًا عَلى جَماعَتِهِ فَقالَ: قَدْ عَمِلْتُ بَيْتًا ما أحْسَبُ أنَّ أحَدًا يَعْمَلُ لَهُ ثانِيًا إلّا إنْ كانَ أبا فِراسٍ وكانَ أبُو فِراسٍ جالِسًا فَقِيلَ لَهُ: ما هو فَقالَ قَوْلِي. ؎لَكَ جِسْمِي تُعِلُّهُ فَدَمِيَ لَمْ تَطُلْهُ فابْتَدَرَ أبُو فَراسٍ قائِلًا. ؎قالَ إنْ كُنْتَ مالِكًا ∗∗∗ فَلِيَ الأمْرُ كُلُّهُ وعَلَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ إجابَتَهُ إلى اسْتِنْظارِهِ بِأنَّ في ذَلِكَ ابْتِلاءَ العِبادِ وفي مُخالَفَتِهِ أعْظَمَ الثَّوابِ وحُكْمُهُ حُكْمُ ما خَلَقَ اللَّهُ تَعالى في الدُّنْيا مِن صُنُوفِ الزَّخارِفِ وأنْواعِ المَلاهِي والمَلاذِّ وما رَكَّبَ في الأنْفُسِ مِنَ الشَّهَواتِ لِيَمْتَحِنَ بِها عِبادَهُ وتَعَقَّبَهُ العَلّامَةُ الثّانِي كَغَيْرِهِ بِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى تَعْلِيلِ أفْعالِهِ تَعالى بِالأغْراضِ وعَدَمُ إسْنادِ خَلْقِ القَبائِحِ والشُّرُورِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ مَعَ أنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّ حَقِيقَةَ الِابْتِلاءِ في حَقِّهِ تَعالى مَحالٌ ومَجازُهُ لا يَدْفَعُ السُّؤالَ ولِأنَّ ما في مُتابَعَتِهِ مِن ألِيمِ العِقابِ أضْعافُ ما في مُخالَفَتِهِ مِن عَظِيمِ الثَّوابِ بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الإنْظارُ والتَّمْكِينُ لَمْ يَكُنْ مِنَ العِبادِ إلّا الطّاعاتُ وتَرْكُ المَعاصِي فَلَمْ يَكُنْ إلّا الثَّوابُ كالمَلائِكَةِ ولا يَخْفى ما فِيهِ إلّا أنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ: والأوْلى أنْ لا يَخُوضَ العَبْدُ في أمْثالِ هَذِهِ الأسْرارِ ويُفَوِّضَ حَقِيقَتَها إلى الحَكِيمِ المُخْتارِ مِمّا نَقُولُ بِهِ لِأنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ في غايَةِ الصُّعُوبَةِ عَلى أرْبابِ القالِ وأهْلِ الجِدالِ هَذا وإنَّما تَرَكَ التَّوْقِيتَ في هَذِهِ الآيَةِ ثِقَةً بِما وقَعَ في سُورَةِ الحِجْرِ و﴿ص﴾ كَما تَرَكَ ذِكْرَ النِّداءِ والفاءِ في الِاسْتِنْظارِ والإنْظارِ تَعْوِيلًا عَلى ما ذُكِرَ فِيهِما. فَإنْ قُلْتَ: لا رَيْبَ في أنَّ الكَلامَ المَحْكِيَّ لَهُ عِنْدَ صُدُورِهِ عَنِ المُتَكَلِّمِ حالَةٌ مَخْصُوصَةٌ تَقْتَضِي وُرُودَهُ عَلى وجْهٍ خاصٍّ مِن وُجُوهِ النَّظْمِ بِحَيْثُ لَوْ أخَلَّ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ سَقَطَ الكَلامُ عَنْ رُتْبَةِ البَلاغَةِ البَتَّةَ فالكَلامُ الواحِدُ المَحْكِيُّ عَلى وُجُوهٍ شَتّى إنِ اقْتَضى الحالُ وُرُودَهُ عَلى وجْهٍ مُعَيَّنٍ مِن تِلْكَ الوُجُوهِ الوارِدَةِ عِنْدَ تِلْكَ الحِكايَةِ فَذَلِكَ الوَجْهُ هو المُطابِقُ لِمُقْتَضى الحالِ والبالِغُ إلى رُتْبَةِ البَلاغَةِ دُونَ ماعَداهُ مِنَ الوُجُوهِ ونَقُولُ حِينَئِذٍ: لا يَخْفى أنَّ اسْتِنْظارَ اللَّعِينِ إنَّما صَدَرَ عَنْهُ مَرَّةً واحِدَةً لا غَيْرَ فَمَقامُهُ أنِ اقْتَضى إظْهارَ الضَّراعَةِ وتَرْتِيبِ الِاسْتِنْظارِ عَلى ما حاقَ بِهِ مِنَ اللَّعْنِ والطَّرْدِ عَلى نَهْجِ اسْتِدْعاءِ الجَبْرِ في مُقابَلَةِ الكَسْرِ كَما هو المُتَبادَرُ مِن قَوْلِهِ: ( رَبِّ أنْظِرْنِي ) حَسْبَما حُكِيَ عَنْهُ في السُّورَتَيْنِ فَما حُكِيَ عَنْهُ ها هُنا يَكُونُ بِمَعْزِلٍ مِنَ المُطابَقَةِ لِمُقْتَضى الحالِ فَضْلًا عَنِ العُرُوجِ إلى مَعارِجِ الإعْجازِ. قُلْتُ: أجابَ مَوْلانا شَيْخُ الإسْلامِ عَنْ هَذا السُّؤالِ بَعْدَ أنْ ساقَهُ بِأنَّ مَقامَ اسْتِنْظارِهِ مُقْتَضٍ لِما ذُكِرَ مِن إظْهارِ الضَّراعَةِ وتَرْتِيبِ الِاسْتِنْظارِ عَلى الحِرْمانِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ والرَّجْمِ وكَذا مَقامُ الإنْظارِ مُقْتَضٍ لِتَرْتِيبِ الإخْبارِ بِالإنْظارِ عَلى الِاسْتِنْظارِ وقَدْ طُبِّقَ الكَلامُ عَلَيْهِ في تِينَكَ السُّورَتَيْنِ ووُفِّيَ كُلٌّ مِن مَقامَيِ الحِكايَةِ والمَحْكِيِّ جَمِيعًا حَظُّهُ وأمّا ها هُنا فَحَيْثُ اقْتَضى مَقامُ الحِكايَةِ مُجَرَّدَ الإخْبارِ بِالِاسْتِنْظارِ والإنْظارِ سِيقَتِ الحِكايَةُ عَلى نَهْجِ الإيجازِ والِاخْتِصارِ مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَيْفِيَّةِ كُلٍّ مِنهُما عِنْدَ المُخاطَبَةِ والجَوابِ ولا يَلْزَمُ أنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ نَقْلًا لِلْكَلامِ عَلى ما هو عَلَيْهِ ولا مُطابِقًا لِمُقْتَضى المَقامِ فالَّذِي يَجِبُ اعْتِبارُهُ في نَقْلِ الكَلامِ إنَّما هو أصْلُ مَعْناهُ ونَفْسُ مَدْلُولِهِ وأمّا كَيْفِيَّةُ الإفادَةِ فَقَدْ تُراعى وقَدْ لا تُراعى حَسَبَ الِاقْتِضاءِ ولا يَقْدَحُ في أصْلِ الكَلامِ تَجْرِيدُهُ عَنْها (p-94)بَلْ تُراعى عِنْدَ نَقْلِهِ كَيْفِيّاتٌ لَمْ يُراعِها المُتَكَلِّمُ أصْلًا بَلْ قَدْ لا يَقْدِرُ عَلى مُراعاتِها وجَمِيعُ المَقالاتِ المَحْكِيَّةِ في الآياتِ مِن ذَلِكَ القَبِيلِ وإلّا لَما كانَ الكَثِيرُ مِنها مُعْجِزًا ومَلاكُ الأمْرِ في المُطابَقَةِ مَقامُ الحِكايَةِ وأمّا مَقامُ المَحْكِيِّ فَإنْ كانَ مُقْتَضاهُ مُوافِقًا لِذَلِكَ وُفِّي كُلٌّ مِنهُما حَقَّهُ كَما في السُّورَتَيْنِ وإلّا لا كَما فِيما هُنا فَلْيُفْهَمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب