الباحث القرآني

﴿قالَ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا﴾ قِيلَ: هَذا هو الجَوابُ وما تَقَدَّمَ مُقَدِّمَةٌ وتَمْهِيدٌ لَهُ، ولَعَلَّهُ لِذَلِكَ أُعِيدَ لَفْظُ قالَ. وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: هو شُرُوعٌ في بَيانِ شُؤُونِ اللَّهِ تَعالى المُوجِبَةِ لِتَخْصِيصِ العِبادَةِ بِهِ سُبْحانَهُ بَعْدَ بَيانِ أنَّ ما طَلَبُوا عِبادَتَهُ مِمّا لا يُمْكِنُ طَلَبُهُ أصْلًا؛ لِكَوْنِهِ هالِكًا باطِلًا أصْلًا؛ ولِذَلِكَ وُسِّطَ بَيْنَهُما قالَ. مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنهُما كَلامَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقالَ الشِّهابُ: أُعِيدَ لَفْظُ قالَ مَعَ اتِّحادِ ما بَيْنَ القائِلِينَ؛ لِأنَّ هَذا دَلِيلٌ خِطابِيٌّ بِتَفْضِيلِهِمْ عَلى العالَمِينَ، ولَمْ يُسْتَدَلَّ بِالتَّمانُعِ العَقْلِيِّ لِأنَّهم عَوامُّ. انْتَهى. وفِي إقامَةِ بُرْهانِ التَّمانُعِ عَلى الوَثَنِيَّةِ القائِلِينَ: ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى والمُجِيبِينَ إذا سُئِلُوا: مَن خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضِ بِخَلْقِهِنَّ اللَّهُ خَفاءٌ، والظّاهِرُ إقامَتُهُ عَلى التَّنْوِيهِ كَما لا يَخْفى، والِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ، وانْتِصابُ (غَيْرَ) عَلى أنَّهُ مَفْعُولُ أبْغِيكُمْ، وهو عَلى الحَذْفِ والإيصالِ، والأصْلُ أبْغِي لَكُمْ، وعَلى ذَلِكَ يُخَرَّجُ كَلامُ الجَوْهَرِيِّ وإنْ كانَ ظاهِرُهُ أنَّ الفِعْلَ مُتَعَدٍّ لِمَفْعُولَيْنِ والهاءَ تَمْيِيزٌ، وجُوِّزَ أنَّ البَقاءَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ لِأبْغِي و(غَيْرَ) صِفَةٌ لَهُ قُدِّمَتْ فَصارَتْ حالًا، وأيًّا ما كانَ فالمَقْصُودُ هُنا اخْتِصاصُ الإنْكارِ بِغَيْرِهِ تَعالى دُونَ إنْكارِ الِاخْتِصاصِ، والمَعْنى: أغَيْرَ المُسْتَحِقِّ لِلْعِبادَةِ أطْلُبُ لَكم مَعْبُودًا. ﴿وهُوَ فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ أيْ: عالَمِي زَمانِكم أوْ جَمِيعِ العالَمِينَ، وعَلَيْهِ يَكُونُ المُرادُ تَفْضِيلَهم بِتِلْكَ الآياتِ لا مُطْلَقًا حَتّى يَلْزَمَ تَفْضِيلُهم عَلى (p-42)أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأمّا الأنْبِياءُ والمَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَلا يَدْخُلُونَ في المُفَضَّلِ عَلَيْهِمْ بِوَجْهٍ، بَلْ هم خارِجُونَ عَنْ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ، والجُمْلَةُ حالِيَّةٌ مُقَرِّرَةٌ لِوَجْهِ الإنْكارِ، أيْ: والحالُ أنَّهُ تَعالى خَصَّ التَّفْضِيلَ بِكم فَأعْطاكم نِعَمًا لَمْ يُعْطِها غَيْرَكُمْ، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى ما صَنَعُوا مِن سُوءِ المُعامَلَةِ حَيْثُ قابَلُوا التَّفَضُّلَ بِالتَّفْضِيلِ والِاخْتِصاصَ بِأنْ قَصَدُوا أنْ يُشْرِكُوا بِهِ أخَسَّ مَخْلُوقاتِهِ، وهَذا الِاخْتِصاصُ مَأْخُوذٌ مِن مَعْنى الكَلامِ، وإلّا فَلَيْسَ فِيهِ ما يُفِيدُ ذَلِكَ، وتَقْدِيمُ الضَّمِيرِ عَلى الخَبَرِ لا يُفِيدُهُ وإنْ كانَ اخْتِصاصًا آخَرَ عَلى ما قِيلَ، أيْ: هو المَخْصُوصُ بِأنَّهُ فَضَّلَكم عَلى مَن سِواكُمْ، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ كَوْنَ الجُمْلَةِ مُسْتَأْنَفَةً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب