الباحث القرآني
﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِمْ مُوسى﴾ أيْ: أرْسَلْناهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ الرُّسُلِ أوْ بَعْدَ الأُمَمِ، والأوَّلُ مُتَقَدِّمٌ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ جاءَتْهم رُسُلُهُمْ﴾ والثّانِي مَدْلُولٌ عَلَيْهِ (بِتِلْكَ القُرى)، والِاحْتِمالُ الأوَّلُ أوْلى، والتَّصْرِيحُ بِالبَعْدِيَّةِ مَعَ ثُمَّ الدّالَّةِ عَلَيْها قِيلَ لِلتَّنْصِيصِ عَلى أنَّها لِلتَّراخِي الزَّمانِيِّ فَإنَّها كَثِيرًا ما تُسْتَعْمَلُ في غَيْرِهِ، وقِيلَ: لِلْإيذانِ بِأنَّ بَعْثَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ جَرى عَلى سُنَنِ السُّنَّةِ الإلَهِيَّةِ مِن إرْسالِ الرُّسُلِ تَتْرى، ومِن لِابْتِداءِ الغايَةِ، وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ الِاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿بِآياتِنا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن مَفْعُولِ بَعَثْنا أوْ صِفَةً لِمَصْدَرِهِ، أيْ: بَعَثْناهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُلْتَبِسًا بِها، أوْ بَعَثْناهُ بَعْثًا مُلْتَبِسًا بِها، وأُرِيدَ بِها الآياتُ التِّسْعُ المُفَصَّلَةُ ﴿إلى فِرْعَوْنَ﴾، هو عَلَمُ شَخْصٍ ثُمَّ صارَ لَقَبًا لِكُلِّ مَن مَلَكَ مِصْرَ مِنَ العَمالِقَةِ، كَما أنَّ كِسْرى لَقَبُ مَن مَلَكَ فارِسَ، وقَيْصَرُ لَقَبُ مَن مَلَكَ الرُّومَ، والنَّجّاشِيُّ لَقَبُ مَن مَلَكَ الحَبَشَةَ، وتُبَّعٌ لَقَبُ مَن مَلَكَ اليَمَنَ، وقِيلَ: إنَّهُ مِن أوَّلِ الأمْرِ لَقَبٌ لِمَن ذُكِرَ، واسْمُهُ الوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيّانِ، وقِيلَ: قابُوسٌ وكُنْيَتُهُ أبُو العَبّاسِ، وقِيلَ: أبُو مُرَّةَ، وقِيلَ: أبُو الوَلِيدِ، وعَنْ جَماعَةٍ أنَّ قابُوسًا والوَلِيدَ اسْمانِ لِشَخْصَيْنِ أحَدُهُما فِرْعَوْنُ مُوسى والآخَرُ فِرْعَوْنُ يُوسُفَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وعَنِ النَّقّاشِ وتاجِ القُرّاءِ أنَّ فِرْعَوْنَ مُوسى هو والِدُ الخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: ابْنُهُ، وذَلِكَ مِنَ الغَرابَةِ بِمَكانٍ، ويُلَقَّبُ بِهِ كُلُّ عاتٍ، ويُقالُ فِيهِ فُرْعُونُ كَزُنْبُورٍ، وحَكى ابْنُ خالَوَيْهِ عَنِ (p-18)الفَّراءِ ضَمَّ فائِهِ وفَتْحَ عَيْنِهِ، وهي لُغَةٌ نادِرَةٌ، ويُقالُ فِيهِ: فُرَيْعٌ كَزُبَيْرٍ وعَلَيْهِ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ الصَّلْتِ:
؎حَيِّ داوُدَ بْنَ عادٍ ومُوسى ∗∗∗ وفُرَيْعٌ بُنْيانُهُ بِالثِّقالِ
وقِيلَ: هو فِيهِ ضَرُورَةُ شِعْرٍ، ومُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِأنَّهُ أعْجَمِيٌّ، وحَكى أبُو الخَطّابِ بْنُ دِحْيَةَ في مُرُوجِ البَحْرِينِ عَنْ أبِي النَّصْرِ القُشَيْرِيِّ في التَّيْسِيرِ أنَّهُ بِلُغَةِ القِبْطِ اسْمٌ لِلتِّمْساحِ، والقَوْلُ بِأنَّهُ لَمْ يَنْصَرِفْ لِأنَّهُ لا سَمِيَّ لَهُ كَإبْلِيسَ عِنْدَ مَن أخَذَهُ مِن أبْلَسَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وقِيلَ: هو وأضْرابُهُ السّابِقَةُ أعْلامُ أشْخاصٍ ولَيْسَتْ مِن عَلَمِ الجِنْسِ لِجَمْعِها عَلى فَراعِنَةٍ وقَياصِرَةٍ وأكاسِرَةٍ، وعَلَمُ الجِنْسِ لا يُجْمَعُ فَلا بُدَّ مِنَ القَوْلِ بِوَضْعٍ خاصٍّ لِكُلِّ مَن تُطْلَقُ عَلَيْهِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأنَّ الَّذِي غَرَّهُ قَوْلُ الرَّضِيِّ إنَّ عَلَمَ الجِنْسِ لا يُجْمَعُ لِأنَّهُ كالنَّكِرَةِ شامِلٌ لِلْقَلِيلِ والكَثِيرِ لِوَضْعِهِ لِلْماهِيَّةِ فَلا حاجَةَ لِجَمْعِهِ، وقَدْ صَرَّحَ النُّحاةُ بِخِلافِهِ، ومِمَّنْ ذَكَرَ جَمْعَهُ السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْضِ الأُنُفِ فَكَأنَّ مُرادَ الرَّضِيِّ أنَّهُ لا يَطَّرِدُ جَمْعُهُ، وما ذَكَرَهُ تَعَسُّفٌ نَحْنُ في غِنًى عَنْهُ، ﴿ومَلَئِهِ﴾ أيْ: أشْرافِ قَوْمِهِ، وتَخْصِيصُهم بِالذِّكْرِ مَعَ عُمُومِ بِعْثَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْمِهِ كافَّةً لِأصالَتِهِمْ في تَدْبِيرِ الأُمُورِ واتِّباعِ غَيْرِهِمْ لَهم في الوُرُودِ والصُّدُورِ، ﴿فَظَلَمُوا بِها﴾ أيْ: بِالآياتِ، وأصْلُ الظُّلْمِ وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وهو يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ لا بِالباءِ إلّا أنَّهُ لَمّا كانَ هو والكُفْرُ مِن وادٍ واحِدٍ عُدِّيَ تَعْدِيَتَهُ أوْ هو بِمَعْنى الكُفْرِ مَجازًا أوْ تَضْمِينًا أوْ هو مُضَمَّنٌ مَعْنى التَّكْذِيبِ، أيْ: ظَلَمُوا كافِرِينَ بِها أوْ مُكَذِّبِينَ بِها، وقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ المَعْنى: كَفَرُوا بِها مَكانَ الإيمانِ الَّذِي هو مِن حَقِّها لِوُضُوحِها ظاهِرٌ في التَّضْمِينِ كَأنَّهُ قِيلَ: كَفَرُوا بِها واضِعِينَ الكُفْرَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ حَيْثُ كانَ اللّائِقُ بِهِمُ الإيمانَ.
وقِيلَ: الباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، ومَفْعُولُ ظَلَمُوا مَحْذُوفٌ، أيْ: ظَلَمُوا النّاسَ بِصَدِّهِمْ عَنِ الإيمانِ أوْ أنْفُسَهم كَما قالَ الحَسَنُ، والجُبّائِيُّ بِسَبَبِها، والمُرادُ بِهِ الِاسْتِمْرارُ عَلى الكُفْرِ بِها إلى أنْ لَقُوا مِنَ العَذابِ ما لَقُوا.
﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدِينَ﴾ أيْ: آخِرَ أمْرِهِمْ، ووَضَعَ المُفْسِدِينَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ لِلْإيذانِ بِأنَّ الظُّلْمَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإفْسادِ، والفاءُ لِأنَّهُ كَما أنَّ ظُلْمَهم بِالآياتِ مُسْتَتْبِعٌ لِتِلْكَ العاقِبَةِ الهائِلَةِ كَذَلِكَ حِكايَتُهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلْأمْرِ بِالنَّظَرِ إلَيْها، والخِطابُ إمّا لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أوْ لِكُلِّ مَن يَتَأتّى مِنهُ النَّظَرُ، و( كَيْفَ ) كَما قالَ أبُو البَقاءِ وغَيْرُهُ خَبَرُ كانَ قُدِّمَ عَلى اسْمِها لِاقْتِضائِهِ الصَّدارَةَ، والجُمْلَةُ في حَيِّزِ النَّصْبِ بِإسْقاطِ الخافِضِ كَما قِيلَ، أيْ: فانْظُرْ بِعَيْنِ عَقْلِكَ إلى كَيْفِيَّةِ ما فَعَلْنا بِهِمْ،
{"ayah":"ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦ فَظَلَمُوا۟ بِهَاۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











