الباحث القرآني

(p-74)( 7 سُورَةُ الأعْرافِ ) أخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ وابْنُ حِبّانَ عَنْ قَتادَةَ قالَ: هي مَكِّيَّةٌ إلّا آيَةَ ﴿واسْألْهم عَنِ القَرْيَةِ﴾ وقالَ غَيْرُهُ: إنَّ هَذِهِ إلى ﴿وإذْ أخَذَ رَبُّكَ﴾ مَدَنِيٌّ: وأخْرَجَ غَيْرُ واحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ أنَّها مَكِّيَّةٌ ولَمْ يَسْتَثْنِيا شَيْئًا وهي مِائَتانِ وخَمْسُ آياتٍ في البَصْرِيِّ والشّامِيِّ وسِتٌّ في المَدَنِيِّ والكُوفِيِّ فالمص وبَدَأكم تَعُودُونَ كُوفِيٌّ و﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ بَصْرِيٌّ وشامِيٌّ و﴿ضِعْفًا مِنَ النّارِ﴾ و﴿الحُسْنى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ مَدَنِيٌّ وكُلُّها مُحْكَمٌ وقِيلَ: إلّا مَوْضِعَيْنِ الأوَّلُ ﴿وأُمْلِي لَهُمْ﴾ فَإنَّهُ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ والثّانِي ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ فَإنَّهُ نُسِخَ بِها أيْضًا عِنْدَ ابْنِ زَيْدٍ وادَّعى أيْضًا أنَّ ﴿وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ كَذَلِكَ وفِيما ذَكَرَ نَظَرٌ وسَيَأْتِي الكَلامُ فِيهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها عَلى ما قالَهُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أنَّ سُورَةَ الأنْعامِ لَمّا كانَتْ لِبَيانِ الخَلْقِ وفِيها ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن طِينٍ﴾ وقالَ سُبْحانَهُ في بَيانِ القُرُونِ ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ﴾ وأُشِيرَ إلى ذِكْرِ المُرْسَلِينَ وتَعْدادِ الكَثِيرِ مِنهم وكانَ ما ذُكِرَ عَلى وجْهِ الإجْمالِ جِيءَ بِهَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَها مُشْتَمِلَةً عَلى شَرْحِهِ وتَفْصِيلِهِ فَبُسِطَ فِيها قِصَّةُ آدَمَ وفُصِّلَتْ قِصَصُ المُرْسَلِينَ وأُمَمُهم وكَيْفِيَّةُ هَلاكِهِمْ أكْمَلَ تَفْصِيلٍ ويَصْلُحُ هَذا أنْ يَكُونَ تَفْصِيلًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَكم خَلائِفَ الأرْضِ﴾ ولِهَذا صَدَّرَ السُّورَةَ بِخَلْقِ آدَمَ الَّذِي جَعَلَهُ في الأرْضِ خَلِيفَةً وقالَ سُبْحانَهُ في قِصَّةِ عادٍ: ﴿جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ وفي قِصَّةِ ثَمُودَ ﴿جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ عادٍ﴾ وأيْضًا فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ فِيما تَقَدَّمَ: ﴿كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ وهو كَلامٌ مُوجَزٌ وبَسَطَ سُبْحانَهُ هُنا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ .. إلَخْ. وأمّا وجْهُ ارْتِباطِ أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِآخِرِ الأُولى فَهو أنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ﴾ ﴿وهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ﴾ وافْتَتَحَ هَذا الأمْرَ بِاتِّباعِ الكِتابِ وأيْضًا لِما تَقَدَّمَ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكم مَرْجِعُكم فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ قالَ جَلَّ شَأْنُهُ في مُفْتَتَحِ هَذِهِ: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ﴾ إلَخْ وذَلِكَ في شَرْحِ التَّنْبِئَةِ المَذْكُورَةِ وأيْضًا لَمّا قالَ سُبْحانَهُ: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ﴾ الآيَةَ وذَلِكَ لا يَظْهَرُ إلّا في المِيزانِ افْتَتَحَ هَذِهِ بِذِكْرِ الوَزْنِ فَقالَ عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ﴾ ثُمَّ ﴿مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ وهو مَن زادَتْ حَسَناتُهُ عَلى سَيِّئاتِهِ ثُمَّ ﴿مَن خَفَّتْ﴾ وهو عَلى العَكْسِ ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ بَعْدُ أصْحابَ الأعْرافِ وهم في أحَدِ الأقْوالِ مَنِ اسْتَوَتْ حَسَناتُهم وسَيِّئِاتُهم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿المص﴾ سَبَقَ الكَلامُ في مِثْلِهِ وبَيانُ ما فِيهِ فَلا حاجَةَ إلى الإعادَةِ خَلا أنَّهُ قِيلَ هُنا: إنَّ مَعْنى ذَلِكَ المُصَوِّرُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ السُّدِّيِّ وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المَعْنى أنا اللَّهُ أعْلَمُ وأُفَصِّلُ واخْتارَهُ الزَّجّاجُ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ الحَبْرِ أنَّهُ وكَذا نَظائِرُهُ قَسَمٌ أقْسَمَ اللَّهُ تَعالى بِهِ وهو مِن أسْمائِهِ سُبْحانَهُ وعَنِ الضَّحّاكِ أنَّ مَعْناهُ أنا اللَّهُ الصّادِقُ وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ أنَّ الألِفَ واللّامَ مِنَ اللَّهِ والمِيمَ مِنَ الرَّحْمَنِ والصّادَ مِنَ الصَّمَدِ وقِيلَ: المُرادُ بِهِ ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّهُ ما مِن سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِالم إلّا وهي مُشْتَمِلَةٌ عَلى ثَلاثَةِ أُمُورٍ بَدْءُ الخَلْقِ والنِّهايَةُ الَّتِي هي المَعادُ والوَسَطُ الَّذِي هو المَعاشُ وإلَيْها الإشارَةُ بِالِاشْتِمالِ عَلى المَخارِجِ الثَّلاثَةِ الحَلْقِ واللِّسانِ والشَّفَتَيْنِ وزِيدَ في هَذِهِ السُّورَةِ عَلى ذَلِكَ الصّادُ لِما فِيها مِن ذِكْرِ شَرْحِ القِصَصِ وهو كَما تَرى واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِمُرادِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب