الباحث القرآني
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ قِيلَ هو نَعْتٌ لِلْعَزِيزِ الغَفُورِ أوْ بَيانٌ أوْ بَدَلٌ.
واخْتارَ شَيْخُ الإسْلامِ أنَّهُ نَصْبٌ أوْ رَفْعٌ عَلى المَدْحِ مُتَعَلِّقٌ بِالمَوْصُولَيْنِ السّابِقَيْنِ مَعْنى وإنْ كانَ مُنْقَطِعًا عَنْهُما إعْرابًا مُنْتَظِمٌ مَعَهُما في سِلْكِ الشَّهادَةِ بِتَعالِيمِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ومَعَ المَوْصُولِ الثّانِي في كَوْنِهِ مَدارًا لِلْبَلاءِ كَما نَطَقَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلا﴾ [هُودٍ: 7] وقَوْلُهُ تَعالى ﴿طِباقًا﴾ صِفَةٌ لِسَبْعٍ وكَوْنُ الوَصْفِ لِلْمُضافِ إلَيْهِ العَدَدُ لَيْسَ بِلازِمٍ بَلْ أكْثَرِيٌّ وهو مَصْدَرٌ طابَقْتُ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ إذا خَصَفْتَها، وُصِفَ بِهِ لِلْمُبالَغَةِ أوْ عَلى حَذْفٍ مُضافٍ أيْ ذاتِ طِباقٍ أوْ بِتَأْوِيلِ اسْمِ المَفْعُولِ أيْ مُطابَقَةً، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا مُؤَكِّدًا لِمَحْذُوفٍ أيْ طُوبِقَتْ طِباقًا، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ. وأنْ يَكُونَ جَمْعُ طَبَقٍ كَجَمَلٍ وجِمالٍ أوْ جَمْعَ طَبَقَةٍ كَرَحْبَةٍ بِفَتْحِ الحاءِ ورِحابٍ والكَلامُ بِتَقْدِيرٍ مُضافٍ لِأنَّهُ اسْمٌ جامِدٌ لا يُوصَفُ بِهِ أيْ ذاتُ طِباقٍ وقِيلَ يَجُوزُ كَوْنُهُ حالًا مِن ﴿سَبْعَ سَماواتٍ﴾ لِقُرْبِهِ مِنَ المَعْرِفَةِ بِشُمُولِهِ الكُلَّ وعَدَمِ فَرْدٍ وراءَ ذَلِكَ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ قُصارى ذَلِكَ بَعْدَ القِيلِ والقالِ أنْ يَكُونَ نَحْوَ شَمْسٍ مِمّا انْحَصَرَ في فَرْدٍ وهو لا تَجِيءُ الحالُ المُتَأخِّرَةُ مِنهُ فَلا يُقالُ طَلَعَتْ عَلَيْنا شَمْسٌ مُشْرِقَةٌ.
وأيًّا ما كانَ فالمُرادُ كَما أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، ولا دَلِيلَ في ذَلِكَ عَلى تَلاصُقِها كَما زَعَمَهُ مُتَقَدِّمُو الفَلاسِفَةِ ومَن وافَقَهم مِنَ الإسْلامِيِّينَ مُخالِفِينَ لِما نَطَقَتْ بِهِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ وإنْ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُ ذَلِكَ فِيما أرى. واخْتُلِفَ في مَوادِّها فَقِيلَ: الأُولى مِن مَوْجٍ مَكْفُوفٍ، والثّانِيَةُ مِن دُرَّةٍ بَيْضاءَ، والثّالِثَةُ مِن حَدِيدٍ، والرّابِعَةُ مِن نُحاسٍ، والخامِسَةُ مِن فِضَّةٍ، والسّادِسَةُ مِن ذَهَبٍ، والسّابِعَةُ مِن زُمُرُّدَةٍ بَيْضاءَ. وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ولا أظُنُّكَ تَجِدُ خَبَرًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِيما قِيلَ ولَوْ طِرْتَ إلى السَّماءِ، وأظُنُّكَ لَوْ وجَدَتْ لَأوَّلْتَ مَعَ اعْتِقادِ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى ما ﴿تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ صِفَةٌ أُخْرى عَلى ما في الكَشّافِ لِسَبْعِ سَماواتٍ وضَعَ فِيها ﴿خَلْقِ الرَّحْمَنِ﴾ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرّابِطِ لِلتَّعْظِيمِ والإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أنْ يَتَرَتَّبَ قِياسٌ مِنَ الشَّكْلِ الأوَّلِ يُنْتِجُ نَفْيَ رُؤْيَةِ تَفاوُتٍ فِيها، وبِأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَها بِقُدْرَتِهِ القاهِرَةِ رَحْمَةً وتَفَضُّلًا، وبِأنَّ في إبْداعِها نِعَمًا جَلِيلَةً.
وما ذَكَرَهُ ابْنُ هِشامٍ في البابِ الرّابِعِ مِنَ المُغْنِي مِن أنَّ الجُمْلَةَ المَوْصُوفَ بِها لا يَرْبُطُها إلّا الضَّمِيرُ إمّا مَذْكُورًا وإمّا مُقَدَّرًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلى جارِّ اللَّهِ، والتَّوْفِيقُ بِأنَّ ذَلِكَ إذا لَمْ يَقْصِدِ التَّعْظِيمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِن نُكْتَةٍ سَواءً كانَتِ التَّعْظِيمَ أوْ غَيْرَهُ. واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانٍ أنَّهُ اسْتِئْنافٌ وإنَّ خَلْقَ الرَّحْمَنِ عامٌّ لِلسَّماواتِ وغَيْرِها والخِطابُ لِكُلِّ أحَدٍ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِطابِ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ لِسَيِّدِ المُخاطَبِينَ ﷺ ولَعَلَّ الأوَّلَ أوْلى ومَن لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ أيْ ما تَرى شَيْئًا ﴿مِن تَفاوُتٍ﴾ أيِ اخْتِلافٍ وعَدَمِ تَناسُبٍ كَما قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ مِنَ الفَوْتِ فَإنَّ كُلًّا مِنَ المُتَفاوِتِينَ يَفُوتُ مِنهُ بَعْضُ ما في الآخَرِ، وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ التَّفاوُتَ بِتَجاوُزِ الشَّيْءِ الحَدَّ الَّذِي يَجِبُ لَهُ زِيادَةً أوْ نَقْصًا وهو المَعْنِيُّ بِالِاخْتِلافِ وعَلى ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الأُدَباءِ:
؎تَناسَبَتِ الأعْضاءُ فِيهِ فَلا تَرى بِهِنَّ اخْتِلافًا بَلْ أتَيْنَ عَلى قَدَرِ
وقالَ السُّدِّيُّ: أيْ مِن عَيْبٍ وإلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ مَن قالَ أيْ مِن تَفاوُتٍ يُورِثُ نَقْصًا وقالَ عَطاءُ بْنُ يَسارٍ: (p-7)أيْ مِن عَدَمِ اسْتِواءٍ، وقِيلَ أيْ مِنِ اضْطِرابٍ، وقِيلَ أيْ مِنِ اعْوِجاجٍ، وقِيلَ أيْ مِن تَناقُضٍ. ومَآلُ الكُلِّ ما ذَكَرْنا ومِنَ الغَرِيبِ ما قالَهُ شَيْخُ الطّائِفَةِ الكَشْفِيَّةِ في زَمانِنا مِن أنَّ بَيْنَ الأشْياءِ جَمِيعِها رَبْطًا وهو نَوْعٌ مِنَ التَّجاذُبِ لا يَفُوتُ بِسَبَبِهِ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ، وحَمْلُ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ وإلى نَحْوِ هَذا ذَهَبَ الفَلاسِفَةُ اليَوْمَ فَزَعَمُوا أنَّ بَيْنَ الأجْرامِ عُلْوِيِّها وسُفْلِيِّها تَجاذُبًا عَلى مَقادِيرَ مَخْصُوصَةٍ بِهِ حَفِظَتْ أوْضاعَها وارْتَبَطَ بَعْضُها بِبَعْضٍ، لَكِنْ ذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ ما بِهِ التَّجاذُبُ والِارْتِباطُ يَضْعُفُ قَلِيلًا قَلِيلًا عَلى وجْهٍ لا يَظْهَرُ لَهُ أثَرٌ إلّا في مُدَدٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا.
واسْتَشْعَرُوا مِن ذَلِكَ إلى أنَّهُ لا بُدَّ مِن خُرُوجِ هَذا العالَمِ المُشاهَدِ عَنْ هَذا النِّظامِ المَحْسُوسِ فَيَحْصُلُ التَّصادُمُ ونَحْوُهُ بَيْنَ الأجْرامِ وقالُوا إنْ كانَ قِيامَةً فَهو ذاكَ ولا يَخْفى حالُ ما قالَهُ وما قالُوهُ وإنَّ الآيَةَ عَلى ما سُمِعَتْ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وعَلْقَمَةُ والأُسُودُ وابْنُ جُبَيْرٍ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ «مِن ( تَفَوُّتٍ)» بِشَدِّ الواوِ مَصْدَرُ تَفَوَّتَ، وحَكى أبُو زَيْدٍ عَنِ العَرَبِ «فِي تَفاوُتٍ» فَتْحَ الواوِ وضَمَّها وكَسْرَها والفَتْحُ والكَسْرُ شاذّانِ كَما في البَحْرِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرى مِن فُطُورٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِما قَبْلَهُ عَلى مَعْنى التَّسَبُّبِ أيْ عَنِ الإخْبارِ بِذَلِكَ فَإنَّهُ سَبَبٌ لِلْأمْرِ بِالرُّجُوعِ دَفْعًا لِما يُتَوَهَّمُ مِنَ الشُّبْهَةِ، فَهو في المَعْنى جَوابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٌ أيْ إنْ كُنْتَ في رَيْبٍ مِن ذَلِكَ فَأرْجِعِ البَصَرَ حَتّى يَتَّضِحَ الحالُ ولا يَبْقى لَكَ رَيْبٌ وشُبْهَةٌ في تَحَقُّقِ ما تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ المَقالُ مِن تَناسُبِ خَلْقِ الرَّحْمَنِ واسْتِجْماعِهِ ما يَنْبَغِي لَهُ. والفُطُورُ قالَمُجاهِدٌ: الشُّقُوقُ جَمْعُ فَطْرٍ وهو الشَّقُّ، يُقالُ: فَطَرَهُ فانْفَطَرَ. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ الشَّقُّ مُطْلَقًا لا الشَّقُّ طُولًا عَلى ما هو أصْلُهُ كَما قالَ الرّاغِبُ. وفي مَعْناهُ قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ: الصُّدُوعُ، وأنْشَدُوا قَوْلَ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَقَبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ:
؎شَقَقْتِ القَلْبَ ثُمَّ ذَرَرْتِ فِيهِ ∗∗∗ هَواكِ فَلِيطَ فالتَأمَ الفُطُورُ
وقَوْلُ السُّدِّيِّ: الخُرُوقُ، وأُرِيدَ بِكُلِّ ذَلِكَ عَلى ما يُفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِ الأجِلَّةِ الخَلَلُ وبِهِ فَسَّرَهُ قَتادَةُ وفَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ بِالوَهْنِ وجُمْلَةُ ﴿هَلْ تَرى﴾ إلَخِ قالَ أبُو حَيّانٍ: في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُعَلَّقٍ مَحْذُوفٍ أيْ فانْظُرْ هَلْ تَرى أوْ ضِمْنَ ﴿فارْجِعِ البَصَرَ﴾ مَعْنى فانْظُرْ بِبَصَرِكَ.
{"ayah":"ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲ طِبَاقࣰاۖ مَّا تَرَىٰ فِی خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتࣲۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق