﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي هو جُنْدٌ لَكم يَنْصُرُكم مِن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ مُتَعَلِّقٌ عِنْدَ كَثِيرٍ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ﴾ فَقالَ في الإرْشادِ هو تَبْكِيتٌ لَهم بِنَفْيِ أنْ يَكُونَ لَهم ناصِرٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى كَما يَلُوحُ بِهِ التَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الرَّحْمانِيَّةِ ويُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى ما ﴿يُمْسِكُهُنَّ إلا الرَّحْمَنُ﴾ أوْ ناصِرٌ مِن عَذابِهِ تَعالى كَما هو الأنْسَبُ بِقَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ أنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿أمْ لَهم آلِهَةٌ تَمْنَعُهم مِن دُونِنا﴾ [الأنْبِياءِ: 43] في المَعْنَيَيْنِ مَعًا خَلا أنَّ الِاسْتِفْهامَ هُناكَ مُتَوَجِّهٌ إلى نَفْسِ المانِعِ وتَحَقُّقُهُ هُنا مُتَوَجِّهٌ إلى تَعْيِينِ النّاصِرِ لِتَبْكِيَتِهِمْ بِإظْهارِ عَجْزِهِمْ عَنْ تَعْيِينِهِ و(أمْ مُنْقَطِعَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِبَلْ لِلِانْتِقالِ مِن تَوْبِيخِهِمْ عَلى تَرْكِ التَّأمُّلِ فِيما يُشاهِدُونَهُ مِن أحْوالِ الطَّيْرِ المُنْبِئَةِ عَنْ تَعاجِيبِ آثارِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إلى التَّبْكِيتِ بِما ذَكَرَ والِالتِفاتُ لِلتَّشْدِيدِ في ذَلِكَ، ولا سَبِيلَ إلى تَقْدِيرِ الهَمْزَةِ مَعَها لِأنَّ بَعْدَها مَنِ الِاسْتِفْهامِيَّةَ والِاسْتِفْهامُ لا يَدْخُلُ عَلى الِاسْتِفْهامِ في المَعْرُوفِ عِنْدَهم وهي مُبْتَدَأٌ وهَذا خَبَرُهُ وفي المَوْصُولِ هُنا الِاحْتِمالاتُ المَشْهُورَةُ في مِثْلِهِ.
وجُمْلَةُ ( يَنْصُرُكم ) صِفَةٌ لِجُنْدٍ بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ ( ومِن دُونِ الرَّحْمَنِ ) عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ إمّا حالٌ مِن فاعِلِ ﴿يَنْصُرُكُمْ﴾ أوْ نَعْتٌ لِمَصْدَرِهِ وعَلى الثّانِي مُتَعَلِّقٌ بِيَنْصُرُكم كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿مَن يَنْصُرُنِي مَن اللَّهِ﴾ [هُودٍ: 63] فالمَعْنى مَن هَذا الحَقِيرُ الَّذِي هو في زَعْمِكم جُنْدٌ لَكم يَنْصُرُكم مُتَجاوِزًا نَصْرَ الرَّحْمَنِ أوْ يَنْصُرُكم نَصْرًا كائِنًا مَن دُونِ نَصْرِهِ تَعالى أوْ يَنْصُرُكم مِن عَذابٍ كائِنٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿إنِ الكافِرُونَ إلا في غُرُورٍ﴾ اعْتِراضٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ ناعٍ عَلَيْهِمْ ما هم فِيهِ مِن غايَةِ الضَّلالِ أيْ ما هم في زَعْمِهِمْ أنَّهم مَحْفُوظُونَ مِنَ النَّوائِبِ بِحِفْظِ آلِهَتِهِمْ لا بِحِفْظِهِ تَعالى فَقَطْ، وأنَّ آلِهَتَهم تَحَفُّظُهم مِن بَأْسِ اللَّهِ تَعالى إلّا في غُرُورٍ عَظِيمٍ وضَلالٍ فاحِشٍ مِن جِهَةِ الشَّيْطانِ لَيْسَ لَهم في ذَلِكَ شَيْءٌ يُعْتَدُّ بِهِ في الجُمْلَةِ والِالتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ لِلْإيذانِ بِاقْتِضاءِ حالِهِمُ الإعْراضَ عَنْهم وبَيانِ قَبائِحِهِمْ لِلْغَيْرِ والإظْهارِ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِذَمِّهِمْ بِالكُفْرِ وتَعْلِيلِ غُرُورِهِمْ بِهِ.
{"ayah":"أَمَّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی هُوَ جُندࣱ لَّكُمۡ یَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَـٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَـٰفِرُونَ إِلَّا فِی غُرُورٍ"}