الباحث القرآني
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا﴾ غَيْرَ صَعْبَةٍ يَسْهُلُ جِدًّا عَلَيْكُمُ السُّلُوكُ فِيها فَهو فَعَوْلٌ لِلْمُبالِغَةِ في الذُّلِّ مِن ذُلٍّ بِالضَّمِّ ويُكْسَرُ ضِدَّ الصُّعُوبَةِ، ويُسْتَعْمَلُ المَضْمُومُ فِيما يُقابِلُ العِزَّ كَما يَقْتَضِيهِ كَلامُ القامُوسِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الذَّلُولُ فَعُولٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ أيْ مَذْلُولَةٍ كَرَكُوبٍ وحَلُوبٍ انْتَهى. وتُعُقِّبَ بِأنَّ فِعْلَهُ قاصِرٌ وإنَّما يُعَدّى بِالهَمْزَةِ أوِ التَّضْعِيفِ فَلا يَكُونُ بِمَعْنى المَفْعُولِ، واسْتَظْهَرَ أنْ مَذْلُولَةً خَطَأٌ وقالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُونَ لِلدّابَّةِ إذا كانَتْ مُنْقادَةً غَيْرَ صَعْبَةٍ ذَلُولٌ مِنَ الذِّلِّ بِالكَسْرِ وهو سُهُولَةُ الِانْقِيادِ وفي الكَلامِ اسْتِعارَةٌ وقِيلَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وتَقْدِيمٌ لَكم عَلى مَفْعُولَيِ الجَعْلِ مَعَ أنَّ حَقَّهُ التَّأخُّرُ عَنْهُما لِلِاهْتِمامِ بِما قَدَّمَ والتَّشْوِيقِ إلى ما أخَّرَ فَإنَّ ما حَقُّهُ التَّقْدِيمُ إذا أُخِّرَ لا سِيَّما عِنْدَ كَوْنِ المُقَدَّمِ مِمّا يَدُلُّ عَلى كَوْنِ المُؤَخَّرِ مِن مَنافِعِ المُخاطَبِينَ تُبْقِي النَّفْسَ مُتَرَقِّبَةً لِوُرُودِهِ فَيَتَمَكَّنُ لَدَيْها عِنْدَ ذِكْرِهِ فَضْلُ تَمَكُّنٍ.
والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فامْشُوا في مَناكِبِها﴾ لِتَرْتِيبِ الأمْرِ عَلى الجَعْلِ المَذْكُورِ وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّها فَصِيحَةٌ والمُرادُ بِمَناكِبِها عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ وغَيْرِهِما: جِبالُها. وقالَ الحَسَنُ: طُرُقُها وفِجاجُها. وأصْلُ المَنكِبِ مُجْتَمَعُ ما بَيْنَ العَضُدِ والكَتِفِ، واسْتِعْمالُهُ فِيما ذَكَرَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّحْقِيقِيَّةِ وهي قَرِينَةُ المَكْنِيَّةِ في الأرْضِ حَيْثُ شُبِّهَتْ بِالبَعِيرِ كَما ذَكَرَهُ الخَفاجِيُّ، ثُمَّ قالَ: فَإنْ قُلْتَ كَيْفَ تَكُونُ مَكْنِيَّةً وقَدْ ذَكَرَ طَرَفُها الآخَرُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ذَلُولا﴾ قُلْتُ: هو بِتَقْدِيرِ أرْضًا ذَلُولًا فالمَذْكُورُ جِنْسُ الأرْضِ المُطْلَقُ، والمُشَبَّهُ هو (p-15)الفَرْدُ الخارِجِيُّ وهو غَيْرُ مَذْكُورٍ فَيَجُوزُ كَوْنُ ذَلُولًا اسْتِعارَةً، والمَكْنِيَّةُ حِينَئِذٍ هي مَدْلُولُ الضَّمِيرِ لا المُصَرَّحُ بِها في النَّظْمِ الكَرِيمِ والمانِعُ مِنَ الِاسْتِعارَةِ ذِكْرُ المُشَبَّهِ بِعَيْنِهِ لا بِما يَصْدُقُ عَلَيْهِ فَتَأمَّلْ ولا تَغْفُلْ.
وفِي الكَشّافِ: المَشْيُ في مَناكِبِها مَثَلٌ لِفَرْطِ التَّذْلِيلِ ومُجاوَزَتِهِ الغايَةَ لِأنَّ المَنكِبَيْنِ ومُلْتَقاهُما مِنَ الغارِبِ أرَقُّ شَيْءٍ مِنَ البَعِيرِ وإنْباهٌ عَنْ أنْ يَطَأهُ الرّاكِبُ بِقَدَمِهِ ويَعْتَمِدَ عَلَيْهِ لَمْ يَتْرُكْ بَقِيَّةً مِنَ التَّذْلِيلِ، والمُرادُ أنَّهُ لَيْسَ هُنا أمْرٌ بِالمَشْيِ حَقِيقَةً وإنَّما القَصْدُ بِهِ إلى جَعْلِهِ مَثَلًا لِفَرْطِ التَّذْلِيلِ سَواءٌ كانَتِ المَناكِبُ مُفَسَّرَةً بِالجِبالِ أوْ غَيْرِها وسَواءٌ كانَ ما قَبْلُ اسْتِعارَةً أوْ تَشْبِيهًا ﴿وكُلُوا مِن رِزْقِهِ﴾ انْتَفَعُوا بِما أنْعَمَ جَلَّ شَأْنُهُ وكَثِيرًا ما يُعَيِّرُ عَنْ وُجُوهِ الِانْتِفاعِ بِالأكْلِ لِأنَّهُ الأهَمُّ الأعَمُّ.
وفِي أنْوارِ التَّنْزِيلِ أيِ التَمِسُوا مِن نِعَمِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى أنَّ الأكْلَ مَجازٌ عَنِ الِالتِماسِ مِن قَبِيلِ ذِكْرِ المَلْزُومِ وإرادَةِ اللّازِمِ، قِيلَ: وهو المُناسِبُ لِقَوْلِهِ تَعالى (اِمْشُوا) وجَوَّزَ بَعْضٌ إبْقاءَهُ عَلى ظاهِرِهِ عَلى أنَّ ذَلِكَ مِن قَبِيلِ الِاكْتِفاءِ ولَيْسَ بِذاكَ، واسْتَدَلَّ بِالآيَةِ عَلى نَدْبِ التَّسَبُّبِ والكَسْبِ.
وفِي الحَدِيثِ ««إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ العَبْدَ المُؤْمِنَ المُحْتَرِفَ»»
وهَذا لا يُنافِي التَّوَكُّلَ. بَلْ أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قالَ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِقَوْمٍ فَقالَ: مَن أنْتُمْ؟ فَقالُوا: المُتَوَكِّلُونَ. قالَ: أنْتُمُ المُتّاكِلُونَ، إنَّما المُتَوَكِّلُ رَجُلٌ ألْقى حَبَّهُ في بَطْنِ الأرْضِ وتَوَكَّلَ عَلى رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ.
وتَمامُ الكَلامِ في هَذا الفَصْلِ في مَحَلِّهِ. والمَشْهُورُ أنَّ الأمْرَ في المَوْضِعَيْنِ لِلْإباحَةِ وجَوَّزَ كَوَّنَهُ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ لِأنَّ مِنَ المَشْيِ وما عُطِفَ عَلَيْهِ ما هو واجِبٌ كَما لا يَخْفى.
﴿وإلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أيِ المَرْجِعُ بَعْدَ البَعْثِ لا إلى غَيْرِهِ عَزَّ وجَلَّ فَبالِغُوا في شُكْرِ نِعَمِهِ الَّتِي مِنها تَذْلِيلُ الأرْضِ وتَمْكِينُكم مِنها وبَثُّ الرِّزْقِ فِيها، ومِمّا يَقْضِي مِنهُ العَجَبُ جَوازُ عَوْدِ ضَمِيرِ رِزْقِهِ عَلى الأرْضِ بِاعْتِبارِ أنَّها مَبْدَأٌ أوْ عُنْصُرٌ مِنَ العَناصِرِ، أوْ ذَلُولٌ وهو يَسْتَوِي فِيهِ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ والإضافَةُ لِأدْنى مُلابَسَةٍ أيْ مِنَ الرِّزْقِ الَّذِي خَلَقَ عَلَيْها، وكَذا ضَمِيرُ إلَيْهِ أيْ وإلى الأرْضِ نَشُورُكم ورُجُوعُكم فَتَخْرُجُونَ مِن بُيُوتِكم وقُصُورِكم إلى قُبُورِكم. وجُمْلَةُ إلَيْهِ النُّشُورُ قِيلَ عَطْفٌ عَلى الصِّلَةِ بَعْدَ مُلاحَظَةِ ما تَرَتَّبُ عَلَيْها وقِيلَ حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ المَرْفُوعِ فَتَدَبَّرْ.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولࣰا فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











