الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكم أمْوالُكم ولا أوْلادُكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أيْ لا يَشْغَلُكُمُ الِاهْتِمامُ بِتَدْبِيرِ أُمُورِها والِاعْتِناءِ بِمَصالِحِها والتَّمَتُّعِ بِها عَنِ الِاشْتِغالِ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنَ الصَّلاةِ وسائِرِ العِباداتِ المَذْكُورَةِ لِلْمَعْبُودِ الحَقِّ جَلَّ شَأْنُهُ فَذِكْرُ اللَّهُ تَعالى مَجازٌ عَنْ مُطْلَقِ العِبادَةِ كَما يَقْتَضِيهِ كَلامُ الحَسَنِ وجَماعَةٍ، والعَلاقَةُ السَّبَبِيَّةُ لِأنَّ العِبادَةَ سَبَبٌ لِذِكْرِهِ سُبْحانَهُ وهو المَقْصُودُ في الحَقِيقَةِ مِنها. وفِي رِوايَةٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّ المُرادَ بِهِ جَمِيعُ الفَرائِضِ، وقالَ الضَّحّاكُ وعَطاءٌ: الذِّكْرُ هُنا الصَّلاةُ المَكْتُوبَةُ، وقالَ الكَلْبِيُّ: الجِهادُ مَعَ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقِيلَ: القُرْآنُ، والعُمُومُ أوْلى، ويُفْهَمُ كَلامُ الكَشّافِ أنَّ المُرادَ بِالأمْوالِ والأوْلادِ الدُّنْيا، وعَبَّرَ بِهِما عَنْها لِكَوْنِهِما أرْغَبَ الأشْياءِ مِنها قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [الكَهْفَ: 46] فَإذا أُرِيدَ بِذِكْرِ اللَّهِ العُمُومُ يُؤَوَّلُ المَعْنى إلى لا تَشْغَلَنَّكُمُ الدُّنْيا عَنِ الدِّينِ والمُرادُ بِنَهْيِ الأمْوالِ وما بَعْدَها نَهْيُ المَخاطَبِينَ وإنَّما وُجِّهَ إلَيْها لِلْمُبالَغَةِ لِأنَّها لِقُوَّةِ تَسَبُّبِها لِلَّهْوِ وشِدَّةِ مَدْخَلِيَّتِها فِيهِ جُعِلَتْ كَأنَّها لاهِيَةٌ، وقَدْ نَهَيْتُ عَنِ اللَّهْوِ فالأصْلُ لا تَلْهُوا بِأمْوالِكم إلَخْ، فالتَّجَوُّزُ في الإسْنادِ، وقِيلَ: إنَّهُ تَجَوُّزٌ بِالسَّبَبِ عَنِ المُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾ [الأعْرافَ: 2] أيْ لا تَكُونُوا بِحَيْثُ تُلْهِيكم أمْوالُكم إلَخْ. ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أيِ اللَّهْوَ بِها وهو الشَّغْلُ، وهَذا أبْلَغُ مِمّا لَوْ قِيلَ: ومَن تُلْهِهِ تِلْكَ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ حَيْثُ باعُوا العَظِيمَ الباقِيَ بِالحَقِيرِ الفانِي، وفي التَّعْرِيفِ بِالإشارَةِ والحَصْرِ لِلْخُسْرانِ فِيهِمْ، وفي تَكْرِيرِ الإسْنادِ وتَوْسِيطِ ضَمِيرِ الفَصْلِ ما لا يَخْفى مِنَ المُبالَغَةِ، وكَأنَّهُ لَمّا نُهِيَ المُنافِقُونَ عَنِ الإنْفاقِ عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأُرِيدَ الحَثُّ عَلى الإنْفاقِ جُعِلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلَخْ تَمْهِيدًا وتَوْطِئَةً لِلْأمْرِ بِالإنْفاقِ لَكِنْ عَلى وجْهِ العُمُومِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب