الباحث القرآني
﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَذْكُورِينَ مِنَ الأنْبِياءِ الثَّمانِيَةَ عَشَرَ والمَعْطُوفِينَ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِمْ بِما ذُكِرَ مِنَ الهِدايَةِ وغَيْرِها مِنَ النُّعُوتِ الجَلِيلَةِ كَما قِيلَ. واقْتَصَرَ الإمامُ عَلى المَذْكُورِينَ مِنَ الأنْبِياءِ. وعَنِ ابْنِ بَشِيرٍ قالَ: ”سَمِعْتُ رَجُلًا سَألَ الحَسَنَ عَنْ (أُولَئِكَ) فَقالَ لَهُ: مَن في صَدْرِ الآيَةِ“. وهو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ أيْ جِنْسَهُ. والمُرادُ بَإيتائِهِ التَّفْهِيمُ التّامُّ لِما فِيهِ مِنَ الحَقائِقِ والتَّمْكِينُ مِنَ الإحاطَةِ بِالجَلائِلِ والدَّقائِقِ أعَمُّ مِن أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالإنْزالِ ابْتِداءً وبِالإيراثِ بَقاءً فَإنَّ مِمَّنْ ذُكِرَ مَن لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ كُتّابٌ مُعَيَّنٌ ﴿والحُكْمَ﴾ أيْ فَصْلَ الأمْرِ بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ أوِ الحِكْمَةَ وهي مَعْرِفَةُ حَقائِقِ الأشْياءِ ﴿والنُّبُوَّةَ﴾ فَسَّرَها بَعْضُهم بِالرِّسالَةِ. وعُلِّلَ بِأنَّ المَذْكُورِينَ هُنا رُسُلٌ لَكِنْ في المُحاكَماتِ لِمَوْلانا أحْمَدَ بْنِ حَيْدَرٍ الصَّفَوِيِّ أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَ بِرَسُولٍ وإنْ كانَ لَهُ كِتابٌ ولَمْ أجِدْ في ذَلِكَ نَصًّا. وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَ بِرَسُولٍ أيْضًا، (ويُوسُفَ) في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ جاءَكم يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالبَيِّناتِ﴾ لَيْسَ هو يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِما السَّلامُ وإنَّما هو يُوسُفُ بْنُ أفْراثِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، وهو غَرِيبٌ. وأغْرَبُ مِنهُ بِأنَّهُ كانَ مِنَ الجِنِّ رَسُولًا إلَيْهِمْ. وقالَ الشِّهابُ: قَدْ يُقالُ إنَّما ذُكِرَ الأعَمُّ في النَّظْمِ الكَرِيمِ لِأنَّ بَعْضَ مَن دَخَلَ في عُمُومِ آبائِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ لَيْسُوا بِرُسُلٍ ﴿فَإنْ يَكْفُرْ بِها﴾ أيْ بِهَذِهِ الثَّلاثَةِ أوِ النُّبُوَّةِ الجامِعَةِ لِلْباقِينَ ﴿هَؤُلاءِ﴾ أيْ أهْلُ مَكَّةَ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وقَتادَةَ مَعَ دَلالَةِ الإشارَةِ والمَقامِ عَلى ما قِيلَ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِمُ الكُفّارُ الَّذِينَ جَحَدُوا بِنُبُوَّتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى (p-216)عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُطْلَقًا. وأيًّا ما كانَ فَكُفْرُهم بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وما أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ القُرْآنِ يَسْتَلْزِمُ كُفْرَهم بِما يُصَدِّقُهُ جَمِيعًا. وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى الفاعِلِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ ﴿فَقَدْ وكَّلْنا بِها﴾ أيْ أمَرْنا بِرِعايَتِها ووَفَّقَنا لِلْإيمانِ بِها والقِيامِ بِحُقُوقِها ﴿قَوْمًا﴾ فِخامًا ﴿لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾
89
- في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ بَلْ مُسْتَمِرُّونَ عَلى الإيمانِ بِها، والمُرادُ بِهِمْ عَلى ما أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وعَبَدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: أهْلُ المَدِينَةِ مِنَ الأنْصارِ، وقِيلَ: أصْحابُ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُطْلَقًا، وقِيلَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ مِن بَنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: الفُرْسُ فَإنَّ كُلًّا مِن هَؤُلاءِ الطَّوائِفِ مُوَفَّقُونَ لِلْإيمانِ بِالأنْبِياءِ وبِالكُتُبِ المُنَزَّلَةِ إلَيْهِمْ عامِلُونَ بِما فِيها مِن أُصُولِ الشَّرائِعِ وفُرُوعِها الباقِيَةِ في شَرِيعَتِنا. وعَنْ قَتادَةَ أنَّهُمُ الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ المَذْكُورُونَ. وعَلَيْهِ يَكُونُ المُرادُ بِالتَّوْكِيلِ الأمْرُ بِما هو أعَمُّ مِن إجْراءِ أحْكامِها كَما هو شَأْنُهم في حَقِّ كِتابِهِمْ ومِنِ اعْتِقادِ حَقِّيَّتِها كَما هو شَأْنُهم في حَقِّ سائِرِ الكُتُبِ الَّتِي نُورُ فَرَقِها القُرْآنُ. ورَجَّحَ واخْتارَ هَذا الزَّجّاجُ. ورَجَّحَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِوَجْهَيْنِ الأوَّلُ: أنَّ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَ إشارَةٍ إلى الأنْبِياءِ المَذْكُورِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَإنْ لَمْ يَكُنِ المُوَكَّلُونَ هم لَزِمَ الفَصْلُ بِالأجْنَبِيِّ، الثّانِي: أنَّهُ مُرَتَّبٌ بِالفاءِ عَلى ما قَبْلَهُ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ. واسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهم فَإنَّ الظّاهِرَ كَوْنُ مُصَدِّقِ النُّبُوَّةِ ومُنْكِرِها مُغايِرًا لِمَن أُوتِيها
وأخْرَجَ ابْنُ حَمِيدٍ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي رَجاءٍ العَطّارِيِّ أنَّهُمُ المَلائِكَةُ فالتَّوْكِيلُ حِينَئِذٍ هو الأمْرُ بِإنْزالِها وحِفْظِها واعْتِقادِ حَقِّيَّتِها، واسْتَبْعَدَهُ الإمامُ لِأنَّ القَوْمَ قَلَّما يَقَعُ عَلى غَيْرِ بَنِي آدَمَ،وأيًّا ما كانَ فَتَنْوِينُ قَوْمًا لِلتَّفْخِيمِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ. وهو مَفْعُولُ ﴿وكَّلْنا﴾ و (بِها) قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِما عِنْدَهُ، وتَقْدِيمُهُ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِما مَرَّ، ولِأنَّ فِيهِ طُولًا رُبَّما يُؤَدِّي تَقْدِيمُهُ إلى الإخْلالِ بِتَجاوُبِ النَّظْمِ الكَرِيمِ أوْ إلى الفَصْلِ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ. والباءُ الَّتِي بَعْدَ صِلَةِ ﴿بِكافِرِينَ﴾ قُدِّمَتْ مُحافَظَةً عَلى الفَواصِلِ والَّتِي بَعْدَها لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ ﴿فَقَدْ وكَّلْنا﴾ إلَخْ أيْ فَإنْ يَكْفُرْ بِها هَؤُلاءِ فَلا اعْتِدادَ بِهِ أصْلًا فَقَدْ وفَّقْنا لِلْإيمانِ قَوْمًا مُسْتَمِرِّينَ عَلى الإيمانِ بِها والعَمَلِ بِما فِيها، فَفي إيمانِهِمْ مَندُوحَةٌ عَنْ إيمانِ هَؤُلاءِ، ومِن هَذا يُعْلَمُ أنَّ الأرْجَحَ -كَما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ- تَفْسِيرُ القَوْمِ بِإحْدى الطَّوائِفِ مِمَّنْ عَدا الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذْ بِإيمانِهِمْ بِالقُرْآنِ والعَمَلِ بِأحْكامِهِ يَتَحَقَّقُ الغُنْيَةُ عَنْ إيمانِ الكَفَرَةِ بِهِ والعَمَلِ بِأحْكامِهِ ولا كَذَلِكَ إيمانُ الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ فَإِن یَكۡفُرۡ بِهَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمࣰا لَّیۡسُوا۟ بِهَا بِكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق