الباحث القرآني
﴿وتِلْكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما احْتَجَّ بِهِ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (فَلَمّا جَنَّ اللَّيْلُ) إلَخْ، وقِيلَ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أتُحاجُّونِّي﴾ إلى ﴿وهم مُهْتَدُونَ﴾ وتَرْكِيبُ حُجَّةٍ اصْطِلاحِيَّةٍ مِنهُ يَحْتاجُ إلى تَأمُّلٍ، وما في اسْمِ الإشارَةِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِتَفْخِيمِ شَأْنِ المُشارِ إلَيْهِ، وهو مُبْتَدَأٌ وقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿حُجَّتُنا﴾ خَبَرُهُ، وفي إضافَتِهِ إلى نُونِ العِظَمَةِ مِنَ التَّفْخِيمِ ما لا يَخْفى، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿آتَيْناها إبْراهِيمَ﴾ أيْ أرْشَدْناهُ إلَيْها أوْ عَلَّمْناهُ إيّاها في مَوْضِعِ الحالِ مِن (حُجَّةُ) والعامِلُ فِيهِ مَعْنى الإشارَةِ أوْ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ ثانٍ أوْ هو الخَبَرُ و(حُجَّتُنا) بَدَلٌ أوْ بَيانٌ لِلْمُبْتَدَإ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ (آتَيْنا) إلَخْ مُعْتَرِضَةً أوْ تَفْسِيرِيَّةً ولا يَخْفى بُعْدُهُ، و(إبْراهِيمَ) مَفْعُولٌ أوَّلُ لَـ (آتَيْنا) قُدِّمَ عَلى الثّانِي لِكَوْنِهِ ضَمِيرًا
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿عَلى قَوْمِهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ (حُجَّتُنا) إنْ جُعِلَ خَبَرًا لِـ (تِلْكَ) أوْ بِمَحْذُوفٍ إنْ جُعِلَ بَدَلًا لِئَلّا يَلْزَمَ الفَصْلُ بَيْنَ أجْزاءِ البَدَلِ بِأجْنَبِيٍّ أيْ آتَيْناها إبْراهِيمَ حُجَّةً عَلى قَوْمِهِ، ولَمْ يُجَوِّزْ أبُو البَقاءِ تَعَلُّقَهُ بِـ (حُجَّتِنا) أصْلًا لِلْمَصْدَرِيَّةِ والفَصْلِ، ولَعَلَّ المُجَوِّزَ لا يَرى المَصْدَرِيَّةَ مانِعَةً عَنْ تَعَلُّقِ الظَّرْفِ ويَجْعَلُ الفَصْلَ مُغْتَفَرًا، وقِيلَ: يَصِحُّ (p-209)تَعَلُّقُهُ بِـ (آتَيْنا) لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الغَلَبَةِ، وقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ﴾ أيْ رُتَبًا عَظِيمَةً عالِيَةً مِنَ العِلْمِ والحِكْمَةِ. مُسْتَأْنَفٌ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعْرابِ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّهُ حالٌ مِن فاعِلِ (آتَيْنا) أيْ حالَ كَوْنِنا رافِعِينَ، ونَصْبُ (دَرَجاتٍ) إمّا عَلى المَصْدَرِيَّةِ بِتَأْوِيلِ رَفْعاتٍ أوْ عَلى الظَّرْفِيَّةِ أوْ عَلى نَزْعِ الخافِضِ أيْ إلى دَرَجاتٍ أوْ عَلى التَّمْيِيزِ، ومَفْعُولُ (نَرْفَعُ) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن نَشاءُ﴾ وتَأْخِيرُهُ عَلى الأوْجُهِ الثَّلاثَةِ الأخِيرَةِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنَ الِاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، ومَفْعُولُ المَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ أيْ مَن نَشاءُ رَفْعَهُ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ وتَسْتَدْعِيهِ المَصْلَحَةُ، وإيثارُ صِيغَةِ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فِيما بَيْنَ الأخْيارِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقُرِئَ (يَرْفَعُ) بِالياءِ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ وكَذا نَشاءُ وقَرَأ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ (دَرَجاتِ مَن) بِالإضافَةِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولُ (نَرْفَعُ)، ورَفْعُ دَرَجاتِ الإنْسانِ رَفْعٌ لَهُ، وجَوَّزَ بَعْضُهم جَعْلَهُ مَفْعُولًا أيْضًا عَلى قِراءَةِ التَّنْوِينِ وجَعْلَ (مَن) بِتَقْدِيرِ لِمَن وهو بَعِيدٌ
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ﴾ أيْ في كُلِّ ما يَفْعَلُ مِن رَفْعٍ وخَفْضٍ ﴿عَلِيمٌ﴾
38
- أيْ بِحالِ مَن يَرْفَعُهُ واسْتِعْدادِهِ لَهُ عَلى مَراتِبَ مُتَفاوِتَةٍ وإنْ شِئْتَ عَمَمْتَ ويَدْخُلُ حِينَئِذٍ ما ذُكِرَ دُخُولًا أوَّلِيًّا تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَهُ، وفي وضْعِ الرَّبِّ مُضافًا إلى ضَمِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَوْضِعَ نُونِ العَظَمَةِ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ في تَضاعِيفِ بَيانِ حالِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ما لا يَخْفى مِن إظْهارِ مَزِيدِ اللُّطْفِ والعِنايَةِ بِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذا وقَدْ ذَكَرَ الإمامُ في هَذِهِ الآياتِ الإبْراهِيمِيَّةِ عِدَّةَ أحْكامٍ الأوَّلُ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ بِجِسْمٍ إذْ لَوْ كانَ جِسْمًا لَكانَ غائِبًا عَنّا فَيَكُونُ آفِلًا والأُفُولُ يُنافِي الرُّبُوبِيَّةَ، ولا يَخْفى أنَّ عَدَّ تِلْكَ الغَيْبَةِ المَفْرُوضَةِ أُفُولًا لا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِأنَّ الأُفُولَ احْتِجابٌ مَعَ انْتِقالٍ وتِلْكَ الغَيْبَةُ المَفْرُوضَةُ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ هي مُجَرَّدُ احْتِجابٍ فِيما يَظْهَرُ، نَعَمْ أنَّهُ يُنافِي الرُّبُوبِيَّةَ أيْضًا لَكِنَّ الكَلامَ في كَوْنِهِ أُفُولًا لِيَتِمَّ الِاحْتِجاجُ بِالآيَةِ لا يُقالُ قَدْ جاءَ في حَدِيثِ الإسْراءِ ذِكْرُ الحِجابِ فَكَيْفَ يَصِحُّ القَوْلُ بِأنَّ الِاحْتِجابَ مُنافٍ لِلرُّبُوبِيَّةِ لِأنّا نَقُولُ: الحِجابُ الوارِدُ كَما قالَ القاضِي عِياضٌ إنَّما هو في حَقِّ العِبادِ لا في حَقِّهِ تَعالى فَهُمُ المَحْجُوبُونَ، والبارِي جُلَّ اسْمُهُ مُنَزَّهٌ عَمّا يَحْجُبُهُ إذِ الحِجابُ إنَّما يُحِيطُ بِمُقَدَّرٍ مَحْسُوسٍ ونَصَّ غَيْرُ واحِدٍ أنَّ ذِكْرَ الحِجابِ لَهُ تَعالى تَمْثِيلٌ لِمَنعِهِ سُبْحانَهُ الخَلْقَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وقالَ السَّيِّدُ النَّقِيبَ في الدُّرَرِ والغُرَرِ: العَرَبُ تُسْتَعْمِلُ الحِجابَ بِمَعْنى الخَفاءِ وعَدَمِ الظُّهُورِ، فَيَقُولُ أحَدُهم لِغَيْرِهِ إذا اسْتَبْعَدَ فَهْمَهُ: بَيْنِي وبَيْنَكَ حِجابٌ، ويَقُولُونَ لِما يُسْتَصْعَبُ طَرِيقُهُ: بَيْنِي وبَيْنَهُ كَذا حُجُبٌ ومَوانِعُ وساتِرٌ وما جَرى ذَلِكَ، والظّاهِرُ عَلى هَذا أنَّ فِيما ذُكِرَ مَجازًا في المُفْرَدِ فَتَدَبَّرْ، الثّانِي أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ تَعالى بِحَيْثُ يَنْزِلُ مِنَ العَرْشِ إلى السَّماءِ تارَةً ويَصْعَدُ مِنَ السَّماءِ إلى العَرْشِ أُخْرى وإلّا لَحَصَلَ مَعْنى الأُفُولِ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الواصِفِينَ رَبَّهم عَزَّ شَأْنُهُ بِصِفَةِ النُّزُولِ حَيْثُ سَمِعُوا حَدِيثَهُ الصَّحِيحَ عَنْ رَسُولِهِمْ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لا يَقُولُونَ: إنَّهُ حَرَكَةٌ وانْتِقالٌ كَما هو كَذَلِكَ في الأجْسامِ، بَلْ يُفَوِّضُونَ تَعْيِينَ المُرادِ مِنهُ إلى اللَّهِ تَعالى بَعْدَ تَنْزِيهِهِ سُبْحانَهُ عَنْ مُشابَهَةِ المَخْلُوقِينَ وحِينَئِذٍ لا يُرَدُّ عَلَيْهِ أنَّهُ في مَعْنى الأُفُولِ المُمْتَنِعِ عَلى الرَّبِّ جَلَّ جَلالُهُ (p-210)الثّالِثُ أنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصِّفاتِ المُحْدَثَةِ كَما تَقُولُ الكَرامِيَّةُ وإلّا لَكانَ مُتَغَيِّرًا وحِينَئِذٍ يَحْصُلُ مَعْنى الأُفُولِ وهو ظاهِرٌ، الرّابِعُ أنَّ ما ذُكِرَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الدِّينَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلى الدَّلِيلِ لا عَلى التَّقْلِيدِ وإلّا لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِدْلالِ فائِدَةٌ ألْبَتَّةَ، الخامِسُ أنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَعارِفَ الأنْبِياءِ بِرَبِّهِمُ اسْتِدْلالِيَّةٌ لا ضَرُورِيَّةٌ وإلّا لَما احْتاجَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى الِاسْتِدْلالِ، السّادِسُ أنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا طَرِيقَ إلى تَحْصِيلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى إلّا بِالنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ في أحْوالِ مَخْلُوقاتِهِ إذْ لَوْ أمْكَنَ تَحْصِيلُها بِطَرِيقٍ آخَرَ لَما عَدَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، ولا يَخْفى عَلَيْكَ ما في هَذَيْنَ الأخِيرَيْنِ، السّابِعُ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿وتِلْكَ حُجَّتُنا﴾ إلَخْ يَدُلُّ عَلى أنَّ تِلْكَ الحُجَّةَ إنَّما حَصَلَتْ في عَقْلِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِإيتاءِ اللَّهِ تَعالى وإظْهارِها في عَقْلِهِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الإيمانَ والكُفْرَ لا يَحْصُلانِ إلّا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى، ويَتَأكَّدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ﴾ إلَخْ، الثّامِنُ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: (نَرْفَعُ) إلَخْ يَدُلُّ عَلى فَسادِ طَعْنِ الحَشْوِيَّةِ في النَّظَرِ وتَقْرِيرِ الحُجَّةِ وذِكْرِ الدَّلِيلِ وفِيهِ أحْكامٌ أُخَرُ لا تَخْفى عَلى مَن يَتَدَبَّرُ
* * *
ومِن بابِ الإشارَةِ فِيها ﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ﴾ حِينَ رَآهُ مُحْتَجِبًا بِظَواهِرِ عالَمِ المُلْكِ عَنْ حَقائِقِ المَلَكُوتِ ورُبُوبِيَّتِهِ تَعالى لِلْأشْياءِ مُعْتَقَدًا تَأْثِيرَ الأكْوانِ والأجْرامِ ذاهِلًا عَنِ المَلَكُوتِ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿أتَتَّخِذُ أصْنامًا﴾ أيْ أشْباحًا خالِيَةً بِذَواتِها عَنِ الحَياةِ ﴿آلِهَةً﴾ فَتَعْتَقِدُ تَأْثِيرَها ﴿إنِّي أراكَ وقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ظاهِرٍ عِنْدَ مَن كُشِفَ عَنْ عَيْنِهِ الغَيْنُ، ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ نُوقِفُهُ عَلى القُوى الرُّوحانِيَّةِ الَّتِي نُدَبِّرُ بِها أمْرَ العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ أوْ نُوقِفُهُ عَلى حَقِيقَتِها ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ أيْ أهْلِ الإيقانِ العالِمِينَ أنْ لا تَأْثِيرَ إلّا لِلَّهِ تَعالى يُدَبِّرُ الأمْرَ بِأسْمائِهِ سُبْحانَهُ ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ أيْ أظْلَمَ عَلَيْهِ لَيْلُ عالَمِ الطَّبِيعَةِ الجُسْمانِيَّةِ وذَلِكَ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ في صِباهُ وأوَّلِ شَبابِهِ رَأى كَوْكَبًا وهو كَوْكَبُ النَّفْسِ المُسَمّاةِ رُوحًا حَيَوانِيَّةِ الظّاهِرِ في مَلَكُوتِ الهَيْكَلِ الإنْسانِيِّ فَقالَ حِينَ رَأى فَيْضَهُ وحَياتَهُ وتَرْبِيَتَهُ مِن ذَلِكَ بِلِسانِ الحالِ: ﴿هَذا رَبِّي﴾، وكانَ اللَّهُ تَعالى يُرِيهِ في ذَلِكَ الحِينِ بِاسْمِهِ المُحْيِي ﴿فَلَمّا أفَلَ﴾ بِطُلُوعِ نُورِ القَلْبِ ﴿قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ ﴿فَلَمّا رَأى القَمَرَ﴾ أيْ قَمَرَ القَلْبِ بازِغًا مِن أُفُقِ النَّفْسِ ووَجَدَ فَيْضَهُ بِمُكاشَفاتِ الحَقائِقِ والمَعارِفِ وتَرْبِيَتِهِ مِنهُ ﴿قالَ هَذا رَبِّي﴾، وكانَ اللَّهُ تَعالى يُرِيهِ إذْ ذاكَ بِاسْمِهِ العالِمِ والحَكِيمِ ﴿فَلَمّا أفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ إلى نُورِ وجْهِهِ ﴿لأكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضّالِّينَ﴾ المُحْتَجِبِينَ بِالبَواطِنِ عَنْهُ سُبْحانَهُ، ﴿فَلَمّا رَأى الشَّمْسَ﴾ أيْ شَمْسَ الرُّوحِ بازِغَةً مُتَجَلِّيَةً عَلَيْهِ قالَ إذْ وجَدَ فَيْضَهُ وشُهُودَهُ وتَرْبِيَتَهُ مِنها ﴿هَذا رَبِّي﴾ وكانَ سُبْحانَهُ يُرِيهِ حِينَئِذٍ بِاسْمِهِ الشَّهِيدِ والعَلِيِّ العَظِيمِ ﴿هَذا أكْبَرُ﴾ مِنَ الأوَّلَيْنِ ﴿فَلَمّا أفَلَتْ﴾ بِتَجَلِّي أنْوارِ الحَقِّ وتَشَعْشُعِ سُبُحاتِ الوَجْهِ ﴿قالَ يا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ إذْ لا وُجُودَ بِغَيْرِهِ سُبْحانَهُ ﴿إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ﴾ أيْ أسْلَمْتُ ذاتِي ووُجُودِي ﴿لِلَّذِي فَطَرَ﴾ أوْجَدَ ﴿السَّماواتِ والأرْضَ﴾ أيْ سَمَواتِ الأرْواحِ وأرْضَ النَّفْسِ ﴿حَنِيفًا﴾ مائِلًا عَنْ كُلِّ ما سِواهُ حَتّى عَنْ وُجُودِي ومَيْلِي بِالفَناءِ فِيهِ جَلَّ جَلالُهُ ﴿وما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ في شَيْءٍ، ﴿وحاجَّهُ قَوْمُهُ﴾ في تَرْكِ السَّوِيِّ ﴿قالَ أتُحاجُّونِّي في اللَّهِ وقَدْ هَدانِي﴾ إلى وُجُودِهِ الحَقِّ وتَوْحِيدِهِ، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الإيمانَ الحَقِيقِيَّ ﴿ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ﴾ مِن ظُهُورِ نَفْسٍ أوْ قَلْبٍ أوْ وُجُودِ بَقِيَّةٍ ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ﴾ الحَقِيقِيُّ ﴿وهم مُهْتَدُونَ﴾ حَقِيقَةً إلى الحَقِّ
وقالَ النَّيْسابُورِيُّ: قَدْ يَدُورُ في الخَلَدِ أنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَنَّ عَلَيْهِ لَيْلُ الشُّبْهَةِ وظُلْمَتِها فَنَظَرَ أوَّلًا في عالَمِ (p-211)الأجْسامِ فَوَجَدَها آفِلَةً في أُفُقِ التَّغْيِيرُ فَلَمْ يَرَها تَصْلُحُ لِلْإلَهِيَّةِ فارْتَقى مِنها إلى عالَمِ النُّفُوسِ المُدَبِّرَةِ لِلْأجْسامِ فَرَآها آفِلَةً في أُفُقِ الِاسْتِكْمال، فَكانَ حُكْمُها حُكْمَ ما دُونَها فَصَعَدَ مِنها إلى عالَمِ العُقُولِ المُجَرَّدِ فَصادَفَها آفِلَةً في أُفُقِ الإمْكانِ فَلَمْ يَبْقَ إلّا الواجِبُ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وما ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ الِاحْتِجاجَ كانَ مَعَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وهو الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، ورَوَوْا في ذَلِكَ خَبَرًا طَوِيلًا وهو مَذْكُورٌ في كَثِيرٍ مِنَ الكُتُبِ مَشْهُورٌ بَيْنَ العامَّةِ، والمُخْتارُ عِنْدِي ما عَلِمْتَ واللَّهُ تَعالى يَقُولُ الحَقَّ وهو يَهْدِي السَّبِيلَ
{"ayah":"وَتِلۡكَ حُجَّتُنَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق