الباحث القرآني

﴿ولَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا في قِرْطاسٍ﴾ اسْتِئْنافٌ سِيقَ بِطَرِيقِ تَلْوِينِ الخِطابِ لِبَيانِ شِدَّةِ شَكِيمَتِهِمْ في المُكابَرَةِ وما يَتَفَرَّعُ عَلَيْها مِنَ الأقاوِيلِ الباطِلَةِ إثْرَ بَيانِ ما هم فِيهِ مِن غَيْرِ ذَلِكَ وعَنِ الكَلْبِيِّ وغَيْرِهِ أنَّها نَزَلَتْ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أُمَيَّةَ ونَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ لَمّا قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يا مُحَمَّدُ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَأْتِيَنا بِكِتابٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى ومَعَهُ أرْبَعَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ يَشْهَدُونَ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى وأنَّكَ رَسُولُهُ"، والكِتابُ المَكْتُوبُ، والجارُّ بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لَهُ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وقِيلَ: إنْ جُعِلَ اسْمًا كالإمامِ فالجارُّ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ، وإنْ جُعِلَ مُصَدِّرًا بِمَعْنى المَكْتُوبِ فَهو مُتَعَلِّقٌ بِهِ (p-96)وجُوِّزَ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ (نَزَّلْنا) وفِيهِ بَعْدُ، و(القِرْطاسُ) بِكَسْرِ القافِ وضَمِّها وقُرِئَ بِهِما مُعَرَّبُ كُرّاسَةٍ كَما قِيلَ، ومِمَّنْ نَصَّ عَلى أنَّهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ الجَوالِيقِيُّ، وقِيلَ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ ومَعْناهُ الوَرَقُ وعَنْ قَتادَةَ: الصَّحِيفَةُ، وفي القامُوسِ: القِرْطاسُ مُثَلَّثَةُ القافِ وكَجَعْفَرٍ ودِرْهَمٍ والكاغِدُ، وقالَ الشِّهابُ: هو مَخْصُوصٌ بِالمَكْتُوبِ أوْ أعَمُّ مِنهُ ومِن غَيْرِهِ 0 – ﴿فَلَمَسُوهُ﴾ أيِ الكِتابُ أوِ القِرْطاسُ، و(اللَّمْسُ) كَما قالَ الجَوْهَرِيُّ المَسُّ بِاليَدِ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِأيْدِيهِمْ﴾ لِزِيادَةِ التَّعْيِينِ ودَفْعِ احْتِمالِ التَّجَوُّزِ الواقِعِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأنّا لَمَسْنا السَّماءَ﴾ أيْ تَفَحَّصْنا، وقِيلَ: إنَّهُ أعَمُّ مِنَ المَسِّ بِاليَدِ، فَعَنِ الرّاغِبِ: المَسُّ ادِّراكٌ بِظاهِرِ البَشَرَةِ كاللَّمْسِ وبِالتَّقْيِيدِ بِهِ يَنْدَفِعُ احْتِمالُ التَّجَوُّزِ أيْضًا وقِيلَ: إنَّما قُيِّدَ بِذَلِكَ لِأنَّ الإحْساسَ بِاللُّصُوقِ يَكُونُ بِجَمِيعِ الأعْضاءِ ولِلْيَدِ خُصُوصِيَّةٌ في الإحْساسِ لَيْسَتْ لِسائِرِها، وأمّا التَّجَوُّزُ بِاللَّمْسِ عَنِ الفَحْصِ فَلا يَنْدَفِعُ بِهِ إذْ لا بُعْدَ في أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمُباشَرَتِهِمُ الفَحْصَ بِأنْفُسِهِمْ، بَلْ يَنْدَفِعُ لِكَوْنِ المَعْنى الحَقِيقِيِّ أنْسَبَ بِالمَقامِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ كَما لا يَخْفى، وقِيلَ: إنَّ ذِكْرَ الأيْدِي لِيُفِيدَ أنَّ اللَّمْسَ كانَ بِكِلْتا اليَدَيْنِ ولا يَظْهَرُ وجْهُ الإفادَةِ، وتَخْصِيصُ اللَّمْسِ لِأنَّهُ يَتَقَدَّمُهُ الإبْصارُ حَيْثُ لا مانِعَ، ولِأنَّ التَّزْوِيرَ لا يَقَعُ فِيهِ فَلا يُمْكِنُهم أنْ يَقُولُوا إذا تَرَكَ العِنادَ والتَّعَنُّتَ: ﴿إنَّما سُكِّرَتْ أبْصارُنا﴾ واعْتُرِضَ بِأنَّ اللَّمْسَ هُنا إنَّما يَدْفَعُ احْتِمالَ كَوْنِ المَرْئِيِّ مُخَيَّلًا، وأمّا نُزُولُهُ مِنَ السَّماءِ فَلا يُثْبُتُ بِهِ وأُجِيبَ بِأنَّهُ إذا تَأيَّدَ الِادِّراكُ البَصَرِيُّ في النُّزُولِ بِالِادِّراكِ اللَّمْسِيِّ في المَنزِلِ بِجَزْمِ العَقْلِ بَدِيهَةً بِوُقُوعِ المُبْصَرِ جَزْمًا لا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فَلا يَبْقى بَعْدَهُ إلّا مُجَرَّدُ العِنادِ مَعَ أنَّ حُدُوثَهُ هُناكَ مِن غَيْرِ مُباشِرَةِ أحَدٍ يَكْفِي في الإعْجازِ كَما لا يَخْفى، وقالَ ابْنُ المُنِيرِ: الظّاهِرُ أنَّ فائِدَةَ زِيادَةِ لَمْسِهِمْ بِأيْدِيهِمْ تَحْقِيقُ القِراءَةِ عَلى قُرْبِ أيْ فَقَرَءُوهُ وهو بِأيْدِيهِمْ لا بَعِيدٌ عَنْهم لَما آمَنُوا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ جَوابُ (لَوْ) عَلى الأفْصَحِ مِنِ اقْتِرانِ جَوابِها المُثْبَتِ بِاللّامِ، والمُرادُ (لَقالُوا) تَعَنُّتًا وعِنادًا لِلْحَقِّ، وإنَّما وضَعَ المَوْصُولَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلى اتِّصافِهِمْ بِما في حَيِّزَ الصِّلَةَ مِنَ الكُفْرِ الَّذِي لا يُكَفِّرُ - كَما قِيلَ - حَسَنُ مَوْقِعِهِ بِاعْتِبارِ مَعْناهُ اللُّغَوِيِّ أيْضًا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِمْ قَوْمٌ مَعْهُودُونَ مِنَ الكَفَرَةِ، فَحَدِيثُ الوَضْعِ حِينَئِذٍ مَوْضُوعٌ، و(إنْ) في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنْ هَذا﴾ أيِ الكِتابُ نافِيَةٌ أيْ ما هَذا ﴿إلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ 7 - أيْ ظاهِرُ كَوْنِهِ سِحْرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب