الباحث القرآني
﴿وما عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ قالَ أبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: لَمّا نَزَلَتْ ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى﴾ إلَخْ قالَ المُسْلِمُونَ لَئِنْ كُنّا نَقُومُ كُلَّما اسْتَهْزَأ المُشْرِكُونَ بِالقُرْآنِ لَمْ نَسْتَطِعْ أنْ نَجْلِسَ في المَسْجِدِ الحَرامِ ولا نَطُوفَ بِالبَيْتِ فَنَزَلَتْ: أيْ وما يَلْزَمُ الَّذِينَ يَتَّقُونَ قَبائِحَ أعْمالِ الخائِضِينَ وأحْوالِهِمْ
﴿مِن حِسابِهِمْ﴾ أيْ مِمّا يُحاسَبُ الخائِضُونَ الظّالِمُونَ عَلَيْهِ مِنَ الجَرائِرِ (مِن شَيْءٍ) أيْ شَيْءٍ ما عَلى أنَّ (مِن) زائِدَةٌ لِلِاسْتِغْراقِ و(شَيْءٍ) في مَحَلِّ الرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وما تَمِيمِيَّةٌ أوِ اسْمٌ لَها وهي حِجازِيَّةٌ و(مِن حِسابِهِمْ) -كَما قالَ أبُو البَقاءِ- حالٌ مِنهُ لِأنَّ نَعْتَ النَّكِرَةِ إذا قُدِّمَ عَلَيْها أُعْرِبَ حالًا. ولَيْسَتْ (مِن) بِمَعْنى الأجَلِ خِلافًا لِمَن تَكَلَّفَهُ
و﴿عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَرْفُوعٍ وقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَإ أوْ لِـ (ما) الحِجازِيَّةِ عَلى رَأْيِ مَن لا يُجِيزُ إعْمالَها في الخَبَرِ المُقَدَّمِ مُطْلَقًا أوْ مَنصُوبٌ وقَعَ خَبَرًا لِـ (ما) عَلى رَأْيِ مَن يُجَوِّزُ إعْمالَها في الخَبَرِ المُقَدَّمِ عِنْدَ كَوْنِهِ ظَرْفًا أوْ حَرْفَ جَرٍّ (p-185)﴿ولَكِنْ ذِكْرى﴾ اسْتِدْراكٌ مِنَ النَّفْيِ السّابِقِ أيْ ولَكِنْ عَلَيْهِمْ أنْ يُذَكِّرُوهم ويَمْنَعُوهم عَمّا هم فِيهِ مِنَ القَبائِحِ بِما أمْكَنَ مِنَ العِظَةِ والتَّذْكِيرِ ويُظْهِرُوا لَهُمُ الكَراهَةَ والنَّكِيرَ، ومَحَلُّ (ذِكْرى) عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ المُحَقِّقِينَ إمّا النَّصْبُ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِلْفِعْلِ المَحْذُوفِ أيْ عَلَيْهِمْ أنْ يُذَكِّرُوهم تَذْكِيرًا أوِ الرَّفْعُ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ ولَكِنْ عَلَيْهِمْ ذِكْرى، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ النَّصْبَ والرَّفْعَ أيْضًا لَكِنْ قَدَّرَ في الأوَّلِ نُذَكِّرُهم ذِكْرى بِنُونِ العَظَمَةِ، وفي الثّانِي هَذِهِ ذِكْرى. وإلى ذَلِكَ يُشِيرُ كَلامُ البَلْخِيِّ ولَمْ يُجَوِّزِ الزَّمَخْشَرِيُّ عَطْفَهُ عَلى مَحَلِّ (مِن شَيْءٍ) لِأنَّ (مِن حِسابِهِمْ) يَأْباهُ إذْ يَصِيرُ المَعْنى ولَكِنْ ذِكْرى مِن حِسابِهِمْ، وهو كَما تَرى
واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنَ العَطْفِ عَلى مُقَيَّدٍ اعْتِبارُ ذَلِكَ القَيْدِ في المَعْطُوفِ والعَلّامَةُ الثّانِي يَقُولُ: إنَّهُ إذا عُطِفَ مُفْرَدٌ عَلى مُفْرَدٍ لاسِيَّما بِحَرْفِ الِاسْتِدْراكِ فالقُيُودُ المُعْتَبَرَةُ في المَعْطُوفِ عَلَيْهِ السّابِقَةُ في الذِّكْرى عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ في المَعْطُوفِ البَتَّةَ بِحُكْمِ الِاسْتِعْمالِ تَقُولُ: ما جاءَنِي يَوْمُ الجُمْعَةِ أوْ في الدّارِ أوْ راكِبًا أوْ مِن هَؤُلاءِ القَوْمِ رَجُلٌ ولَكِنِ امْرَأةٌ فَيَلْزَمُ مَجِيءُ المَرْأةِ في يَوْمِ الجُمْعَةِ وفي الدّارِ وبِصِفَةِ الرُّكُوبِ وتَكُونُ مِنَ القَوْمِ البَتَّةَ، ولَمْ يَجِئِ الِاسْتِعْمالُ بِخِلافِهِ، ولا يُفْهَمُ مِنَ الكَلامِ سِواهُ بِخِلافِ ما جاءَنِي رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ ولَكِنِ امْرَأةٌ فَإنَّهُ لا يَبْعُدُ كَوْنُ المَرْأةِ مِن غَيْرِ العَرَبِ، قالُوا: والسِّرُّ فِيهِ أنَّ تَقَدُّمَ القُيُودِ يَدُلُّ عَلى أنَّها أمْرٌ مُسَلَّمٌ مَفْرُوغٌ عَنْهُ وأنَّها قَيْدٌ لِلْعامِلِ مُنْسَحِبٌ عَلى جَمِيعِ مَعْمُولاتِهِ، وأنَّ هَذِهِ القاعِدَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالمُفْرَدِ لِذَلِكَ، وأمّا في الجُمَلِ فالقَيْدُ إنْ جُعِلَ جُزْءًا مِنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ وإنْ سَبَقَ لَمْ يُشارِكْهُ فِيهِ المَعْطُوفُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا جاءَ أجَلُهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ عَلى ما في شَرْحِ المِفْتاحِ، وهَذا إذا لَمْ تَقُمِ القَرِينَةُ عَلى خِلافِهِ كَما في قَوْلِكَ: جاءَنِي مِن تَمِيمٍ رَجُلٌ وامْرَأةٌ مِن قُرَيْشٍ
وتَخْصِيصُ هَذِهِ القاعِدَةِ بِتَقَدُّمِ القَيْدِ وادِّعاءِ اطِّرادِها كَما ذَكَرَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ مِمّا يَقْتَضِيهِ الذَّوْقُ، ومِنهم مَن عَمَّها كَما قالَ الحَلَبِيُّ: إنَّ أهْلَ اللِّسانِ والأُصُولِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ العَطْفَ لِلتَّشْرِيكِ في الظّاهِرِ فَإذا كانَ في المَعْطُوفِ عَلَيْهِ قَيْدٌ فالظّاهِرُ تَقْيِيدُ المَعْطُوفِ بِذَلِكَ القَيْدِ إلّا أنْ تَجِيءَ قَرِينَةٌ صارِفَةٌ فَيُحالُ الأمْرُ عَلَيْها؛ فَإذا قُلْتَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَ الجُمْعَةِ وعَمْرًا، فالظّاهِرُ اشْتِراكُ زَيْدٍ وعَمْرٍو في الضَّرْبِ مُقَيَّدًا بِيَوْمِ الجُمْعَةِ، وإذا قُلْتَ: وعَمْرًا يَوْمَ السَّبْتِ لَمْ يُشارِكْهُ في قَيْدِهِ. والآيَةُ مِنَ القَبِيلِ الأوَّلِ. فالظّاهِرُ مُشارَكَتُهُ في قَيْدِهِ ويَكْفِي في المَنعِ. وبَحَثَ فِيهِ السَّفاقُسِيُّ وغَيْرُهُ. فَتَدَبَّرْ
ومَن مَنَعَ العَطْفَ عَلى مَحَلِّ (مِن شَيْءٍ) لِما تَقَدَّمَ مَنَعَ العَطْفَ عَلى (شَيْءٍ) لِذَلِكَ أيْضًا، ولِأنَّ (مِن) لا تُقَدَّرُ عامِلَةً بَعْدَ الإثْباتِ لِأنَّها إذا عَمِلَتْ كانَتْ في قُوَّةِ المَذْكُورَةِ المَزِيدَةِ وهي لا تُزادُ في الإثْباتِ في غَيْرِ الظُّرُوفِ أوْ مُطْلَقًا عِنْدَ الجُمْهُورِ ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾
69
- أيْ يَجْتَنِبُونَ الخَوْضَ حَياءً أوْ كَراهَةً لِمَساءَتِهِمْ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ أيْ لَكِنْ يُذَكِّرُ المُتَّقُونَ الخائِضِينَ لِيَثْبُتَ المُتَّقُونَ عَلى تَقْواهم ولا يَأْثَمُوا بِتَرْكِ ما وجَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ أوْ لِيَزْدادُوا تَقْوًى بِذَلِكَ. وهَذِهِ الآيَةُ -كَما أخْرَجَ النَّحّاسُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وأبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ وابْنِ جُبَيْرٍ- مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى النّازِلِ في المَدِينَةِ: ﴿وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكم في الكِتابِ أنْ إذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها﴾ إلَخْ، وإلَيْهِ ذَهَبَ البَلْخِيُّ والجَبائِيُّ. وفي الطَّوْدِ الرّاسِخِ في المَنسُوخِ والنّاسِخِ أنْ لا نَسْخَ (p-186)عِنْدَ أهْلِ التَّحْقِيقِ في ذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿وما عَلى الَّذِينَ﴾ إلَخْ خَبَرٌ ولا نَسْخَ في الأخْبارِ، فافْهَمْ
{"ayah":"وَمَا عَلَى ٱلَّذِینَ یَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَیۡءࣲ وَلَـٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











