الباحث القرآني

(p-179)﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكم مَن ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ﴾ أيْ قُلْ لَهم تَقْرِيرًا بِانْحِطاطِ شُرَكائِهِمْ عَنْ رُتْبَةِ الأُلُهِيَّةِ، والمُرادُ مِن ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما شَدائِدُهُما وأهْوالُهُما الَّتِي تُبْطِلُ الحَواسَّ وتُدْهِشُ العُقُولَ، والعَرَبُ كَما قالَ الزَّجّاجُ تَقُولُ لِلْيَوْمِ الَّذِي يُلْقى فِيهِ شِدَّةٌ يَوْمٌ مُظْلِمٌ حَتّى أنَّهم يَقُولُونَ: يَوْمٌ ذُو كَواكِبَ أيْ أنَّهُ يَوْمٌ قَدِ اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ حَتّى صارَ كاللَّيْلِ في ظُلْمَتِهِ، وأُنْشِدَ: ؎بَنِي أُسْدٍ هَلْ تَعْلَمُونَ بَلاءَنا إذا كانَ يَوْمٌ ذُو كَواكِبَ أشْهَبُ، ومِنَ الأمْثالِ القَدِيمَةِ رَأى الكَواكِبَ ظُهْرًا أيْ أظْلَمَ عَلَيْهِ يَوْمُهُ لِاشْتِدادِ الأمْرِ فِيهِ حَتّى كَأنَّهُ أبْصَرَ النَّجْمَ نَهارًا، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ طُرْفَةَ: ؎إنْ تُنَوِّلْهُ فَقَدْ تَمْنَعُهُ ∗∗∗ وتَرَيْهِ النَّجْمَ يَجْرِي بِالظُّهُرِ، وقِيلَ: المُرادُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وظُلْمَةُ السَّحابِ وظُلْمَةُ البَحْرِ، وقِيلَ: ظُلْمَةُ البَرِّ بِالخَسْفِ فِيهِ وظُلْمَةُ البَحْرِ بِالغَرَقِ فِيهِ، والظُّلُماتُ عَلى الأوَّلِ كَما قِيلَ اسْتِعارَةٌ وعَلى الأخِيرَيْنِ حَقِيقَةً ومِنهم مَن جَعَلَها كِنايَةً عَنِ الخَسْفِ والغَرَقِ، والكَلامُ في الكِنايَةِ مَعْلُومٌ، ومَن جَوَّزَ جَمْعَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ فَسَّرَ الظُّلُماتِ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ والغَيْمِ والبَحْرِ والتِّيهِ والخَوْفِ، وقَرَأ يَعْقُوبُ وسَهْلٌ (يُنْجِيكُمْ) بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الإنْجاءِ والمَعْنى واحِدٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَدْعُونَهُ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن مَفْعُولِ (يُنَجِّيكُمْ) كَما قالَ أبُو البَقاءِ، والضَّمِيرُ لِمَن أيْ مِن يُنَجِّيكم مِنها حالَ كَوْنِكم داعِينَ لَهُ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِهِ أيْ مِن يُنَجِّيكم مِنها حالَ كَوْنِهِ مَدْعُوًّا مِن جِهَتِكم ﴿تَضَرُّعًا وخُفْيَةً﴾ أيْ إعْلانًا وإسْرارًا كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما والحَسَنِ فَنَصَبَها عَلى المَصْدَرِيَّةِ، وقِيلَ: بِنَزْعِ الخافِضِ، والإعْلانُ والإسْرارُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِما ما بِاللِّسانِ، ويُحْتَمَلَ أنْ يُرادَ بِهِما ما بِاللِّسانِ والقَلْبِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونا مَنصُوبَيْنِ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ تَدْعُونَ أيْ مُعْلِنِينَ ومُسِرِّينَ وقَرَأ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ خِفْيَةً بِكَسْرِ الخاءِ وهو لُغَةٌ فِيهِ كالأُسْوَةِ والإسْوَةِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَئِنْ أنْجانا﴾ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ لِقَوْلٍ مُقَدَّرٍ وقَعَ حالًا مِن فاعِلِ تَدْعُونَ أيْضًا أيْ قائِلِينَ: لَئِنْ أنْجَيْتَنا والكُوفِيُّونَ يَحْكُونَ بِما يَدُلُّ عَلى مَعْنى القَوْلِ كَتَدْعُونَ مِن غَيْرِ تَقْدِيرٍ والصَّحِيحُ التَّقْدِيرُ، وقِيلَ: إنَّ الجُمْلَةَ القَسَمِيَّةَ تَفْسِيرٌ لِلدُّعاءِ فَلا مَحَلَّ لَها، وقَرَأ أهْلُ الكُوفَةِ ﴿أنْجانا﴾ بِلَفْظِ الغَيْبَةِ مُراعاةً لِتَدْعُونَهُ دُونَ حِكايَةِ خِطابِهِمْ في حالَةِ الدُّعاءِ غَيْرَ أنَّ عاصِمًا قَرَأ بِالتَّفْخِيمِ والباقُونَ بِالإمالَةِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿مِن هَذِهِ﴾ إشارَةٌ إلى ما هم فِيها المُعَبَّرِ عَنْها بِالظُّلُماتِ ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ 36 - أيِ الرّاسِخِينَ في الشُّكْرِ المُداوِمِينَ عَلَيْهِ لِأجْلِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الجَلِيلَةِ أوْ جَمِيعِ النِّعَمِ الَّتِي هَذِهِ مِن جُمْلَتِها
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب