الباحث القرآني

﴿قُلْ أرَأيْتَكُمْ﴾ تَبْكِيتٌ آخَرُ لَهم بِإلْجائِهِمْ إلى الِاعْتِرافِ بِاخْتِصاصِ العَذابِ بِهِمْ ﴿إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾ أيِ العاجِلُ الخاصُّ بِكم كَما أتى أضْرابُكم مِنَ الأُمَمِ قَبْلَكم ﴿بَغْتَةً﴾ أيْ فَجْأةً مِن غَيْرِ ظُهُورِ أمارَةٍ وشُعُورٍ، ولِتَضَمُّنِها بِهَذا الِاعْتِبارِ ما في الخُفْيَةِ مِن عَدَمِ الشُّعُورِ صَحَّ مُقابَلَتُها بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أوْ جَهْرَةً﴾ وبَدَأ بِها لِأنَّها أرْدَعُ مِنَ الجَهْرَةِ وإنَّما لَمْ يَقُلْ: خِفْيَةً لِأنَّ الإخْفاءَ لا يُناسِبُ شَأْنَهُ تَعالى وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ البَغْتَةَ اسْتِعارَةٌ لِلْخِفْيَةِ بِقَرِينَةِ مُقابَلَتِها بِالجَهْرَةِ، وأنَّها مَكْنِيَّةٌ مِن غَيْرِ تَخْيِيلِيَّةٍ ولا يَخْفى أنَّهُ عَلى ما فِيهِ تَعَسُّفٌ لا حاجَةَ إلَيْهِ فَإنَّ المُقابَلَةَ بَيْنَ الشَّيْءِ والقَرِيبِ مِن مُقابِلِهِ كَثِيرَةٌ في الفَصِيحِ ومِنهُ قَوْلُهُ ﷺ: ”بَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا“ وعَنِ الحَسَنِ أنَّ البَغْتَةَ أنْ يَأْتِيَهم لَيْلًا، والجَهْرَةُ أنْ يَأْتِيَهم نَهارًا وقُرِئَ: بَغَتَةً أوْ جَهَرَةً بِفَتْحِ الغَيْنِ والهاءِ عَلى أنَّهُما مَصْدَرانِ كالغَلَبَةِ أيْ إتْيانًا بَغْتَةً أوْ إتْيانًا جَهْرَةً، وفي المُحْتَسِبِ لِابْنِ جِنِّيٍّ أنَّ مَذْهَبَ أصْحابِنا في كُلِّ حَرْفِ حَلْقٍ ساكِنٍ بَعْدَ فَتْحٍ لا يُحَرَّكُ إلّا عَلى أنَّهُ لُغَةٌ فِيهِ كالنَّهْرِ والنَّهَرِ والشَّعْرِ والشَّعَرِ (p-154)والحَلْبِ والحَلَبِ والطَّرْدِ والطَّرَدِ، ومَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ أنَّهُ يَجُوزُ تَحْرِيكُ الثّانِي لِكَوْنِهِ حَرْفًا حَلْقِيًّا قِياسًا مُطْرَدًا كالبَحْرِ والبَحَرِ، وما أرى الحَقَّ إلّا مَعَهُمْ، وكَذا سَمِعْتُ مِن عامَّةِ عَقِيلٍ، وسَمِعْتُ الشَّجَرِيَّ يَقُولُ: أنا مَحَمُومٌ بِفَتْحِ الحاءِ ولَيْسَ في كَلامِ العَرَبِ مَفْعُولَ بِفَتْحِ الفاءِ، وقالُوا: اللَّحَمُ يُرِيدُ اللَّحْمَ، وسَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَغَدُوا بِمِعْنى تَغْدُوا، ولَيْسَ في كَلامِهِمْ مَفَعَلَ بِفَتْحِ الفاءِ، وقالُوا: سارَ نَحَوَهُ بِفَتْحِ الحاءِ ولَوْ كانَتِ الحَرَكَةُ أصْلِيَّةً ما صَحَّتِ اللّامُ أصْلًا اهـ، وهي كَما قالَ الشِّهابُ فائِدَةٌ يَنْبَغِي حِفْظُها وقُرِئَ بَغْتَةً وجَهْرَةً بِالواوِ الواصِلَةِ ﴿هَلْ يُهْلَكُ إلا القَوْمُ الظّالِمُونَ﴾ 74 - أيْ إلّا أنْتُمْ، ووُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ وإيذانًا بِأنَّ مَناطَ إهْلاكِهِمْ ظُلْمُهم ووَضْعُهُمُ الكُفْرَ مَوْضِعَ الإيمانِ والإعْراضَ مَوْضِعَ الإقْبالِ، وهَذا كَما قالَ الجَماعَةُ مُتَعَلِّقُ الِاسْتِخْبارِ والِاسْتِفْهامِ لِلتَّقْرِيرِ أيْ قُلْ تَقْرِيرًا لَهم بِاخْتِصاصِ الهَلاكِ بِهِمْ أخْبِرُونِي إنْ أتاكم عَذابُهُ جَلَّ شَأْنُهُ حَسْبَما تَسْتَحِقُّونَهُ هَلْ يُهْلَكُ بِذَلِكَ العَذابِ إلّا أنْتُمْ أيْ هَلْ يُهْلَكُ غَيْرُكم مِمَّنْ لا يَسْتَحِقُّهُ، وقِيلَ: المُرادُ بِالقَوْمِ الظّالِمِينَ الجِنْسُ وهم داخِلُونَ فِيهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَأْباهُ تَخْصِيصُ الإتْيانِ بِهِمْ، وقِيلَ: الِاسْتِفْهامُ بِمَعْنى النَّفْيِ لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مُفْرَغٌ، والأصْلُ فِيهِ النَّفْيُ ومُتَعَلِّقُ الِاسْتِخْبارِ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ كَأنَّهُ قِيلَ: أخْبِرُونِي إنْ أتاكم عَذابُهُ عَزَّ وجَلَّ بَغْتَةً أوْ جَهْرَةً ماذا يَكُونُ الحالُ، ثُمَّ قِيلَ: بَيانًا لِذَلِكَ ما ﴿يُهْلَكُ إلا القَوْمُ الظّالِمُونَ﴾ أيْ ما يُهْلَكُ بِذَلِكَ العَذابِ الخاصِّ بِكم إلّا أنْتُمْ وقَيَّدَ الطَّبَرْسِيُّ وغَيْرُهُ الهَلاكَ بِهَلاكِ التَّعْذِيبِ والسُّخْطِ تَوْجِيهًا لِلْحَصْرِ إذْ قَدْ يُهْلَكُ غَيْرُ الظّالِمِ لَكِنَّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنهُ تَعالى بِهِ لِيَجْزِيَهُ الجَزاءَ الأوْفى عَلى ابْتِلائِهِ، ولَعَلَّهُ اشْتِغالٌ بِما لا يَعْنِي، وقُرِئَ يَهْلَكُ بِفَتْحِ الياءِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب