الباحث القرآني

﴿فَلَوْلا إذْ جاءَهم بَأْسُنا تَضَرَّعُوا﴾ أيْ فَلَمْ يَتَضَرَّعُوا حِينَئِذٍ مَعَ وُجُودِ المُقْتَضى وانْتِفاءِ المانِعِ الَّذِي يُعْذَرُونَ بِهِ، (ولَوْلا) عِنْدَ الهَرَوِيِّ تَكُونُ نافِيَةً حَقِيقِيَّةً وجُعِلَ مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلا قَوْمَ يُونُسَ﴾ والجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلى التَّوْبِيخِ والتَّنْدِيمِ وهو يُفِيدُ التُّرْكَ وعَدَمَ الوُقُوعِ ولِذا ظَهَرَ الِاسْتِدْراكُ والعَطْفُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ ولَيْسَتْ (لَوْلا) هُنا تَحْضِيضِيَّةً كَما تُوُهِّمَ لِأنَّها تَخْتَصُّ بِالمُضارِعِ، واخْتارَ بَعْضُهم ما ذَهَبَ إلَيْهِ الهَرَوِيُّ. ولَمّا كانَ التَّضَرُّعُ ناشِئًا مِن لِينِ القَلْبِ كانَ نَفْيُهُ نَفْيَهُ فَكَأنَّهُ قِيلَ فَما لانَتْ قُلُوبُهم ولَكِنْ قَسَتْ، وقِيلَ: كانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّضَرُّعُ إلّا أنَّهُ عَدَلَ إلى ما ذُكِرَ لِأنَّ قَساوَةَ القَلْبِ الَّتِي هي المانِعُ يُشْعِرُ بِأنَّ عَلَيْهِمْ ما ذُكِرَ، ومَعْنى (قَسَتْ) إلَخْ، اسْتَمَرَّتْ عَلى ما هي عَلَيْهِ مِنَ القَساوَةِ أوِ ازْدادَتْ قَساوَةً ﴿وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ 34 - مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي فَلَمْ يُخْطَرُوا بِبالِهِمْ أنَّ ما اعْتَراهم مِنَ البَأْساءِ والضَّرّاءِ ما اعْتَراهم إلّا لِأجْلِهِ. والتَّزْيِينُ لَهُ مَعانٍ، أحَدُهُما إيجادُ الشَّيْءِ حَسَنًا مُزَيَّنًا في نَفْسِ الأمْرِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وزَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا﴾، والثّانِي جَعْلُهُ مُزَيَّنًا مِن غَيْرِ إيجادٍ كَتَزْيِينِ الماشِطَةِ العَرُوسَ، والثّالِثُ جَعْلُهُ مَحْبُوبًا لِلنَّفْسِ مُشْتَهًى لِلطَّبْعِ وإنْ لَمْ يَكُنْ في نَفْسِهِ كَذَلِكَ وهَذا إمّا بِمَعْنى خَلْقِ المَيْلِ في النَّفْسِ والطَّبْعِ وإمّا بِمَعْنى تَزْوِيقِهِ وتَرْوِيجِهِ بِالقَوْلِ وما يُشْبِهُهُ كالوَسْوَسَةِ والإغْراءِ، وعَلى هَذا يُبْنى أمْرُ إسْنادِهِ فَإنَّهُ جاءَ في النَّظْمِ الكَرِيمِ تارَةً مُسْنَدًا إلى الشَّيْطانِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ وتارَةً إلَيْهِ سُبْحانَهُ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ وتارَةً إلى البَشَرِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ﴾ فَإنْ كانَ بِالمَعْنى الأوَّلِ فَإسْنادُهُ إلى اللَّهِ تَعالى حَقِيقَةٌ، وكَذَلِكَ إذا كانَ بِالمَعْنى الثّالِثِ بِناءً عَلى المُرادِ مِنهُ أوَّلًا، وإنْ كانَ بِالمَعْنى الثّانِي أوِ الثّالِثِ بِناءً عَلى المُرادِ مِنهُ ثانِيًا فَإسْنادُهُ إلى الشَّيْطانِ أوِ البَشَرِ حَقِيقَةٌ، ولا يُمْكِنُ إسْنادُ ما يَكُونُ بِالإغْواءِ والوَسْوَسَةِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ كَذَلِكَ. وجاءَ أيْضًا غَيْرَ مَذْكُورِ الفاعِلِ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ وحِينَئِذٍ يُقَدَّرُ في كُلِّ مَكانٍ ما يَلِيقُ بِهِ، وقَدْ مَرَّ لَكَ ما يَتَعَلَّقُ بِهَذا البَحْثِ فَتَذَكَّرْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب