الباحث القرآني
﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ﴾ لِلتَّخْصِيصِ أيْ بَلْ تَخُصُّونَهُ سُبْحانَهُ بِالدُّعاءِ ولَيْسَ لِرِعايَةِ الفَواصِلِ، والتَّخْصِيصُ مُسْتَفادٌ مِمّا بَعْدُ وهو عَطْفٌ عَلى جُمْلَةٍ مَنفِيَّةٍ تُفْهَمُ مِنَ الكَلامِ السّابِقِ كَأنَّهُ قِيلَ: لا غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ، وجَعَلَهُ في الكَشْفِ عَطْفًا عَلى أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ، وأوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى كَوْنِ أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ مُتَعَلِّقَ الِاسْتِخْبارِ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ﴾ أيْ ما تَدْعُونَهُ إلى كَشْفِهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعالى أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ يَأْباهُ فَإنَّ قَوارِعَ السّاعَةِ لا تُكْشَفُ عَنِ المُشْرِكِينَ، وأجابَ بِأنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ في الكَشْفِ المَشِيئَةَ بِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿إنْ شاءَ﴾ وهو عَزَّ وجَلَّ لا يَشاءُ كَشْفَ هاتِيكَ القَوارِعِ عَنْهم وخُصَّ الإيرادُ بِذَلِكَ الوَجْهِ عَلى ما في الكَشْفِ لِأنَّ الشَّرْطَيْنِ فِيهِ لِما كانا مُتَعَلِّقَيْنِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: أغَيْرَ إلَخْ، وكانَ ﴿بَلْ إيّاهُ﴾ إلَخْ عَطْفًا عَلَيْهِ إضْرابًا عَنْهُ، والمَعْطُوفُ في حُكْمِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ وجَبَ أنْ يَكُونا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ أيْضًا، ولَمّا كانَ الكَشْفُ مُسْتَعْقَبَ الدُّعاءِ مُسْتَفادًا عَنْهُ وجَبَ أنْ يَكُونا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ أيْضًا فَجاءَ سُؤالٌ أنَّ قَوارِعَ السّاعَةِ لا تُكْشَفُ، وأمّا في الوَجْهِ الآخَرِ فَلِأنَّ (أغَيْرَ) إلَخْ، لَمّا كانَ كَلامًا مُسْتَقِلًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الشَّرْطانِ لَفْظًا بَلْ جازَ أنْ يُقَدَّرا أوْ هو الظّاهِرُ إنْ ساعَدَ المَعْنى، وأنْ يُقَدَّرَ واحِدٌ مِنهُما حَسْبَ اسْتِدْعاءِ (p-150)المَقامِ وذَلِكَ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بَكَّتَهم بِما كانُوا عَلَيْهِ مِنِ اخْتِصاصِهِمْ إيّاهُ تَعالى بِالدُّعاءِ عِنْدَ الكَرْبِ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿ثُمَّ إذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإلَيْهِ تَجْأرُونَ﴾ فَلا مانِعَ مِن ذِكْرِ أمْرَيْنِ والتَّقْرِيعِ عَلى أحَدِهِما دُونَ الآخَرِ لاسِيَّما عِنْدَ اخْتِصاصِهِ بِالتَّقْرِيعِ انْتَهى، ورُبَّما يُقالُ: إنَّ كَشْفَ القَوارِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ والأُخْرَوِيَّةِ بِدُعاءِ المُؤْمِنِ أوِ المُشْرِكِ بَلْ قَبُولِهِ الدُّعاءَ مُطْلَقًا مَشْرُوطٌ بِالمَشِيئَةِ، وبِذَلِكَ تُقَيِّدُ آيَةُ ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ﴾ لَكِنَّ انْتِفاءَ المَشِيئَةِ مُتَحَقِّقٌ في بَعْضِ الصُّوَرِ كَما في قَبُولِهِ دُعاءَ الكُفّارِ بِكَشْفِ قَوارِعِ السّاعَةِ وما يَلْقَوْنَهُ مِن سُوءِ الجَزاءِ عَلى كُفْرِهِمْ وكَشْفِ بَعْضِ الأهْوالِ عَنْهم كَكَرْبِ طُولِ الوُقُوفِ حِينَ يُشَفَّعُ ﷺ فَيَشْفَعُ في الفَصْلِ بَيْنَ الخَلائِقِ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ مِن بابِ اسْتِجابَةِ دُعائِهِمْ في شَيْءٍ
عَلى أنَّ كَرْبَ طُولِ الوُقُوفِ الَّذِي يُفارِقُونَهُ نَعِيمٌ بِالنِّسْبَةِ إلى ما يُلاقُونَهُ بَعْدُ وإنْ لَمْ يَعْلَمُوا قَبْلُ، فالقَوارِعُ مُحِيطَةٌ بِهِمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ لا تُفارِقُهم أصْلًا، وإنَّما يَنْتَقِلُونَ فِيها مِن شَدِيدٍ إلى أشَدَّ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إثْرَ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: فَإنَّ قَوارِعَ السّاعَةِ لا تُكْشَفُ عَنِ المُشْرِكِينَ الأحْسَنُ عِنْدِي أنَّ هَوْلَ القِيامَةِ يُكْشَفُ أيْضًا كَكَرْبِ المَوْقِفِ إذا طالَ كَما ورَدَ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ العُظْمى، إلّا أنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ لِأنَّ المُعْتَزِلَةَ قائِلُونَ بِنَفْيِ الشَّفاعَةِ، وقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذا مَنِ اتَّبَعَهُ مِن كَلامٍ خالٍ مِنَ التَّحْقِيقِ، والمُعْتَزِلَةُ عَلى ما في مَجْمَعِ البِحارِ لا يَنْفُونَ الشَّفاعَةَ في فَصْلِ القَضاءِ وإنَّما يُنْكِرُونَ الشَّفاعَةَ لِأهْلِ الكَبائِرِ والكُفّارِ في النَّجاةِ مِنَ النّارِ
هَذا واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في جَوابِ الشَّرْطِ الأوَّلِ فَقِيلَ: مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَمَن تَدْعُونَ، وقِيلَ: وعَلَيْهِ أبُو البَقاءِ تَقْدِيرُهُ دَعَوْتُمُ اللَّهَ تَعالى، وقِيلَ: إنَّهُ مَذْكُورٌ وهو أرَأيْتَكُمْ، وقِيلَ -ونُسِبَ لِلرَّضِيِّ- هو الجُمْلَةُ المُتَضَمِّنَةُ لِلِاسْتِفْهامِ بَعْدَهُ وهو كالمُتَعَيِّنِ عَلى بَعْضِ الأقْوالِ ورَدَّهُ الدَّمامِينِيُّ بِأنَّ الجُمْلَةَ كَذَلِكَ لا تَقَعُ جَوابًا لِلشَّرْطِ بِدُونِ فاءٍ
وبَحَثَ في ذَلِكَ الشِّهابُ في حَواشِيهِ عَلى شَرْحِ الكافِيَةِ لِلرَّضِيِّ، وقالَ أبُو حَيّانَ وتَبِعَهُ غَيْرُ واحِدٍ الَّذِي أذْهَبَ إلَيْهِ أنْ يَكُونَ الجَوابُ مَحْذُوفًا لِدَلالَةِ أرَأيْتَكم عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ تَعالى فَأخْبِرُونِي عَنْهُ أتَدْعُونَ غَيْرَ اللَّهِ تَعالى لِكَشْفِهِ كَما تَقُولُ أخْبِرْنِي عَنْ زَيْدٍ إنْ جاءَكَ ما تَصْنَعُ بِهِ، فَإنَّ التَّقْدِيرَ إنْ جاءَكَ فَأخْبِرْنِي فَحُذِفَ الجَوابُ لِدَلالَةِ أخْبِرْنِي عَلَيْهِ. ونَظِيرُ ذَلِكَ أنْتَ ظالِمٌ إنْ فَعَلْتَ، انْتَهى فافْهَمْ ولا تَغْفُلْ.، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ﴾
14
- عَطْفٌ عَلى (تَدْعُونَ) والنِّسْيانُ مَجازٌ عَنِ التَّرْكِ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أيْ: تَتْرُكُونَ ما تُشْرِكُونَ بِهِ تَعالى مِنَ الأصْنامِ تَرْكًا كُلِّيًّا، وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلى حَقِيقَتِهِ فَإنَّهم لِشِدَّةِ الهَوْلِ يَنْسَوْنَ ذَلِكَ حَقِيقَةً ولا يَخْطُرُ لَهم بِبالٍ ولا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أنْ يَنْسى اللَّهَ تَعالى لِأنَّ المُعْتادَ في الشَّدائِدِ أنْ يَلْهَجَ بِذِكْرِهِ تَعالى ويَنْسى ما سِواهُ سُبْحانَهُ، وقَدَّمَ الكَشْفَ مَعَ تَأخُّرِهِ عَنِ النِّسْيانِ كَتَأخُّرِهِ عَنِ الدُّعاءِ لِإظْهارِ كَمالِ العِنايَةِ بِشَأْنِهِ والإيذانِ بِتَرَتُّبِهِ عَلى الدُّعاءِ خاصَّةً
{"ayah":"بَلۡ إِیَّاهُ تَدۡعُونَ فَیَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَیۡهِ إِن شَاۤءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











