الباحث القرآني

﴿وما تَأْتِيهِمْ مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ سِيقَ لِبَيانِ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ تَعالى وإعْراضِهِمْ عَنْها بِالكُلِّيَّةِ بَعْدَ بَيانِ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَعالى وإعْراضِهِمْ عَنْ بَعْضِ آياتِ التَّوْحِيدِ وامْتِرائِهِمْ في البَعْثِ وإعْراضِهِمْ عَنْ بَعْضِ أدِلَّتِهِ. والإعْراضُ عَنْ خِطابِهِمْ لِلْإيذانِ بِأنَّ إعْراضَهُمُ السّابِقَ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغًا اقْتَضى أنْ لا يُوَجَّهُوا بِكَلامٍ بَلْ يُضْرَبُ عَنْهم صَفْحًا وتَعَدُّدُ جِناياتِهِمْ لِغَيْرِهِمْ ذَمًّا لَهم وتَقْبِيحًا لِحالِهِمْ. فَـ (ما) نافِيَةٌ وصِيغَةُ المُضارِعِ لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ كَما أشارَ إلَيْهِ العَلّامَةُ البَيْضاوِيُّ ولِلَّهِ تَعالى دَرُّهُ أوْ لِلدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِمْرارِ التَّجَدُّدِيِّ،و (مِن) الأُولى مَزِيدَةٌ لِلِاسْتِغْراقِ أوْ لِتَأْكِيدِهِ، والثّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ مَجْرُورٍ أوْ مَرْفُوعٍ وقَعَ صِفَةً لِآيَةٍ، وجَعَلَها ابْنُ الحاجِبِ لِلتَّبْيِينِ لِأنَّ كَوْنَها لِلتَّبْعِيضِ يُنافِي كَوْنَ الأوْلى لِلِاسْتِغْراقِ إذِ الآيَةُ المُسْتَغْرِقَةُ لا تَكُونُ بَعْضًا مِنَ الآياتِ. ورُدَّ بِأنَّ الِاسْتِغْراقَ هَهُنا لِآيَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِالإتْيانِ فَهي وإنِ اسْتُغْرِقَتْ بَعْضٌ مِن جَمِيعِ الآياتِ عَلى أنَّ كَلامَهُ بَعْدُ لا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ وإضافَةُ الآياتِ إلى الرَّبِّ المُضافِ إلى ضَمِيرِهِمْ لِتَفْخِيمِ شَأْنِها المُسْتَتْبِعِ لِتَهْوِيلِ ما اجْتَرَءُوا عَلَيْهِ في حَقِّها (p-92)والمُرادُ بِها إمّا الآياتُ التَّنْزِيلِيَّةُ أوِ الآياتُ التَّكْوِينِيَّةُ الشّامِلَةُ لِلْمُعْجِزاتِ وغَيْرِها مِن تَعاجِيبِ المَصْنُوعاتِ والإتْيانِ عَلى الأوَّلِ بِمَعْنى النُّزُولِ، وعَلى الثّانِي بِمَعْنى الظُّهُورِ عَلى ما قِيلَ، ويُفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ أنَّهُ مُطْلَقًا بِمَعْنى الظُّهُورِ اسْتِعْمالًا لَهُ في لازِمِ مَعْناهُ وهو المَجِيءُ الَّذِي لا يُوصَفُ بِهِ إلّا الأجْسامُ مَجازًا لا كِنايَةً كَما قِيلَ وحاصِلُ المَعْنى عَلى الأوَّلِ: ما تَنْزِلُ إلَيْهِمْ آيَةٌ مِنَ الآياتِ القُرْآنِيَّةِ الجَلِيلَةِ الشَّأْنِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها هاتِيكَ الآياتِ النّاطِقَةِ بِما فُصِّلَ مِن بَدائِعِ صُنْعِ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ المُنْبِئَةِ عَنْ جَرَيانِ أحْكامِ أُلُوهِيَّتِهِ عَلى كافَّةِ الكائِناتِ وإحاطَةِ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ أحْوالِ العِبادِ وأعْمالِهِمُ المُوجِبَةِ لِلْإقْبالِ عَلَيْها والإيمانِ بِها ﴿إلا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ 4 - غَيْرَ مُقْبِلِينَ عَلَيْها ولا مُعْتَنِينَ بِها وعَلى الثّانِي ما تَظْهَرُ لَهم آية مِنَ الآياتِ التَّكْوِينِيَّةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما ذُكِرَ مِن جَلائِلِ شُؤُونِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى الشّاهِدَةِ بِوَحْدانِيَّتِهِ عَزَّ وجَلَّ إلّا كانُوا تارِكِينَ لِلنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيها المُؤَدِّي إلى الإيمانِ بِمُكَوِّنِها، وأصْلُ الإعْراضِ صَرْفُ الوَجْهِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ المَحْسُوساتِ، واسْتِعْمالُهُ في عَدَمِ الِاعْتِناءِ أوْ تَرْكِ النَّظَرِ مُجازٌ عَلى ما حَقَّقَهُ البَعْضُ، وفَسَّرَ شَيْخُ الإسْلامِ الإعْراضَ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ بِما كانَ عَلى وجْهِ التَّكْذِيبِ والِاسْتِهْزاءِ و (عَنْ) مُتَعَلِّقَةٌ بِمُعْرِضِينَ. والتَّقْدِيمُ لِرِعايَةِ الفَواصِلِ والجُمْلَةُ بَعْدَ إلّا -كَما قالَ الكَرْخِيُّ- في مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلى أنَّها حالٌ مِن مَفْعُولِ تَأْتِي أوْ مِن فاعِلِهِ المُخَصَّصِ بِالوَصْفِ كَما قِيلَ وهي مُشْتَمِلَةٌ عَلى ضَمِيرِ كُلٍّ مِنهُما. وإيثارُها عَلى أعْرَضُوا عَنْها كَما وقَعَ مَثَلُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِهِمْ عَلى الإعْراضِ حَسْبَ اسْتِمْرارِ إتْيانِ الآياتِ وفِي الكَلامِ إشارَةٌ إلى غايَةِ انْهِماكِهِمْ في الضَّلالِ حَيْثُ آذَنَ أنَّ إعْراضَهم عَمّا يَأْتِيهِمْ مِنَ الآياتِ أنَّ الإتْيانَ كَما يُفْصِحُ عَنْهُ كَلِمَةُ لَمّا في قَوْلِهِ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب