الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ -كَما قالَ الطَّبَرْسِيُّ وغَيْرُهُ- لِبَيانِ كَمالِ قُدْرَتِهِ (p-143)عَزَّ وجَلَّ وحُسْنِ تَدْبِيرِهِ وحِكْمَتِهِ وشُمُولِ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى فَهو كالدَّلِيلِ عَلى أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى الإنْزالِ وإنَّما لا يُنْزِلُ مُحافَظَةً عَلى الحِكَمِ الباهِرَةِ، وقِيلَ: إنَّهُ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى قادِرٌ عَلى البَعْثِ والحَشْرِ، والأوَّلُ أنْسَبُ، وزِيدَتْ (مِن) تَنْصِيصًا عَلى الِاسْتِغْراقِ. والدّابَّةُ ما يَدِبُّ عَلى الأرْضِ مِنَ الحَيَوانِ، وأصْلُهُ مِن دَبَّ يَدِبُّ دَبِيبًا إذا مَشى مَشْيًا فِيهِ تَقارُبُ خَطْوٍ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أوْ مَجْرُورٍ أوْ مَرْفُوعٍ وقَعَ صِفَةً لِدابَّةٍ، ووُصِفَتْ بِذَلِكَ لِزِيادَةِ التَّعْمِيمِ كَأنَّهُ قِيلَ: وما مِن فَرْدٍ مِن أفْرادِ الدَّوابِّ يَسْتَقِرُّ في قُطْرٍ مِن أقْطارِ الأرْضِ وجْهِها أوْ جَوْفِها، وكَذا الوَصْفُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ لِزِيادَةِ التَّعْمِيمِ أيْضًا أيْ ولا فَرْدٍ مِن أفْرادِ الطَّيْرِ يَطِيرُ في ناحِيَةٍ مِن نَواحِي الجَوِّ بِجَناحَيْهِ، وقِيلَ: إنَّهُ لِقَطْعِ مَجازِ السُّرْعَةِ فَقَدِ اسْتُعْمِلَ الطَّيَرانُ في ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: قَوْمٌ إذا الشَّرُّ أبْدى ناجِذَيْهِ لَهم طارُوا إلَيْهِ زَرافاتٍ ووُحْدانا وكَذا اسْتُعْمِلَ الطّائِرُ في العَمَلِ والنَّصِيبِ مَجازًا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ﴾
واحْتِمالُ التَّجَوُّزِ مَعَ ذَلِكَ يَجْعَلُهُ تَرْشِيحًا لِلْمَجازِ بَعِيدٌ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بِدُونِ قَرِينَةٍ، واخْتارَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ أنَّ وجْهَ الوَصْفِ تَصْوِيرُ تِلْكَ الهَيْئَةِ الغَرِيبَةِ الدّالَّةِ عَلى كَمالِ القُوَّةِ والقُدْرَةِ. وأُورِدَ عَلى الوَجْهَيْنِ السّابِقَيْنِ أنَّهُ لَوْ قِيلَ: ولا طائِرَ في السَّماءِ لَكانَ أخْصَرُ وفي إفادَةِ ذَيْنِكَ الأمْرَيْنِ أظْهَرُ مَعَ ما فِيهِ مِن رِعايَةِ المُناسَبَةِ بَيْنَ القَرِينَتَيْنِ بِذِكْرِ جِهَةِ العُلُوِّ في إحْداهِما وجِهَةِ السِّفْلِ في الأُخْرى، ورُدَّ -كَما قالَ الشِّهابُ- بِأنَّهُ لَوْ قِيلَ: في السَّماءِ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ لَمْ يَشْمَلْ أكْثَرَ الطُّيُورِ لِعَدَمِ اسْتِقْرارِها في السَّماءِ، ثُمَّ أنَّ قَصْدَ التَّصْوِيرِ لا يُنافِي قَطْعَ المَجازِ إذْ لا مانِعَ مِن إرادَتِهِما جَمِيعًا كَما لا يَخْفى، ثُمَّ لَمّا كانَ المَقْصُودُ مِن ذِكْرِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ الدَّلالَةَ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ جَلَّ وعَلا بِبَيانِ ما يَعْرِفُونَهُ ويُشاهِدُونَهُ مِن هَذَيْنِ الجِنْسَيْنِ وشُمُولِ قُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ سُبْحانَهُ لَهُما كانَ غَيْرُهُما غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالبَيانِ، فالِاعْتِراضُ بِأنَّ أمْثالَ حِيتانِ البَحْرِ خارِجَةٌ عَنْهُما، والجَوابُ بِأنَّها داخِلَةٌ في القِسْمِ الأوَّلِ لِأنَّ الأرْضَ فِيهِ بِمَعْنى جِهَةِ السِّفْلِ مِمّا لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ (ولا طائِرُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلى مَحَلِّ الجارِّ والمَجْرُورِ كَأنَّهُ قِيلَ: وما دابَّةُ ولا طائِرُ ﴿إلا أُمَمٌ﴾ أيْ طَوائِفَ مُتَخالِفَةً ﴿أمْثالُكُمْ﴾ في أنَّ أحْوالَها مَحْفُوظَةٌ وأُمُورَها مَعْنِيَّةٌ ومَصالِحَها مَرْعِيَّةٌ جارِيَةٌ عَلى سُنَنِ السَّدادِ مُنْتَظِمَةٌ في سِلْكِ التَّقْدِيراتِ الإلَهِيَّةِ والتَّدْبِيراتِ الرَّبّانِيَّةِ، وجَمَعَ الأُمَمَ بِاعْتِبارِ الحَمْلِ عَلى مَعْنى الجَمْعِيَّةِ المُسْتَفادِ مِنَ العُمُومِ كَما اخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ، وهو يَقْتَضِي جَوازَ أنْ يُقالَ: لا رَجُلَ قائِمُونَ، والقِياسُ -كَما قِيلَ- لا يَأْباهُ إلّا أنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلّا مَعَ الفَصْلِ. وصَرَّحَ السَّيِّدُ السَّنَدُ بِأنَّ النَّكِرَةَ هَهُنا مَحْمُولَةٌ عَلى المَجْمُوعِ مِن حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ، ولَعَلَّ مُرادَهُ أنَّ النَّكِرَةَ المَذْكُورَةَ مِن حَيْثُ الإخْبارِ عَنْها مَحْمُولَةٌ عَلى المَجْمُوعِ لا أنَّهُ مُرادٌ مِنها، فَلا يَرِدُ أنَّ الحُكْمَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿إلا أُمَمٌ﴾ يَأْبى أنْ يَكُونَ التَّنْكِيرُ فِيما سَبَقَ عَلى ما أُشِيرَ إلَيْهِ لِلْفَرْدِيَّةِ لِأنَّ الفَرْدَ لَيْسَ بِجَماعَةٍ، وكَذا يَأْبى أنْ يَكُونَ لِلنَّوْعِيَّةِ أيْضًا لِأنَّ الفَرْدَ لَيْسَ بِجَماعاتٍ وهو ظاهِرٌ، وأمّا ما قِيلَ: إنَّ النَّوْعَ يَشْتَمِلُ عَلى أصْنافٍ وكُلُّ صِنْفٍ أُمَّةٌ، أوِ الأُمَّةُ كُلُّ جَماعَةٍ في زَمانٍ فَيَدْفَعُهُ تَوْصِيفُ أُمَمٍ بِـ (أمْثالُكُمْ) إذِ الخِطابُ بِـ (كُمْ) لَإفْرادِ نَوْعِ الإنْسانِ فالمُناسِبُ تَشْبِيهُ النَّوْعِ بِالنَّوْعِ في كَوْنِهِما مَحْفُوظِي الأحْوالِ لا تَشْبِيهَ الصِّنْفِ بِالنَّوْعِ أوْ تَشْبِيهَ جَماعَةٍ في وقْتٍ بِالنَّوْعِ، نَعَمْ قالَ السَّكّاكِيُّ في المِفْتاحِ: إنَّ ذِكْرَ (فِي الأرْضِ) مَعَ دابَّةٍ و(يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) مَعَ طائِرٍ لِبَيانِ أنَّ القَصْدَ مِن لَفْظِ دابَّةٍ ولَفْظِ طائِرٍ إنَّما هو إلى الجِنْسَيْنِ وإلى تَقْرِيرِهِما، وعَلَيْهِ لا إشْكالَ في صِحَّةِ الحَمْلِ لِاشْتِمالِ كُلٍّ مِنَ الجِنْسَيْنِ (p-144)عَلى أنْواعٍ كَثِيرَةٍ كُلٌّ مِنها أُمَّةٌ كالإنْسانِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: ما مِن جِنْسٍ مِن هَذَيْنِ الجِنْسَيْنِ إلّا أُمَمٌ إلَخْ وهَذا كَما يُقالُ: ما مِن رَجُلٍ مِن هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلّا كَذا، ومُرادُهُ أنَّ لَفْظَ دابَّةٍ وطائِرٍ حامِلٌ لِمَعْنى الجِنْسِ والوَحْدَةِ فَلِبَيانِ أنَّ القَصْدَ مِن كُلٍّ مِنهُما إلى الجِنْسِ مِن حَيْثُ هو دُونَ الوَحْدَةِ والكَثْرَةِ ووُصِفَ بِصِفَةٍ لازِمَةٍ لِلْجِنْسِ مِن حَيْثُ هو أيْ بِلا شَرْطِ شَيْءٍ مِنهُما والِاسْتِغْراقُ المُسْتَفادُ مِن كَلِمَةِ (مِن) بِالنَّظَرِ إلى الجِنْسَيْنِ، وبِهَذا يَنْدَفِعُ القَوْلُ بِوُجُوبِ تَأْوِيلِ كَلامِ السَّكّاكِيِّ وإرْجاعِهِ إلى ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في هَذا المَقامِ، وعَلَيْهِ لا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الوَصْفِ مُفِيدًا لِزِيادَةِ التَّعْمِيمِ والإحاطَةِ لِأنَّ الجِنْسَ مِن حَيْثُ هو أيْ لا بِشَرْطِ شَيْءٍ مَفْهُومٍ واحِدٍ كَما لا يَخْفى
واعْتُرِضَ أيْضًا القَوْلُ بِالعُمُومِ بِأنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ مَعَ وُجُوبِ خُرُوجِ المُشَبَّهِ بِهِ عَنْهُ. وأُجِيبَ بِأنَّ القَصْدَ أوَّلًا إلى العامِّ والمُشَبَّهُ بِهِ في حُكْمِ المُسْتَثْنى بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ كَأنَّهُ قِيلَ: ما مِن واحِدٍ مِن أفْرادِ هَذَيْنِ الجِنْسَيْنِ بِعُمُومِهِما سِواكم إلّا أُمَمٌ أمْثالُكُمْ، ولَكَ أنْ تَدَّعِيَ دُخُولَ كُلِّ فَرْدٍ مِن أفْرادِ المُخاطَبِينَ بِالتِزامِ أنَّ لَهُ اعْتِبارَيْنِ اعْتِبارُ أنَّهُ مُشَبَّهٌ واعْتِبارُ أنَّهُ مُشَبَّهٌ بِهِ فَتَأْمَّلْ جَمِيعَ ذَلِكَ ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ التَّفْرِيطُ التَّقْصِيرُ وأصْلُهُ أنْ يَتَعَدّى بِـ (فِي) وقَدْ ضَمِنَ هُنا مَعْنى أغْفَلْنا وتَرَكْنا فَـ (مِن شَيْءٍ) في مَوْضِعِ المَفْعُولِ بِهِ و(مِن) زائِدَةٌ لِلِاسْتِغْراقِ، ويَبْعُدُ جَعْلُها تَبْعِيضِيَّةً أيْ ما فَرَّطْنا في الكِتابِ بَعْضَ شَيْءٍ وإنْ جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، والمُرادُ مِنَ الكِتابِ القُرْآنُ واخْتارَهُ البَلْخِيُّ وجَماعَةٌ فَإنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ جَمِيعَ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ مِن أمْرِ الدِّينِ والدُّنْيا بَلْ وغَيْرِ ذَلِكَ إمّا مُفَصَّلًا وإمّا مُجْمَلًا فَعَنِ الشّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ لَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأحَدٍ في الدِّينِ نازِلَةً إلّا في كِتابِ اللَّهِ تَعالى الهُدى فِيها
ورَوى البُخارِيُّ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: لَعَنَ اللَّهُ تَعالى الواشِماتِ والمُتَوَشِّماتِ والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعالى فَقالَتْ لَهُ امْرَأةٌ في ذَلِكَ: فَقالَ: ما لِي لا ألْعَنُ مَن لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو في كِتابِ اللَّهِ تَعالى فَقالَتْ لَهُ: قَرَأْتُ ما بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَما وجَدْتُ فِيهِ ما تَقُولُ قالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وجَدْتِيهِ أما قَرَأْتِ ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ قالَتْ: بَلى قالَ: فَإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَدْ نَهى عَنْهُ،» وقالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى مَرَّةً بِمَكَّةَ سَلُونِي عَمّا شِئْتُمْ أُخْبِرْكم عَنْهُ مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى فَقِيلَ لَهُ ما تَقُولُ في المُحْرِمِ يَقْتُلُ الزُّنْبُورَ: فَأجابَ بِأنَّهُ يَقْتُلُهُ واسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِنَحْوِ اسْتِدْلالِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: أُنْزِلَ في هَذا القُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ وبُيِّنَ لَنا فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ ولَكِنَّ عِلْمَنا يَقْصُرُ عَمّا بُيِّنَ لَنا في القُرْآنِ، وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في كِتابِ العَظَمَةِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى لَوْ أغْفَلَ شَيْئًا لَأغْفَلَ الذَّرَّةَ والخَرْدَلَةَ والبَعُوضَةَ»، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: لَوْ ضاعَ لِي عِقالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى وقالَ المُرْسِيُّ: جَمَعَ القُرْآنُ عُلُومَ الأوَّلِينَ والآخَرِينَ بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِها عِلْمًا حَقِيقَةً إلّا المُتَكَلِّمُ بِهِ ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَلا ما اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ، وقَدْ سَمِعْتُ مِن بَعْضِهِمْ والعُهْدَةُ عَلَيْهِ أنَّ الشَّيْخَ الأكْبَرَ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ العَرَبِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعالى سِرَّهُ وقَعَ يَوْمًا عَنْ حِمارِهِ فَرَضَّتْ رِجْلُهُ فَجاءُوا لِيَحْمِلُوهُ فَقالَ: أمْهِلُونِي فَأمْهَلُوهُ يَسِيرًا ثُمَّ أذِنَ لَهم فَحَمَلُوهُ فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ فَقالَ: راجَعْتُ كِتابَ اللَّهِ تَعالى فَوَجَدْتُ فِيهِ خَبَرَ هَذِهِ الحادِثَةِ قَدْ ذُكِرَتْ في الفاتِحَةِ، وهَذا أمْرٌ لا تَصِلُهُ عُقُولُنا. ومِثْلُهُ اسْتِخْراجُ بَعْضِهِمْ مِنَ الفاتِحَةِ أيْضًا أسْماءَ سَلاطِينِ ءالِ عُثْمانَ وأحْوالِهِمْ ومُدَّةِ (p-145)سَلْطَنَتِهِمْ إلى ما شاءَ اللَّهُ تَعالى مِنَ الزَّمانِ ولا بِدْعَ فَهي أُمُّ الكِتابِ وتَلِدُ كُلَّ أمْرٍ عَجِيبٍ، وعَلى هَذا لا حاجَةَ إلى القَوْلِ بِتَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِما يُحْتاجُ إلَيْهِ مِن دَلائِلِ التَّوْحِيدِ والتَّكالِيفِ، وقالَ أبُو البَقاءِ: إنَّ شَيْئًا هُنا واقِعٌ مَوْقِعَ المَصْدَرِ أيْ تَفْرِيطًا ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ لِأنَّ فَرَّطْنا لا تَتَعَدّى بِنَفْسِها بَلْ بِحَرْفِ الجَرِّ وقَدْ عُدِّيَتْ بِفي إلى الكِتابِ فَلا تَتَعَدّى بِحَرْفٍ آخَرَ، وتَبِعَهُ في ذَلِكَ غَيْرُ واحِدٍ وجَعَلُوا ما يُفْهَمُ مِنَ القامُوسِ مِن تَعَدِّي هَذا الفِعْلِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ قالَ: فَرَّطَ الشَّيْءَ وفَرَّطَ فِيهِ تَفْرِيطًا ضَيَّعَهُ وقَدَّمَ العَجْزَ فِيهِ وقَصَّرَ مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ في مُقابَلَةِ مَن هو أطْوَلُ باعًا مِنهُ مَعَ أنَّهُ يَحْتَمِلُ أنَّ تَعْدِيَتَهُ المَذْكُورَةَ فِيهِ لَيْسَتْ وضِيعَةً بَلْ مَجازِيَّةً أوْ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ سابِقًا، وعَلى هَذا يَبْقى كَما قالَ أبُو البَقاءِ في الآيَةِ حُجَّةٌ لِمَن ظَنَّ أنَّ الكِتابَ يَحْتَوِي عَلى ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ، والكَلامُ حِينَئِذٍ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا﴾ أيْ ضَيْرًا وأُورِدَ عَلَيْهِ أنَّهُ لَيْسَ كَما ذُكِرَ لِأنَّهُ إذا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلى المَصْدَرِ كانَ مَنفِيًّا عَلى جِهَةِ العُمُومِ ويَلْزَمُهُ نَفْيُ أنْواعِ المَصْدَرِ، وهو يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ جَمِيعِ أفْرادِهِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأنَّهُ يُرِيدُ أنَّ المَعْنى حِينَئِذٍ أنَّ جَمِيعَ أنْواعِ التَّفْرِيطِ مَنفِيَّةٌ عَنِ القُرْآنِ، وهو مِمّا لا شُبْهَةَ فِيهِ ولا يَلْزَمُهُ أنْ يُذْكَرَ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ كَما لَزِمَ عَلى الوَجْهِ الآخَرِ، وأيًّا ما كانَ فالجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها فَإنَّ مِن جُمْلَةِ الأشْياءِ أنَّهُ تَعالى مُراعٍ لِمَصالِحِ جَمِيعِ مَخْلُوقاتِهِ عَلى ما يَنْبَغِي وعَنِ الحَسَنِ وقَتادَةَ أنَّ المُرادَ بِالكِتابِ الكِتابُ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعالى وهو مُشْتَمِلٌ عَلى كُلِّ ما كانَ ويَكُونُ وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، والمُرادُ بِالِاعْتِراضِ حِينَئِذٍ الإشارَةُ إلى أنَّ أحْوالَ الأُمَمِ مُسْتَقْصاةٌ هُناكَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلى هَذا القَدْرِ المُجْمَلِ، وعَنْ أبِي مُسْلِمٍ أنَّ المُرادَ مِنهُ الأجَلُ أيْ ما مِن شَيْءٍ إلّا وقَدْ جَعَلَنا لَهُ أجَلًا هو بالِغُهُ ولا يَخْفى بُعْدُهُ
وقَرَأ عَلْقَمَةُ ما فَرَطْنا بِالتَّخْفِيفِ وهو والمُشَدَّدُ بِمَعْنًى، وقالَ أبُو العَبّاسِ: مَعْنى فَرَطْنا المُخَفَّفِ أخَّرْنا كَما قالُوا فَرَطَ اللَّهُ تَعالى عَنْكَ المَرَضَ أيْ أزالَهُ ﴿ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾
83
- الضَّمِيرُ لِلْأُمَمِ مُطْلَقًا وتَكُونُ صِيغَةُ الجَمْعِ لِلتَّغْلِيبِ أيْ إلى مالِكِ أُمُورِهِمْ لا إلى غَيْرِهِ يُحْشَرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُجازِيهِمْ ويُنْصِفُ بَعْضَهم مِن بَعْضٍ حَتّى أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى يَبْلُغُ مِن عَدْلِهِ أنْ يَأْخُذَ لِلْجَمّاءِ مِنَ القَرْناءِ كَما جاءَ في حَدِيثٍ صَحِيحٍ رَواهُ الشَّيْخانِ
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ حَشْرَ الحَيْواناتِ مَوْتُها ومُرادُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَلى ما قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ مَجْمُوعُهُ مُسْتَعارٌ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لِلْمَوْتِ كَما ورَدَ في الحَدِيثِ: «مَن ماتَ فَقَدْ قامَتْ قِيامَتُهُ» فَلا يُرَدُّ عَلَيْهِ أنَّ الحَشْرَ بَعْثٌ مِن مَكانٍ إلى آخَرَ، وتَعْدِيَتُهُ بِإلى تَنْصِيصٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ المَوْتُ مَعَ أنَّ في المَوْتِ أيْضًا نَقْلًا مِنَ الدُّنْيا إلى الآخِرَةِ، نَعَمْ ما ذَكَرَهُ الجَماعَةُ أوْفَقُ بِمَقامِ تَهْوِيلِ الخَطْبِ وتَفْظِيعِ الحالِ، هَذا وفي رِسالَةِ المَعادِ لِأبِي عَلِيٍّ قالَ المُعْتَرِفُونَ بِالشَّرِيعَةِ مِن أهْلِ التَّناسُخِ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ قالَ ﴿وما مِن دابَّةٍ﴾ إلَخْ وفِيهِ الحُكْمُ بِأنَّ الحَيْواناتِ الغَيْرَ النّاطِقَةِ أمْثالُنا ولَيْسُوا أمْثالَنا بِالفِعْلِ فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهم أمْثالَنا بِالقُوَّةِ لِضَرُورَةِ صِدْقِ هَذا الحُكْمِ وعَدَمِ الواسِطَةِ بَيْنَ الفِعْلِ والقُوَّةِ، وحِينَئِذٍ لا بُدَّ مِنَ القَوْلِ بِحُلُولِ النَّفْسِ الإنْسانِيَّةِ في شَيْءٍ مِن تِلْكَ الحَيْواناتِ وهو التَّناسُخُ المَطْلُوبُ. (p-146)ولا يَخْفى أنَّهُ دَلِيلٌ كاسِدٌ عَلى مَذْهَبٍ فاسِدٍ، ومِنَ النّاسِ مَن جَعَلَها دَلِيلًا عَلى أنَّ لِلْحَيْواناتِ بِأسْرِها نُفُوسًا ناطِقَةً كَما لِأفْرادِ الإنْسانِ وإلَيْهِ ذَهَبَ الصُّوفِيَّةُ وبَعْضُ الحُكَماءِ الإسْلامِيِّينَ. وأوْرَدَ الشَّعْرانِيُّ في الجَواهِرِ والدُّرَرِ لِذَلِكَ أدِلَّةً غَيْرَ ما ذُكِرَ مِنها أنَّهُ ﷺ لَمّا هاجَرَ وتَعَرَّضَ كُلٌّ مِنَ الأنْصارِ لِزِمامِ ناقَتِهِ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «دَعُوها فَإنَّها مَأْمُورَةٌ» ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِذَلِكَ أنَّهُ ﷺ أخْبَرَ أنَّ النّاقَةَ مَأْمُورَةٌ ولا يَعْقِلُ الأمْرَ إلّا مَن لَهُ نَفْسٌ ناطِقَةٌ، وإذا ثَبَتَ أنَّ لِلنّاقَةِ نَفْسًا كَذَلِكَ ثَبَتَ لِلْغَيْرِ إذْ لا قائِلَ بِالفَرْقِ، ومِنها ما يُشاهَدُ في النَّحْلِ وصَنْعَتِها أقْراصَ الشَّمْعِ، والعَناكِبِ واحْتِيالِها لِصَيْدِ الذُّبابِ، والنَّمْلِ وادِّخارِهِ لِقُوتِهِ عَلى وجْهٍ لا يَفْسَدُ مَعَهُ ما ادَّخَرَهُ. وأوْرَدَ بَعْضُهم دَلِيلًا لِذَلِكَ أيْضًا النَّمْلَةَ الَّتِي كَلَّمَتْ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِما قَصَّ اللَّهُ تَعالى لَنا عَنْها مِمّا لا يَهْتَدِي إلى ما فِيهِ إلّا العالِمُونَ؛ وخَوْفُ الشّاةِ مِن ذِئْبٍ لَمْ تُشاهِدْ فِعْلَهُ قَبْلُ فَإنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا عَنِ اسْتِدْلالٍ وهو شَأْنُ ذَوِي النُّفُوسِ النّاطِقَةِ، وعَدَمُ افْتِراسِ الأسَدِ المُعَلَّمِ مَثَلًا صاحَبَهُ فَإنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى اعْتِقادِ النَّفْعِ ومَعْرِفَةِ الحَسَنِ وهو مِن شَأْنِ ذَوِي النُّفُوسِ. وأغْرَبُ مِن هَذا دَعْوى الصُّوفِيَّةِ ونَقَلَهُ الشَّعْرانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ عَلِيٍّ الخَواصِّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعالى سِرَّهُ أنَّ الحَيَواناتِ مُخاطَبَةٌ مُكَلَّفَةٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُ المَحْجُوبُونَ ثُمَّ قالَ: ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وإنْ مِن أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ حَيْثُ ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى الأُمَّةَ والنَّذِيرَ وهم مِن جُمْلَةِ الأُمَمِ
ونُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ كانَ يَقُولُ: جَمِيعُ ما في الأُمَمِ فِينا حَتّى أنَّ فِيهِمُ ابْنَ عَبّاسٍ مِثْلِي. وذَكَرَ في الأجْوِبَةِ المُرْضِيَّةِ أنَّ فِيهِمْ أنْبِياءَ. وفي الجَواهِرِ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ النَّذِيرُ مِن أنْفُسِهِمْ وأنْ يَكُونَ خارِجًا عَنْهم مِن جِنْسِهِمْ. وحَكى شَيْخُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ قالَ: إنَّ تَشْبِيهَ اللَّهِ تَعالى مَن ضَلَّ مِن عِبادِهِ بِالأنْعامِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿إنْ هم إلا كالأنْعامِ﴾ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيها وإنَّما هو لِبَيانِ كَمالِ مَرْتَبَتِها في العِلْمِ بِاللَّهِ تَعالى حَتّى حارَتْ فِيهِ فالتَّشْبِيهُ في الحَقِيقَةِ واقِعٌ في الحَيْرَةِ لا في المُحارِ فِيهِ فَلا أشَدَّ حَيْرَةً مِنَ العُلَماءِ بِاللَّهِ تَعالى فَأعْلى ما يَصِلُ إلَيْهِ العُلَماءُ بِرَبِّهِمْ سُبْحانَهُ وتَعالى هو مُبْتَدَأُ البَهائِمِ الَّذِي لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ أيْ عَنْ أصْلِهِ وإنْ كانَتْ مُنْتَقِلَةً في شُئُونِهِ بِتَنَقُّلِ الشُّؤُونِ الإلَهِيَّةِ لِأنَّها لا تَثْبُتُ عَلى حالٍ. ولِذَلِكَ كانَ مَن وصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مِن هَؤُلاءِ القَوْمِ أضَلَّ سَبِيلًا مِنَ الأنْعامِ لِأنَّهم يُرِيدُونَ الخُرُوجَ مِنَ الحَيْرَةِ مِن طَرِيقِ فِكْرِهِمْ ونَظَرِهِمْ ولا يُمْكِنُ ذَلِكَ لَهم والبَهائِمُ عَلِمَتْ ذَلِكَ ووَقَفَتْ عِنْدَهُ ولَمْ تَطْلُبِ الخُرُوجَ عَنْهُ وذَلِكَ لِشِدَّةِ عِلْمِها بِاللَّهِ تَعالى، اهـ.
ونَقَلَ الشِّهابُ عَنِ ابْنِ المُنِيرِ أنَّ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ البَهائِمَ والهَوامَّ مُكَلِّفَةٌ لَها رُسُلٌ مِن جِنْسِها فَهو مِنَ المَلاحِدَةِ الَّذِينَ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ كالجاحِظِ وغَيْرِهِ وعَلى إكْفارِ القائِلِ بِذَلِكَ نَصٌّ كَثِيرٌ مِنَ الفُقَهاءِ والجَزاءُ الَّذِي يَكُونُ يَوْمَ القِيامَةِ لِلْحَيْواناتِ عِنْدَهم لَيْسَ جَزاءَ تَكْلِيفٍ، عَلى أنَّ بَعْضَهم ذَهَبَ إلى أنَّ الحَيْواناتِ لا تُحْشَرُ يَوْمَ القِيامَةِ وأوَّلُ الظَّواهِرِ الدّالَّةِ عَلى ذَلِكَ. وما نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لا أصْلَ لَهُ
والمِثْلِيَّةُ في الأيَّةِ لا تَدُلُّ عَلى شَيْءٍ مِمّا ذُكِرَ. وأغْرَبُ الغَرِيبِ عِنْدَ أهْلِ الظّاهِرِ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعالى أسْرارَهم جَعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ في الوُجُودِ حَيًّا دَرّاكًا يَفْهَمُ الخِطابَ ويَتَألَّمُ كَما يَتَألَّمُ الحَيْوانُ وما يَزِيدُ الحَيْوانُ عَلى الجَمادِ إلّا بِالشَّهْوَةِ، ويَسْتَنِدُونَ في ذَلِكَ إلى الشُّهُودِ. ورُبَّما يَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وإنْ مِن شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ وبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ والأخْبارِ
والَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ مِنَ العُلَماءِ أنَّ التَّسْبِيحَ حالِيٌّ لا قالِيٌّ، ونَظِيرُ ذَلِكَ
؎شَكى إلَيَّ جَمَلِي طُولَ (p-147)السُّرى
؎وامْتَلَأ الحَوْضُ وقالَ قَطْنِي
وما يَصْدُرُ مِن بَعْضِ الجَماداتِ مِن تَسْبِيحٍ كَتَسْبِيحِ الحَصى في كَفِّهِ الشَّرِيفِ ﷺ مَثَلًا إنَّما هو عَنْ خَلْقِ ادِّراكِ إذْ ذاكَ، وما يُشاهَدُ مِنَ الصَّنائِعِ العَجِيبَةِ لِبَعْضِ الحَيْواناتِ لَيْسَ كَما قالَ الشَّيْخُ الرَّئِيسُ مِمّا يَصْدُرُ عَنِ اسْتِنْباطٍ وقِياسٍ بَلْ عَنْ إلْهامٍ وتَسْخِيرٍ، ولِذَلِكَ لا تَخْتَلِفُ ولا تَتَنَوَّعُ، والنَّقْضُ بِالحَرَكَةِ الفَلَكِيَّةِ لا يَرِدُ بِناءً عَلى قَواعِدِنا، وعَدَمُ افْتِراسِ الأسَدِ المُعَلَّمِ مَثَلًا صاحِبَهُ لَيْسَ عَنِ اعْتِقادٍ بَلْ هُناكَ هَيْئَةٌ أُخْرى نَفْسانِيَّةٌ وهي أنَّ كُلَّ حَيْوانٍ يُحِبُّ بِالطَّبْعِ ما يُلِذُّهُ والشَّخْصُ الَّذِي يُطْعِمُهُ مَحْبُوبٌ عِنْدَهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ مانِعًا مِنِ افْتِراسِهِ، ورُبَّما يَقَعُ هَذا العارِضُ عَنِ إلْهامٍ إلَهِيٍّ مِثْلَ حُبِّ كُلِّ حَيْوانٍ ولَدَهُ. وعَلى هَذا الطَّرْزِ يَخْرُجُ الخَوْفُ مَثَلًا الَّذِي يَعْتَرِي بَعْضَ الحَيْواناتِ
وقَدْ أطالُوا الكَلامَ في هَذا المَقامِ وأنا لا أرى مانِعًا مِنَ القَوْلِ بِأنَّ لِلْحَيْواناتِ نُفُوسًا ناطِقَةً وهي مُتَفاوِتَةُ الِادِّراكِ حَسَبَ تَفاوُتِها في أفْرادِ الإنْسانِ وهي مَعَ ذَلِكَ كَيْفَما كانَتْ لا تَصِلُ في ادِّراكِها وتَصَرُّفِها إلى غايَةٍ يَصِلُها الإنْسانُ والشَّواهِدُ عَلى هَذا كَثِيرَةٌ ولَيْسَ في مُقابَلَتِها قَطْعِيٌّ يَجِبُ تَأْوِيلُها لِأجْلِهِ. وقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ واحِدٍ: إنَّها عارِفَةٌ بِرَبِّها جَلَّ شَأْنُهُ، وأمّا إنَّ لَها رُسُلًا مِن جِنْسِها فَلا أقُولُ بِهِ ولا أُفْتِي بِكُفْرِ مَن قالَ بِهِ. وأمّا أنَّ الجَماداتِ حَيَّةٌ مُدْرِكَةٌ فَأمْرٌ وراءَ طَوْرِ عَقْلِي، واللَّهُ تَعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ وهو العَلِيمُ الخَبِيرُ.
{"ayah":"وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰۤىِٕرࣲ یَطِیرُ بِجَنَاحَیۡهِ إِلَّاۤ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیۡءࣲۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق