الباحث القرآني
﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا إلا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ لِما حَقَّقَ سُبْحانَهُ وتَعالى فِيما سَبَقَ أنَّ وراءَ الحَياةِ الدُّنْيا حَياةً أُخْرى يَلْقَوْنَ فِيها مِنَ الخُطُوبِ ما يَلْقَوْنَ بَيَّنَ - جَلَّ شَأْنُهُ- حالَ تَيْنِكَ الحَياتَيْنِ في أنْفُسِهُما، وجَعَلَهُ بَعْضُهم جَوابًا لِقَوْلِهِمْ: (إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا) وفِيهِ بُعْدٌ، وكَيْفَما كانَ فالمُرادُ وما أعْمالُ الحَياةِ الدُّنْيا المُخْتَصَّةُ بِها إلّا كاللَّعِبِ واللَّهْوِ في عَدَمِ النَّفْعِ والثَّباتِ، وبِهَذا التَّقْدِيرِ خَرَجَ كَما قالَ غَيْرُ واحِدٍ ما فِيها مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ كالعِبادَةِ وما كانَ لِضَرُورَةِ المَعاشِ، والكَلامُ مِنَ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ ولَوْ لَمْ يُقَدَّرْ مُضافٌ، وجُعِلَتِ الدُّنْيا نَفْسُها لَعِبًا ولَهْوًا مُبالَغَةً كَما في قَوْلِهِ:
وإنَّما هي إقْبالٌ وإدْبارٌ
صَحَّ، واللَّهْوُ واللَّعِبُ - عَلى ما في دُرَّةِ التَّنْزِيلِ - يَشْتَرِكانِ في أنَّهُما الِاشْتِغالُ بِما لا يَعْنِي العاقِلَ ويُهِمُّهُ مِن هَوًى وطَرَبٍ سَواءً كانَ حَرامًا أوْ لا، وفُرِّقَ بَيْنَهُما بِأنَّ اللَّعِبَ ما قُصِدَ بِهِ تَعْجِيلُ المَسَرَّةِ والِاسْتِرْواحِ بِهِ، واللَّهْوُ كُلُّ ما شَغَلَ مِن هَوًى وطَرَبٍ وإنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ، وإذا أُطْلِقَ اللَّهْوُ فَهو عَلى ما قِيلَ: اجْتِلابُ المَسَرَّةِ بِالنِّساءِ كَما في قَوْلِهِ:
؎ألا زَعَمَتْ بَسْباسَةُ اليَوْمِ أنَّنِي كَبِرْتُ وأنْ لا يُحْسِنَ اللَّهْوُ أمْثالِي،
وقالَ قَتادَةُ: اللَّهْوُ في لُغَةِ اليَمَنِ المَرْأةُ، وقِيلَ: اللَّعِبُ طَلَبُ المَسَرَّةِ والفَرَحِ بِما لا يَحْسُنُ أنْ يُطْلَبَ بِهِ، واللَّهْوُ صَرْفُ الهَمِّ بِما لا يَصْلُحُ أنْ يُصْرَفَ بِهِ، وقِيلَ: إنَّ كُلَّ شُغْلٍ أقْبَلَ عَلَيْهِ لَزِمَ الإعْراضُ عَنْ كُلِّ ما سِواهُ لِأنَّ مَن لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ هو اللَّهُ تَعالى، فَإذا أقْبَلَ عَلى الباطِلِ لَزِمَ الإعْراضُ عَنِ الحَقِّ فالإقْبالُ عَلى الباطِلِ لَعِبٌ، والإعْراضُ عَنِ الحَقِّ لَهْوٌ، وقِيلَ: العاقِلُ المُشْتَغِلُ بِشَيْءٍ لا بُدَّ لَهُ مِن تَرْجِيحِهِ وتَقْدِيمِهِ عَلى غَيْرِهِ، فَإنْ قَدَّمَهُ مِن غَيْرِ تَرْكٍ لِلْآخَرِ فَلَعِبٌ، وإنْ تَرَكَهُ ونَسِيَهُ بِهِ فَهو لَهُ، وقَدْ بَيَّنَ صاحِبُ الدُّرَّةِ بَعْدَ أنْ سَرَدَ هَذِهِ الأقْوالَ سِرَّ (p-134)تَقْدِيمِ اللَّعِبِ عَلى اللَّهْوِ حَيْثُ جُمِعا كَما هُنا، وتَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَما في العَنْكَبُوتِ بِأنَّهُ لَمّا كانَ هَذا الكَلامُ مَسُوقًا لِلرَّدِّ عَلى الكَفَرَةِ فِيما يَزْعُمُونَهُ مِن إنْكارِ الآخِرَةِ والحَصْرِ السّابِقِ ولَيْسَ في اعْتِقادِهِمْ لِجَهْلِهِمْ إلّا ما عُجِّلَ مِنَ المَسَرَّةِ بِزُخْرُفِ الدُّنْيا الفانِيَةِ قَدَّمَ اللَّعِبَ الدّالَّ عَلى ذَلِكَ وتَمَّمَ بِاللَّهْوِ أوْ لَمّا طَلَبُوا الفَرَحَ بِها وكانَ مَطْمَحَ نَظَرِهِمْ، وصَرْفُ الهَمِّ لازِمٌ وتابِعٌ لَهُ، قُدِّمَ ما قُدِّمَ أوْ لَمّا أقْبَلُوا عَلى الباطِلِ في أكْثَرِ أقْوالِهِمْ وأفْعالِهِمْ قُدِّمَ ما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أوْ لَمّا كانَ التَّقْدِيمُ مُقَدَّمًا عَلى التَّرْكِ والنِّسْيانِ قُدِّمَ اللَّعِبُ عَلى اللَّهْوِ رِعايَةً لِلتَّرْتِيبِ الخارِجِيِّ، وأمّا في العَنْكَبُوتِ فالمَقامُ لِذِكْرِ قَصْرِ مُدَّةِ الحَياةِ الدُّنْيا بِالقِياسِ إلى الآخِرَةِ وتَحْقِيرِها بِالنِّسْبَةِ إلَيْها، ولِذا ذُكِرَ اسْمُ الإشارَةِ المُشْعِرِ بِالتَّحْقِيرِ، وعَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وإنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهي الحَيَوانُ﴾ والِاشْتِغالُ بِاللَّهْوِ مِمّا يَقْصُرُ بِهِ الزَّمانُ وهو أدْخَلُ مِنَ اللَّعِبِ فِيهِ وأيّامِ السُّرُورِ فَصارُوا كَما قالَ: ولَيْلَةُ إحْدى اللَّيالِي الزُّهْرِ لَمْ تَكُ غَيْرَ شَفَقٍ وفَجْرٍ، ويَنْزِلْ عَلى هَذا الوُجُوهُ في الفَرْقِ، وتَفْصِيلُهُ في الدُّرَّةِ قالَهُ مَوْلانا شِهابُ الدِّينِ فَلْيُفْهَمْ، ﴿ولَلدّارُ الآخِرَةُ﴾ الَّتِي هي مَحَلُّ الحَياةِ الأُخْرى ﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الكُفْرَ والمَعاصِيَ لِخُلُوصِ مَنافِعِها عَنِ المَضارِّ والآلامِ وسَلامَةِ لَذّاتِها عَنِ الِانْصِرامِ ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾
23
- ذَلِكَ حَتّى تَتَّقُوا ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ والعِصْيانِ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مَحْذُوفٍ أيْ أتَغْفُلُونَ أوْ ألا تَتَفَكَّرُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ، وكانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ كَما قالَ الطِّيبِيُّ وما الدّارُ الآخِرَةُ إلّا جِدٌّ وحَقٌّ لِمَكانٍ، ﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا إلا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ إلّا أنَّهُ وضَعَ ﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ مَوْضِعَ ذَلِكَ إقامَةً لِلْمُسَبِّبِ مَقامَ السَّبَبِ، وقالَ في الكَشْفِ: إنَّ في ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى أنَّ ما عَدا أعْمالِ المُتَّقِينَ لَعِبٌ ولَهْوٌ لِأنَّهُ لَمّا جَعَلَ الدّارَ الآخِرَةَ في مُقابَلَةِ الحَياةِ الدُّنْيا وحُكِمَ عَلى الأعْمالِ المُقابِلَةِ بِأنَّها لَعِبٌ ولَهْوٌ عُلِمَ تُقابِلُ العَمَلَيْنِ حَسْبَ تَقابُلِ ما أُضِيفا إلَيْهِ أعْنِي الدُّنْيا والآخِرَةَ فَإذا خَصَّ الخَيْرِيَّةَ بِالمُتَّقِينَ لَزِمَ مِنهُ أنَّ ما عَدّا أعْمالِهِمْ لَيْسَ مِن أعْمالِ الآخِرَةِ في شَيْءٍ فَهو لَعِبٌ ولَهْوٌ لا يَعْقُبُ مَنفَعَةً
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ (ولَدارُ الآخِرَةِ) بِالإضافَةِ وهي مِن إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، وقَدْ جَوَّزَها الكُوفِيُّونَ ومَن لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ تَأوَّلَهُ بِتَقْدِيرِ: ولَدارُ النَّشْأةِ الآخِرَةِ أوْ إجْراءِ الصِّفَةِ مَجْرى الِاسْمِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُهُ (يَعْقِلُونَ) بِالياءِ، والضَّمِيرُ لِلْكُفّارِ القائِلِينَ (إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا)، وقِيلَ: لِلْمُتَّقِينَ، والِاسْتِفْهامُ لِلتَّنْبِيهِ والحَثِّ عَلى التَّأمُّلِ
{"ayah":"وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق