الباحث القرآني

﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا﴾ أيْ في قَوْلِهِمْ ﴿ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ وأجابُوا بِأنَّهُ لَيْسَ المُرادُ أنَّهم كَذَبُوا في الآخِرَةِ بَلِ المُرادُ انْظُرُ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أنْفُسِهِمْ في الدُّنْيا، ورُدَّ بِأنَّ الآيَةَ لا تَدُلُّ عَلى هَذا المَعْنى بِوَجْهٍ ولا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ لِأنَّها في شَأْنِ خُسْرِهم وأمْرِهِمْ في الآخِرَةِ لا في الدُّنْيا بَلْ تَنْبُو عَنْهُ أشَدُّ نَبْوٍ لِأنَّ أوَّلَ النَّظْمِ الكَرِيمِ وآخِرَهُ في ذَلِكَ فَتَخَلَّلَ بَيانَ حالِهِمْ في الدُّنْيا تَفْكِيكٌ لَهُ وتَعَسَّفَ جِدًّا، ويُؤَيِّدُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكم ويَحْسَبُونَ أنَّهم عَلى شَيْءٍ ألا إنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ويَحْلِفُونَ عَلى الكَذِبِ وهم يَعْلَمُونَ﴾ حَيْثُ شَبَّهَ كَذِبَهم في الآخِرَةِ بِكَذِبِهِمْ في الدُّنْيا ويُشِيرُ إلى هَذا التَّشْبِيهِ أيْضًا الأمْرُ بِالنَّظَرِ كَما لا يَخْفى عَلى مَن نَظَرَ وذَكَرَ ابْنُ المُنِيرِ أنَّ في الآيَةِ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلى أنَّ الإخْبارَ بِالشَّيْءِ عَلى خِلافِ ما هو بِهِ كَذِبٌ وإنْ لَمْ يَعْلَمِ المُخْبِرُ مُخالَفَةَ خَبَرِهِ لِمُخْبِرِهِ ألا تَراهُ سُبْحانَهُ جَعَلَ إخْبارَهم وتَبَرُّؤَهم كَذِبا مَعَ أنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ أخْبَرَ عَنْهم بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ 42 - أيْ سُلِبُوا عِلْمَهُ حِينَئِذٍ دَهَشًا وحَيْرَةً فَلَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ إطْلاقَ الكَذِبِ عَلَيْهِمْ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِما ذُكِرَ غَيْرُ ظاهِرٍ، والمَرْوِيُّ عَنِ الحَسَنِ أنَّ (ما) مَوْصُولَةٌ، والمُرادُ بِها الأصْنامُ الَّتِي كانُوا يَعْبُدُونَها ويَقُولُونَ فِيها: ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وإيقاعُ الِافْتِراءِ عَلَيْها مَعَ أنَّهُ في الحَقِيقَةِ واقِعٌ عَلى أحْوالِها لِلْمُبالَغَةِ في أمْرِها كَأنَّها نَفْسُ المُفْتَرى أيْ لا زالَتْ وذَهَبَتْ عَنْهم أوْثانُهُمُ الَّتِي يَفْتَرُونَ فِيها ما يَفْتَرُونَ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وقِيلَ: إنَّ (ما) مَصْدَرِيَّةٌ أيْ ضَلَّ افْتِراؤُهم كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ أيْ لَمْ يَنْفَعْهم ذَلِكَ، والجُمْلَةُ قِيلَ: مُسْتَأْنَفَةٌ، وقِيلَ: واخْتارَهُ شَيْخُ الإسْلامِ أنَّها عَطْفٌ عَلى (كَذَبُوا) داخِلٌ مَعَهُ في حُكْمِ التَّعَجُّبِ إذِ الِاسْتِفْهامُ السّابِقُ المُعَلَّقُ لا نَظَرَ لِذَلِكَ، وجَعَلَ المَعْنى عَلى احْتِمالِ المَوْصُولِ والمَصْدَرِيَّةِ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا بِاليَمِينِ الفاجِرَةِ المُغَلَّظَةِ عَلى أنْفُسِهِمْ بِإنْكارِ صُدُورِ ما صَدَرَ عَنْهُمْ، وكَيْفَ ضَلَّ عَنْهم أيْ زالَ وذَهَبَ افْتِراؤُهم أوْ ما كانُوا يَفْتَرُونَهُ مِنَ الإشْراكِ حَتّى نَفَوْا صُدُورَهُ عَنْهم بِالكُلِّيَّةِ وتَبَرَّءُوا بِالمَرَّةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب