الباحث القرآني
﴿ويَوْمَ نَحْشُرُهم جَمِيعًا﴾ مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ بِمُضْمَرٍ يُقَدَّرُ مُؤَخَّرًا، وضَمِيرُ (نَحْشُرُهُمْ) لِلْكُلِّ أوِ لِلْعابِدِينَ لِلْآلِهَةِ الباطِلَةِ مَعَ مَعْبُوداتِهِمْ، و(جَمِيعًا) حالٌ مِنهُ أيْ ويَوْمَ نَحْشُرُ كُلَّ الخَلْقِ أوِ الكُفّارِ وآلِهَتِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لَهم ما نَقُولُ كَيْتَ وكَيْتَ، وتَرَكَ هَذا الفِعْلَ مِنَ الكَلامِ لَيَبْقى عَلى الإبْهامِ الَّذِي هو أدْخَلُ في التَّخْوِيفِ والتَّهْوِيلِ، وقُدِّرَ ماضِيًا لِيَدُلَّ عَلى التَّحْقِيقِ ويَحْسُنُ عَطْفُ ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ إلَخْ عَلَيْهِ، وجُوِّزَ نَصْبُهُ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِمُضْمَرٍ مُقَدَّرٍ أيْ واذْكُرْ لَهم لِلتَّخْوِيفِ والتَّحْذِيرِ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ، واخْتارَهُ أبُو البَقاءِ وقِيلَ: التَّقْدِيرُ لِيَتَّقُوا أوْ لِيَحْذَرُوا يَوْمَ نَحْشُرُهم إلَخْ ثُمَّ نَقُولُ لِلتَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ عَلى رُءُوسِ الأشْهادِ ﴿لِلَّذِينَ أشْرَكُوا﴾ بِاللَّهِ تَعالى ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا: ﴿أيْنَ شُرَكاؤُكُمُ﴾ أيْ آلِهَتِكُمُ الَّتِي جَعَلْتُمُوها شُرَكاءَ لِلَّهِ عَزَّ اسْمُهُ، فالإضافَةُ لِأدْنى مُلابَسَةٍ و (أيْنَ) لِلسُّؤالِ عَنْ غَيْرِ الحاضِرِ، وظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهم وما كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ وغَيْرِهِ مِنَ الآياتِ يَقْتَضِي حُضُورَهم مَعَهم في المَحْشَرِ فَإمّا أنْ يُقالَ: إنَّ هَذا السُّؤالَ حِينَ يُحالُ بَيْنَهم بَعْدَ ما شاهَدُوهم لِيُشاهِدُوا خَيْبَتَهم كَما قِيلَ: كَما أبْرَقَتْ قَوْمًا عِطاشًا غَمامَةٌ فَلَمّا رَأوْها أقْشَعَتْ وتَجَلَّتِ، وإمّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ حالَ مُشاهَدَتِهِمْ لَهم لَكِنَّهم لَمّا لَمْ يَنْفَعُوهم نَزَلُوا مَنزِلَةَ الغَيْبِ كَما تَقُولُ لِمَن جَعَلَ أحَدًا ظَهِيرًا يُعِينُهُ في الشَّدائِدِ إذا لَمْ يُعِنْهُ وقَدْ وقَعَ في ورْطَةٍ بِحَضْرَتِهِ أيْنَ زِيدٌ؟ فَتَجْعَلَهُ لِعَدَمِ نَفْعِهِ وإنْ كانَ حاضِرًا كالغائِبِ، أوِ الكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ أيْنَ نَفْعُهم وجَدْواهم والتَزَمَ بَعْضُهُمُ القَوْلَ بِأنَّهم غَيْبٌ لِظاهِرِ (p-122)السُّؤالِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما نَرى مَعَكم شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿وضَلَّ عَنْكم ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وأُجِيبُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ في مَوْطِنٍ آخَرَ جَمْعًا بَيْنَ الآياتِ أوِ المَعْنى وما نَرى شَفاعَةَ شُفَعائِكُمْ
وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: إنَّ هَذا السُّؤالَ المُنْبِئَ عَنْ غَيْبَةِ الشُّرَكاءِ مَعَ عُمُومِ الحَشْرِ لَها لِلْآياتِ الدّالَّةِ عَلى ذَلِكَ إنَّما يَقَعُ بَعْدَ ما جَرى بَيْنَها وبَيْنَهم مِنَ التَّبَرِّي مِنَ الجانِبَيْنِ وتَقَطُّعِ ما بَيْنَهم مِنَ الأسْبابِ حَسْبَما يَحْكِيهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ﴾ إلَخْ ونَحْوُهُ إمّا لِعَدَمِ حُضُورِها حِينَئِذٍ في الحَقِيقَةِ بِإبْعادِها مِن ذَلِكَ المَوْقِفِ وإمّا بِتَنْزِيلِ عَدَمِ حُضُورِها بِعُنْوانِ الشَّرِكَةِ والشَّفاعَةِ مَنزِلَةَ عَدَمِ حُضُورِها في الحَقِيقَةِ إذْ لَيْسَ السُّؤالُ عَنْها مِن حَيْثُ هي شُرَكاءُ كَما يُعْرِبُ عَنْهُ الوَصْفُ بِالمَوْصُولِ، ولا رَيْبَ في أنَّ عَدَمَ الوَصْفِ يُوجِبُ عَدَمَ المَوْصُوفِ مِن حَيْثُ هو مَوْصُوفٌ فَهي مِن حَيْثُ هي شُرَكاءُ غائِبَةٌ لا مَحالَةَ وإنْ كانَتْ حاضِرَةً مِن حَيْثُ ذَواتِها أصْنامًا كانَتْ أوَّلًا
وأمّا ما يُقالُ مِن أنَّهُ يُحالُ بَيْنَها وبَيْنَهم وقْتَ التَّوْبِيخِ لِيُفْقِدُوهم في السّاعَةِ الَّتِي عَلَّقُوا بِها الرَّجاءَ فَيَرَوْا مَكانَ حُزْنِهِمْ وحَسْرَتِهِمْ، فَرُبَّما يَشْعُرُ بِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِحَقِيقَةِ الحالِ وعَدَمِ انْقِطاعِ حِبالِ رَجائِهِمْ عَنْها بَعْدُ، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّهم شاهَدُوها قَبْلَ ذَلِكَ وانْصَرَمَتْ عُرْوَةُ أطْماعِهِمْ بِالكُلِّيَّةِ عَلى أنَّها مَعْلُومَةٌ لَهم مِن حِينِ المَوْتِ والِابْتِلاءِ بِالعَذابِ في البَرْزَخِ، وإنَّما الَّذِي يَحْصُلُ في الحَشْرِ الِانْكِشافُ الجَلِيُّ واليَقِينُ القَوِيُّ المُتَرَتِّبُ عَلى المُحاضَرَةِ والمُحاوَرَةِ اهـ
وتَعَقَّبَهُ مَوْلانا الشِّهابُ بِأنَّهُ تَخَيُّلٌ لا أصْلَ لَهُ لِأنَّ التَّوْبِيخَ مُرادٌ في الوُجُوهِ كُلِّها ولا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ التَّوْبِيخُ إلّا بَعْدَ تَحَقُّقِ خِلافِهِ مَعَ أنَّ كَوْنَ هَذا واقِعًا بَعْدَ التَّبَرِّي في مَوْقِفٍ آخَرَ لَيْسَ في النَّظْمِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، ومِثْلُهُ لا يُجْزَمُ بِهِ مِن غَيْرِ نَقْلٍ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ هَذا مَوْقِفَ التَّبَرِّي، والإشْعارُ المَذْكُورُ لا يَتَأتّى مَعَ أنَّهُ تَوْبِيخٌ وأمّا العِلاوَةُ الَّتِي زُيِّلَ بِها كَلامُهُ فَوارِدَةٌ عَلَيْهِ أيْضًا مَعَ أنَّها غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ لِأنَّ عَذابَ البَرْزَخِ لا يَقْتَضِي أنْ يَشْفَعَ لَهم بَعْدَ ذَلِكَ فَكَمْ مِن مُعَذَّبٍ في قَبْرِهِ يَشْفَعُ لَهُ اهـ
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ عَذابَهم إنْ كانَ بِسَبَبِ اعْتِقادِهِمُ النَّفْعَ فِيهِمْ ورَجاءِ شَفاعَتِهِمْ أُولَئِكَ المُعَذَّبُونَ لأنَّ عَذابَهم لِذَلِكَ فَقَوْلُهُ: لِأنَّ عَذابَ البَرْزَخِ لا يَقْتَضِي إلَخْ، لَيْسَ في مَحَلِّهِ، وكَذا قَوْلُهُ: فَكَمْ مِن مُعَذَّبٍ في قَبْرِهِ يَشْفَعُ لَهُ، إنْ أرادَ بِهِ فَكَمْ مِن مُعَذَّبٍ لِمَعْصِيَةٍ مِنَ المَعاصِي في قَبْرِهِ يَشْفَعُ لَهُ مَن يَشْفَعُ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لا يُفِيدُ، وإنْ أرادَ فَكَمْ مِن مُعَذَّبٍ في قَبْرِهِ بِسَبَبِ عِبادَةِ شَيْءٍ يَشْفَعُ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَمَنعُهُ ظاهِرٌ كَما لا يَخْفى فَتَدَبَّرْ، وقَرَأ يَعْقُوبُ يَحْشُرُهم ثُمَّ يَقُولُ بِالياءِ فِيهِما والضَّمِيرُ فِيهِما لِلَّهِ تَعالى، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿أيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾
22
- إمّا بِالواسِطَةِ أوْ بِغَيْرِ واسِطَةٍ، والتَّكْلِيمُ المَنفِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى: (ولا يُكَلِّمُهُمْ) إلَخْ تَكْلِيمُ تَشْرِيفٍ ونَفْعٍ لا مُطْلَقًا، فَقَدْ كَلَّمَ إبْلِيسَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ بِما كَلَّمَ، والزَّعْمُ يُسْتَعْمَلُ في الحَقِّ كَما في قَوْلِهِ ﷺ: ”زَعَمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ“، وفي حَدِيثِ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: زَعَمَ رَسُولُكَ، وقَوْلُ سِيبَوَيْهِ في أشْياءَ يَرْتَضِيها: زَعَمَ الخَلِيلُ ويُسْتَعْمَلُ في الباطِلِ والكَذِبِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: كُلُّ زَعْمٍ في القُرْآنِ فَهو بِمَعْنى الكَذِبِ، وكَثِيرًا ما يُسْتَعْمَلُ في الشَّيْءِ الغَرِيبِ الَّذِي تَبْقى عُهْدَتُهُ عَلى قائِلِهِ وهو هُنا مُتَعَدٍّ لِمَفْعُولَيْنِ وحُذِفا لِانْفِهامِهِما مِنَ المَقامِ أيْ تَزْعُمُونَهم شُرَكاءَ
{"ayah":"وَیَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِیعࣰا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشۡرَكُوۤا۟ أَیۡنَ شُرَكَاۤؤُكُمُ ٱلَّذِینَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق