الباحث القرآني
﴿قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً﴾ رَوى الكَلْبِيُّ «أنَّ كُفّارَ مَكَّةَ قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يا مُحَمَّدُ أما وجَدَ اللَّهُ تَعالى رَسُولًا غَيْرَكَ ما نَرى أحَدًا يُصَدِّقُكَ فِيما تَقُولُ ولَقَدْ سَألْنا عَنْكَ اليَهُودَ والنَّصارى فَزَعَمُوا أنَّهُ لَيْسَ لَكَ عِنْدَهم ذِكْرٌ فَأرِنا مَن يَشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَنَزَلَتْ»
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ «جاءَ النَّحّامُ بْنُ زَيْدٍ وقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ وبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ ما تَعْلَمُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا غَيْرَهُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”لا إلَهَ إلّا اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ بُعِثْتُ وإلى ذَلِكَ أدْعُو فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ»“ والأوَّلُ أوْفَقُ بِأوَّلِ الآيَةِ والثّانِي بِآخِرِها
فَـ (أيُّ) مُبْتَدَأٌ و(أكْبَرُ) خَبَرُهُ و(شَهادَةً) تَمْيِيزٌ. والشَّيْءُ في اللُّغَةِ ما يَصِحُّ أنْ يُعْلَمَ ويُخْبَرَ عَنْهُ، فَقَدْ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ في البابِ المُتَرْجَمِ بِبابِ مَجارِي أواخِرِ الكَلِمِ، وإنَّما يَخْرُجُ التَّأْنِيثُ مِنَ التَّذْكِيرِ ألا تَرى أنَّ الشَّيْءَ يَقَعُ عَلى كُلِّ ما أخْبَرَ عَنْهُ مِن قَبْلِ أنْ يَعْلَمَ أذَكَرٌ هو أمْ أُنْثى والشَّيْءُ مُذَكَّرٌ، انْتَهى. وهَلْ يُطْلَقُ عَلى اللَّهِ تَعالى أمْ لا؟ فِيهِ خِلافٌ فَمَذْهَبُ الجُمْهُورِ أنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ فَقالَ: شَيْءٌ لا كالأشْياءِ واسْتَدَلُّوا عَلى ذَلِكَ بِالسُّؤالِ والجَوابِ الواقِعَيْنِ في هَذِهِ الآيَةِ وبِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلا وجْهَهُ﴾ حَيْثُ اسْتَثْنى مِن كُلِّ شَيْءٍ الوَجْهَ وهو بِمَعْنى الذّاتِ عِنْدَهم وبِأنَّهُ أعَمُّ الألْفاظِ فَيَشْمَلُ الواجِبَ والمُمْكِنَ
ونَقَلَ الإمامُ أنَّ جَهْمًا أنْكَرَ صِحَّةَ الِإطْلاقِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى﴾ فَقالَ: لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ إلّا ما يَدُلُّ عَلى صِفَةٍ مِن صِفاتِ الكَمالِ والشَّيْءُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وفي ”المَواقِفِ“ وشَرْحِهِ الشَّيْءُ عِنْدَ الأشاعِرَةِ يُطْلَقُ عَلى المَوْجُودِ فَقَطْ فَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهم مَوْجُودٌ وكُلُّ مَوْجُودٍ شَيْءٌ، ثُمَّ سِيقَ فِيهِما مَذاهِبُ النّاسِ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ: والنِّزاعُ لَفْظِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ الشَّيْءِ وأنَّهُ عَلى ماذا يُطْلَقُ، والحَقُّ ما ساعَدَ عَلَيْهِ اللُّغَةُ والنَّقْلُ إذْ لا مَجالَ لِلْعَقْلِ في إثْباتِ اللُّغاتِ. والظّاهِرُ مَعَنا فَأهْلُ اللُّغَةِ في كُلِّ عَصْرٍ يُطْلِقُونَ لِفَظَّ الشَّيْءِ عَلى المَوْجُودِ حَتّى لَوْ قِيلَ عِنْدَهُمُ المَوْجُودُ شَيْءٌ تُلْقُوهُ بِالقَبُولِ، ولَوْ قِيلَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ تُلَقَّوْهُ بِالإنْكارِ. ونَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ يَنْفِي إطْلاقَهُ بِطَرِيقِ الحَقِيقَةِ عَلى المَعْدُومِ لِأنَّ الحَقِيقَةَ لا يَصِحُّ فِيها، انْتَهى
وفِي شَرْحِ المَقاصِدِ أنَّ البَحْثَ في أنَّ المَعْدُومَ شَيْءٌ حَقِيقَةً أمْ لا لُغَوِيٌّ يُرْجَعُ فِيهِ إلى النَّقْلِ والِاسْتِعْمالِ وقَدْ وقَعَ فِيهِ اخْتِلافاتٌ نَظَرًا إلى الِاسْتِعْمالاتِ، فَعِنْدَنا هو اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ لِما نَجِدُهُ شائِعَ الِاسْتِعْمالِ في هَذا المَعْنى ولا نِزاعَ في اسْتِعْمالِهِ في المَعْدُومِ مَجازًا ثُمَّ قالَ: وما نُقِلَ عَنْ أبِي العَبّاسِ أنَّهُ اسْمٌ لِلْقَدِيمِ. وعَنِ الجَهْمِيَّةِ أنَّهُ اسْمٌ لِلْحادِثِ، وعَنْ هُشامٍ أنَّهُ اسْمٌ لِلْجِسْمِ فَبَعِيدٌ جِدًّا مِن جِهَةِ أنَّهُ لا يَقْبَلُهُ أهْلُ اللُّغَةِ، انْتَهى. وفي ذَلِكَ كُلِّهِ بَحْثٌ فَإنَّ دَعْوى الأشاعِرَةِ التَّساوِي بَيْنَ الشَّيْءِ والمَوْجُودِ لُغَةً أوِ التَّرادُفُ كَما يُفْهَمُ مِمّا تَقَدَّمَ مِنَ الكُلِّيَّتَيْنِ لَيْسَ لَها دَلِيلٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وقَوْلُهُ: إنَّ أهْلَ اللُّغَةِ في كُلِّ عَصْرٍ إلَخْ إنَّما يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ شَيْءٌ، وأمّا أنَّ كُلَّ ما يُطْلَقُ عَلَيْهِ لِفَظُ الشَّيْءِ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً مَوْجُودٌ فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ إذْ لا يَلْزَمُ مِن أنْ يُطْلَقَ عَلى المَوْجُودِ لَفْظُ شَيْءٍ دُونَ لا شَيْءٍ أنْ يَخْتَصَّ الشَّيْءُ لُغَةً بِالمَوْجُودِ لِجَوازِ أنْ يُطْلَقَ الشَّيْءُ عَلى المَعْدُومِ والمَوْجُودِ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً (p-118)مَعَ اخْتِصاصِ المَوْجُودِ بِإطْلاقِ الشَّيْءِ دُونَ اللّاشَيْءِ. وإنْكارُ أهْلُ اللُّغَةِ عَلى مَن يَقُولُ: المَوْجُودُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِكَوْنِهِ سَلْبًا لِلْأعَمِّ عَنِ الأخَصِّ وهو لا يَصِحُّ لِكَوْنِهِما مُتَرادِفَيْنِ أوْ مُتَساوِيَيْنِ. وقَدْ أُطْلِقَ عَلى المَعْدُومِ الخارِجِيِّ كِتابًا وسُنَّةً فَقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ ﴿إلا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ وقالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقَدْ سَألَهُ رَجُلٌ فَقالَ: إنِّي لِأُحَدِّثُ نَفْسِي بِالشَّيْءِ لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهِ لَأُحْبِطَ أجْرِي يَقُولُ: ”لا يَلْقى ذَلِكَ الكَلامَ إلّا مُؤْمِنٌ»“ ونَحْوُهُ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ والأصْلُ في الِإطْلاقِ الحَقِيقَةُ فَلا يُعْدَلُ عَنْها إلّا إذا وُجِدَ صارِفٌ. وشُيُوعُ الِاسْتِعْمالِ لا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ صارِفًا بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْلِ عَنْ سِيبَوَيْهِ ولَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ الشُّيُوعِ أنَّ تَعَلُّقَ الغَرَضِ في المُحاوَراتِ بِأحْوالِ المَوْجُوداتِ أكْثَرُ لا لِاخْتِصاصِ الشَّيْءِ بِالمَوْجُودِ لُغَةً
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ إنَّما يُلْزَمُ مِنهُ نَفْيُ إطْلاقِهِ بِطَرِيقِ الحَقِيقَةِ عَلى المَعْدُومِ وهو يَضُرُّنا لَوْ كانَ المُدَّعى تَخْصِيصَ إطْلاقِ الشَّيْءِ لُغَةً ولَيْسَ كَذَلِكَ. فَإنَّ التَّحْقِيقَ عِنْدَنا أنَّ الشَّيْءَ بِمَعْنى المَشِيءِ العِلْمُ بِهِ والإخْبارُ عَنْهُ، وهو مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ يُصَدِّقُ عَلى المَوْجُودِ والمَعْدُومِ الواجِبِ والمُمْكِنِ وتَخْصِيصُ إطْلاقِهِ بِبَعْضِ أفْرادِهِ عِنْدَ قِيامِ قَرِينَةٍ لا يُنافِي شُمُولَهُ لِجَمِيعِ أفْرادِهِ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً عِنْدَ انْتِفاءِ قَرِينَةٍ مُخَصِّصَةٍ وإلّا لَكانَ شُمُولُهُ المَعْدُومُ والمَوْجُودُ مَعًا في قَوْلِهِ تَعالى: (واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ) جَمْعًا بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ وهي مَسْألَةٌ خِلافِيَّةٌ ولا خِلافَ في الِاسْتِدْلالِ عَلى عُمُومِ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعالى بِالأشْياءِ مُطْلَقًا بِهَذِهِ الآيَةِ فَهو دَلِيلٌ عَلى أنَّ شُمُولَهُ لِلْمَعْدُومِ والمَوْجُودِ مَعًا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وذَكَرَ بَعْضُ الأجِلَّةِ بَعْدَ زَعْمِهِ اخْتِصاصَ الشَّيْءِ بِالمَوْجُودِ أنَّهُ في الأصْلِ مُصْدَرٌ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنى شاءَ أوْ مَشِيءٍ فَإنْ كانَ بِمَعْنى شاءَ صَحَّ إطْلاقُهُ عَلَيْهِ تَعالى وإلّا فَلا
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ عَلى ما ذَكَرْنا مِنَ التَّحْقِيقِ لا مانِعَ مِن إطْلاقِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ تَعالى مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى هَذا التَّفْصِيلِ لِأنَّهُ بِمَعْنى المَشِيءِ العِلْمُ بِهِ والإخْبارُ عَنْهُ فَيَكُونُ إطْلاقُ الشَّيْءِ بِهَذا المَعْنى عَلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ كَإطْلاقِ المَعْلُومِ مَثَلًا، ومَعْنى ﴿أكْبَرُ شَهادَةً﴾ أعْظَمُ وأصْدَقُ ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ أمْرٌ لَهُ ﷺ أنْ يَتَوَلّى الجَوابَ بِنَفْسِهِ بِنَفْسِي هو عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِما مَرَّ قَرِيبًا. والِاسْمُ الجَلِيلُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ أيِ اللَّهُ أكْبَرُ شَهادَةً وجُوِّزَ العَكْسُ
ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ إذا كانَتِ النَّكِرَةُ اسْمَ اسْتِفْهامٍ أوْ أفْعَلَ تَفْضِيلٍ تَقَعُ مُبْتَدَأً يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَعْرِفَةِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿شَهِيدٌ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أيْ هو سُبْحانَهُ شَهِيدٌ ﴿بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ فَهو ابْتِداءُ كَلامٍ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ خَبَرُ (اللَّهُ) والمَجْمُوعُ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ هو الجَوابُ لِدَلالَتِهِ عَلى أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ إذا كانَ هو الشَّهِيدُ بَيْنَهُ وبَيْنَهم فَأكْبَرُ شَيْءٍ شَهادَةً شَهِيدٌ لَهُ، ونُقِلَ في الكَشْفِ أنَّهُ إنْ جُعِلَ تَمامُ الجَوابِ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (اللَّهُ) فَهو لِلتَّسَلُّقِ مِن إثْباتِ التَّوْحِيدِ إلى إثْباتِ النُّبُوَّةِ بِأنَّ هَذا الشّاهِدَ الَّذِي لا أصْدَقَ مِنهُ شَهِدَ لِي بِإيحاءِ هَذا القُرْآنِ. وإنْ جَعَلَ الكَلامَ بِمَجْمُوعِهِ الجَوابَ فَهو مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ لِأنَّ الوَهْمَ لا يَذْهَبُ إلى أنَّ هَذا الشّاهِدَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ غَيْرَهُ تَعالى بَلِ الكَلامُ في أنَّهُ يَشْهَدُ لِنَبُّوتِهِ أوْ لا فَلْيُفْهَمْ ﴿وأُوحِيَ إلَيَّ﴾ مِن قِبَلِهِ تَعالى ﴿هَذا القُرْآنُ﴾ العَظِيمُ الشّاهِدُ بِصِحَّةِ رِسالَتِي ﴿لأُنْذِرَكم بِهِ﴾ بِما فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ. واكْتُفِيَ بِذِكْرِ الإنْذارِ عَنْ ذِكْرِ البِشارَةِ لِأنَّهُ (p-119)المُناسِبُ لِلْمَقامِ، وقِيلَ: إنَّ الكَلامَ مَعَ الكُفّارِ ولَيْسَ فِيهِمْ مَن يُبَشِّرُ. وفي الدُّرِّ المَصُونِ أنَّ الكَلامَ عَلى حَدِّ ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ ﴿ومَن بَلَغَ﴾ عَطْفٌ عَلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ أيْ لِأُنْذِرَكم بِهِ يا أهْلَ مَكَّةَ وسائِرَ مَن بَلَغَهُ القُرْآنُ ووَصَلَ إلَيْهِ مِنَ الأسْوَدِ والأحْمَرِ أوْ مِنَ الثَّقَلَيْنِ أوْ ﴿لأُنْذِرَكم بِهِ﴾ أيُّها المَوْجُودُونَ ومَن سَيُوجَدُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَن بَلَغَهُ القُرْآنُ فَكَأنَّما رَأى مُحَمَّدًا ﷺ
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَن بَلَغَهُ القُرْآنُ فَكَأنَّما شافَهْتُهُ» ”واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ أحْكامَ القُرْآنِ تَعُمُّ المَوْجُودِينَ يَوْمَ نُزُولِهِ ومَن سَيُوجَدُ بَعْدُ إلى أنْ يَرِثَ اللَّهُ تَعالى الأرْضَ ومَن عَلَيْها.
واخْتُلِفَ في ذَلِكَ هو بِطْرِيقِ العِبارَةِ في الكُلِّ أوْ بِالإجْماعِ في غَيْرِ المَوْجُودِينَ وفي غَيْرِ المُكَلَّفِينَ. فَذَهَبَ الحَنابِلَةُ إلى الأوَّلِ والحَنَفِيَّةُ إلى الثّانِي وتَحْقِيقُهُ في الأُصُولِ. وعَلى أنَّ مَن لَمْ يَبْلُغْهُ القُرْآنُ غَيْرَ مُؤاخَذٍ بِتَرْكِ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ، ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ أبُو الشَّيْخِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ“ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأُسارى فَقالَ لَهم: هَلْ دُعِيتُمْ إلى الإسْلامِ؟ فَقالُوا: لا، فَخَلّى سَبِيلَهم ثُمَّ قَرَأ ﴿وأُوحِيَ إلَيَّ﴾ الآيَةُ» وهو مَبْنِيٌّ عَلى القَوْلِ بِالمَفْهُومِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الشّافِعِيَّةُ، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا دَلالَةَ لِلْآيَةِ عَلى ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ لِأنَّ مَفْهُومَها انْتِفاءُ الإنْذارِ بِالقُرْآنِ عَمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وذَلِكَ لَيْسَ عَيْنَ انْتِفاءِ المُؤاخَذَةِ وهو ظاهِرٌ ولا مُسْتَلْزِمًا لَهُ خُصُوصًا عِنْدَ القائِلِينَ بِالحُسْنِ والقُبْحِ إلّا أنْ يُلاحَظَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ وفِيهِ أنَّ عَدَمَ اسْتِلْزامِ انْتِفاءِ الإنْذارِ بِالقُرْآنِ لِانْتِفاءِ المُؤاخَذَةِ مَمْنُوعٌ، والحُسْنُ والقُبْحُ العَقْلِيّانِ قَدْ طُوِيَ بِساطُ رَدِّهِما، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ (مَن) عَطْفًا عَلى الفاعِلِ المُسْتَتِرِ في ﴿أُنْذِرُكُمْ﴾ لِلْفَصْلِ بِالمَفْعُولِ أيْ لِأُنْذِرَكم أنا بِالقُرْآنِ ويُنْذِرَكم بِهِ مَن بَلَغَهُ القُرْآنُ أيْضًا، ورَوى الطَّبَرْسِيُّ ما يَقْتَضِيهِ عَنِ العَيّاشِيِّ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ وأبِي عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ولا يَخْفى أنَّهُ خِلافُ المُنْساقِ إلى الذِّهْنِ
﴿أإنَّكم لَتَشْهَدُونَ أنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ أوْ مُنْدَرِجَةٌ في القَوْلِ. والِاسْتِفْهامُ لِلتَّقْرِيرِ أوْ لِلْإنْكارِ، وقِيلَ: لَهُما، وفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ المَعانِي المَجازِيَّةِ (وأُخْرى) صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وصِفَةُ جَمْعِ ما لا يَعْقِلُ -كَما قالَ أبُو حَيّانَ- كَصِفَةِ الواحِدَةِ المُؤَنَّثَةِ نَحْوَ ﴿مَآرِبُ أُخْرى﴾ (ولِلَّهِ تَعالى الأسْماءُ الحُسْنى) . ولَمّا كانَتِ الآلِهَةُ حِجارَةً وخَشَبًا مَثَلًا أُجْرِيَتْ هَذا المَجْرى تَحْقِيرًا لَها قُلْ لَهم لا أشْهَدُ بِذَلِكَ وإنْ شَهِدْتُمْ بِهِ فَإنَّهُ باطِلٌ صِرْفٌ
﴿قُلْ﴾ تَكْرِيرٌ لِلْأمْرِ لِلتَّأْكِيدِ، ﴿إنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ﴾ أيْ بَلْ إنَّما أشْهَدُ أنَّهُ تَعالى لا إلَهَ إلّا هو و(ما) كافَّةٌ
وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ وزَعَمَ أنَّهُ الألْيَقُ بِما قَبْلَهُ كَوْنُها مَوْصُولَةً، ويُبْعِدُهُ كَوْنُها مَوْصُولَةً وعَلَيْهِ يَكُونُ (واحِدٌ) خَبَرًا وهو خِلافُ الظّاهِرِ ﴿وإنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾
91
- مِنَ الأصْنامِ أوْ مِن إشْراكِكم.
{"ayah":"قُلۡ أَیُّ شَیۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَـٰدَةࣰۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِیدُۢ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ وَأُوحِیَ إِلَیَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَىِٕنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّاۤ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱ وَإِنَّنِی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق