الباحث القرآني

﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ أحْوالِ أهْلِ الكِتابَيْنِ إثْرَ بَيانِ حالِ المُشْرِكِينَ بِناءً عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في اليَهُودِ والنَّصارى أيْ بَدَّدُوا دَيْنَهم وبَعَّضُوهُ فَتَمَسَّكَ بِكُلِّ بَعْضٍ مِنهُ فِرْقَةٌ مِنهم وقَرَأ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( فارَقُوا ) بِالألِفِ أيْ بايَنُوا فَإنَّ تَرْكَ بَعْضِهِ وإنْ كانَ بِأْخْذِ بَعْضٍ آخَرَ مِنهُ تَرْكُ الكُلِّ أوْ مُفارَقَةٌ لَهُ ﴿وكانُوا شِيَعًا﴾ أيْ فِرَقًا تُشَيِّعُ كُلُّ فِرْقَةٍ إمامًا وتَتْبَعُهُ أوْ تُقَوِّيهِ وتُظْهِرُ أمْرَهُ أخْرَجَ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ حِبّانَ وصَحَّحَهُ الحاكِمُ عَنِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «افْتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلى إحْدى وسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهم في الهاوِيَةِ إلّا واحِدَةً وافْتَرَقَتِ النَّصارى عَلى ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهم في الهاوِيَةِ إلّا واحِدَةً وسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلى ثَلاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهم في الهاوِيَةِ إلّا واحِدَةً» واسْتِثْناءُ الواحِدَةِ مِن فِرَقِ كُلٍّ مِن أهْلِ الكِتابَيْنِ إنَّما هو بِالنَّظَرِ إلى العَصْرِ الماضِي قَبْلَ النَّسْخِ وأمّا بَعْدَهُ فالكُلُّ في الهاوِيَةِ وإنِ اخْتَلَفَتْ أسْبابُ دُخُولِهِمْ ومِن غَرِيبِ ما وقَعَ أنَّ بَعْضَ مُتَعَصِّبِي الشِّيعَةِ الأمامِيَّةِ مِن أهْلِ زَمانِنا واسْمُهُ حَمَدٌ رَوى بَدَلَ إلّا واحِدَةً في هَذا الخَبَرِ إلّا فِرْقَةً وقالَ: إنَّ فِيهِ إشارَةً إلى نَجاةِ الشِّيعَةِ فَإنَّ عَدَدَ لَفْظِ فِرْقَةٍ بِالجُمَلِ وعَدَدَ لَفْظِ شِيعَةٍ سَواءٌ فَكَأنَّهُ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: إلّا الشِّيعَةَ والمَشْهُورُ بِهَذا العُنْوانِ هُمُ الشِّيعَةُ الإمامِيَّةُ فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ عِدَّةِ تَزْيِيفاتٍ لِكَلامِهِ: يَلْزَمُ هَذا النَّوْعُ مِنَ الإشارَةِ أنْ تَكُونَ كَلْبًا لِأنَّ عَدَدَ كَلْبٍ وعَدَدَ حَمَدٍ سَواءٌ فَأُلْقِمَ الكَلْبُ حَجَرًا. ﴿لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ﴾ أيْ مِنَ السُّؤالِ عَنْهم والبَحْثِ عَنْ تَفَرُّقِهِمْ أوْ مِن عِقابِهِمْ أوْ أنْتَ بَرِيءٌ مِنهم وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا وعْدًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالعِصْمَةِ عَنْهم أيْ لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ مِنَ الضَّرَرِ وعَنِ السُّدِّيِّ أنَّهُ نُهِيَ عَنِ التَّعَرُّضِ لِقِتالِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ بِما في سُورَةِ بَراءَةٌ و( مِنهم ) في مَوْضِعِ الحالِ لِأنَّهُ صِفَةٌ نَكِرَةٌ قُدِّمَتْ عَلَيْها ﴿إنَّما أمْرُهم إلى اللَّهِ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ المَذْكُورِ أيْ هو يَتَوَلّى وحْدَهُ أمْرَ أُولاهم وآخِرَتِهِمْ ويُدَبِّرُهُ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ وقِيلَ: المُفَرِّقُونَ أهْلُ البِدَعِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ فَقَدْ أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ والشِّيرازِيُّ في الألْقابِ وابْنُ مَرْدُوَيْهَ عَنِ أبِي هُرَيْرَةَ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا﴾ .. إلَخْ. هم أهْلُ البِدَعِ والأهْواءِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ» . وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ وغَيْرُهم عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها يا عائِشُ إنَّ الَّذِينَ فارَقُوا دِينَهم وكانُوا شِيَعًا هم أصْحابُ البِدَعِ وأصْحابُ الأهْواءِ وأصْحابُ الضَّلالَةِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ لَيْسَ لَهم تَوْبَةٌ وأنا مِنهم بَرِيءٌ وهم مُنِّيَ بُرَآءُ» فَيَكُونُ الكَلامُ اسْتِئْنافًا لِبَيانِ حالِ المُبْتَدِعِينَ إثْرَ بَيانِ حالِ المُشْرِكِينَ إشارَةً إلى أنَّهم لَيْسُوا مِنهم بِبَعِيدٍ ولَعَلَّ جُمْلَةَ ﴿إنَّما أمْرُهُمْ﴾ .. إلَخْ. عَلى هَذا لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ وإنَّما هي لِلْوَعِيدِ عَلى ما فَعَلُوا أيْ أنَّ رُجُوعَهُمُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ﴾ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (159) في الدُّنْيا عَلى الِاسْتِمْرارِ بِالعِقابِ عَلَيْهِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب