الباحث القرآني

﴿قُلْ﴾ عَلى المَعْنى إذْ هو في مَعْنى قُلْ إنِّي قِيلَ لِي كُنْ أوَّلَ مُسْلِمٍ ولا تَكُونَنَّ فالواوُ مِنَ المَحْكِيِّ، وقِيلَ إنَّهُ عُطِفَ عَلى (قُلْ) (p-111)عَلى مَعْنى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أُمِرَ بِأنْ يَقُولَ كَذا ونُهِيَ عَنْ كَذا، وتُعُقِّبَ بِأنَّ سَلاسَةَ النُّظُمِ تَأْبى عَنْ فَصْلِ الخِطاباتِ التَّبْلِيغِيَّةِ بَعْضِها عَنْ بَعْضٍ بِخِطابٍ لَيْسَ مِنها، وجُوِّزَ أنْ يَعْطِفَهُ عَلى (إنِّي أُمِرْتُ) داخِلًا في حَيِّزِ (قُلْ) والخِطابُ لِكُلٍّ مِنَ المُشْرِكِينَ، ولا يَخْفى تَكَلُّفُهُ وتَعَسُّفُهُ، وعَدَمُ صِحَّةِ عَطْفٍ عَلى (أكُونَ) ظاهِرٌ إذْ لا وجْهَ لِلِالتِفاتِ ولا مَعْنى لِأنْ يُقالَ أُمِرْتَ أنْ لا تَكُونَنَّ: ﴿قُلْ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ أيْ بِمُخالَفَةِ أمْرِهِ ونَهْيِهِ أيَّ عِصْيانٍ كانَ فَيَدْخُلُ فِيهِ ما ذُكِرَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ 51 - أيْ عَذابُ يَوْمِ القِيامَةِ. وعِظَمُهُ لِعِظَمِ ما يَقَعُ فِيهِ مَفْعُولُ (أخافُ) والشَّرْطِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُما وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا. وما تَقَدَّمَ عَلى الأداةِ شَبِيهٌ بِهِ فَهو دَلِيلٌ عَلَيْهِ ولَيْسَ إيّاهُ عَلى الأصَحِّ خِلافًا لِلْكُوفِيِّينَ والمُبَرِّدِ، والتَّقْدِيرُ إنْ عَصَيْتُ أخَفْ أوْ أخافُ عَذابَ إلَخْ، وقِيلَ: صِرْتُ مُسْتَحِقًّا لِعَذابِ ذَلِكَ اليَوْمِ. وفي الكَلامِ مُبالَغَةٌ أُخْرى بِالنَّظَرِ إلى ما يُفْهَمُ مِمّا تَقَدَّمَ في قَطْعِ أطْماعِهِمْ وتَعْرِيضٌ بِأنَّهم عُصاةٌ مُسْتَحِقُّونَ لِلْعَذابِ حَيْثُ أُسْنِدَ إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ ما هو مَعْلُومُ الِانْتِفاءِ. وقُرِنَ بَأنِ الَّتِي تُفِيدُ الشَّكَّ وجِيءَ بِالماضِي إبْرازًا لَهُ في صُورَةِ الحاصِلِ عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ. ويُؤَوَّلُ المَعْنى في الآخِرَةِ إلى تَخْوِيفِهِمْ عَلى صُدُورِ ذَلِكَ الفِعْلِ مِنهم فَلَيْسَ في الكَلامِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَخافُ عَلى نَفْسِهِ المُقَدَّسَةِ الكُفْرَ والمَعْصِيَةَ مَعَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِعِصْمَتِهِ ﷺ. وأوْرَدَ بَعْضُهم دَلالَةَ الآيَةِ عَلى ما ذُكِرَ بَحْثًا ثُمَّ قالَ، وأُجِيبَ عَنْهُ بِأنَّ الخَوْفَ تَعَلَّقَ بِالعِصْيانِ المُمْتَنِعِ الوُقُوعِ امْتِناعًا عادِيًّا فَلا تَدُلُّ إلّا عَلى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَخافُ لَوْ صَدَرَ عَنْهُ وحاشاهُ الكُفْرَ والمَعْصِيَةَ وهَذا لا يَدُلُّ عَلى حُصُولِ الخَوْفِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ فِيما قَدَّمْنا غِنًى عَنْ ذَلِكَ. ويُفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِهِمْ أنَّ خَوَّفَ المَعْصُومِ مِنَ المَعْصِيَةِ لا يُنافِي العِصْمَةَ لِعِلْمِهِ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى فَعّالٌ لِما يُرِيدُ وأنَّهُ لا يُجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وفي بَعْضِ الآثارِ أنَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ قالَ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا مُوسى لا تَأْمَن مَكْرِي حَتّى تَجُوزَ الصِّراطَ وجاءَ في غَيْرِ ما خَبَرٍ أنَّهُ ﷺ إذا عَصَفَتِ الرِّيحُ يَصْفَرُّ وجْهُهُ الشَّرِيفُ ويَقُولُ أخافُ أنْ تَقُومَ السّاعَةُ مَعَ أنَّ اللَّهَ تَعالى أخْبَرَهُ أنَّ بَيْنَ يَدَيْها ظُهُورَ المَهْدِيِّ، وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ، وخُرُوجَ الدَّجّالِ، وطُلُوعَ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأماراتِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ إذْ ذاكَ ولَمْ تُحَقَّقْ بَعْدُ. وصَحَّ أنَّهُ ﷺ اعْتَذَرَ عَنْ عَدَمِ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِصَلاةِ التَّراوِيحِ بَعْدَ أنْ صَلّاها أوَّلَ رَمَضانَ وتَكاثَرَ النّاسُ رَغْبَةً فِيها بِقَوْلِهِ «خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْكم» مَعَ أنَّ ما كانَ لَيْلَةَ الإسْراءِ إذْ فُرِضَتِ الصَّلَواتُ يُشْعِرُ بِأنَّهُ تَعالى لا يَفْرِضُ زِيادَةً عَنِ الخَمْسِ، وكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ لِلَّهِ تَعالى أنْ يَفْعَلَ ما شاءَ وقُصارى ما يَلْزَمُ في أمْثالِ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَ تَغَيُّرُ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ وهو لا يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ الصِّفَةِ لِيَلْزَمَ الحُدُوثُ وقِيامُ الحَوادِثِ بِهِ تَعالى شَأْنُهُ، وهَذا بِحْثٌ طَوِيلُ الذَّيْلِ ولَعَلَّ النَّوْبَةَ تُفْضِي إلى تَحْقِيقِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب