الباحث القرآني
﴿قُلْ﴾ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ تَوْبِيخِهِمْ بِما سَبَقَ ﴿أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ إنْكارًا لِاتِّخاذِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى ولِيًّا لا لِاتِّخاذِ الوَلِيِّ مُطْلَقًا، ولِذا قَدَّمَ المَفْعُولَ الأوَّلَ وأوْلى الهَمْزَةَ، ونَحْوُهُ ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ﴾ والمُرادُ بِالوَلِيِّ هُنا المَعْبُودُ لِأنَّهُ رَدٌّ لِمَن دَعاهُ ﷺ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ أهْلَ مَكَّةَ قالُوا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا مُحَمَّدُ تَرَكْتَ مِلَّةَ قَوْمِكَ وقَدْ عَلِمْنا أنَّهُ لا يَحْمِلُكَ عَلى ذَلِكَ إلّا الفَقْرُ فارْجِعْ فَإنّا نَجْمَعُ لَكَ مِن أمْوالِنا حَتّى تَكُونَ مِن أغْنانا فَنَزَلَتْ، واعْتُرِضَ بِأنَّ المُشْرِكَ لَمْ يَخُصَّ عِبادَتَهُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى فالرَّدُّ عَلَيْهِ إنَّما يَكُونُ لَوْ قِيلَ: أأتَّخِذُ غَيْرَ اللَّهِ ولِيًّا؟، وأُجِيبُ بِأنَّ مَن أشْرَكَ بِاللَّهِ تَعالى غَيْرَهُ لَمْ يَتَّخِذِ اللَّهَ تَعالى مَعْبُودًا لِأنَّهُ لا يَجْتَمِعُ عِبادَتُهُ سُبْحانَهُ مَعَ عِبادَةِ غَيْرِهِ كَما قِيلَ:
؎إذا صافى صَدِيقُكَ مَن تُعادِي فَقَدْ عاداكَ وانْقَطَعَ الكَلامُ،
وقِيلَ: الوَلِيُّ بِمَعْنى النّاصِرِ كَما هو أحَدُ مَعانِيهِ المَشْهُورَةِ، ويُعْلَمُ مِن إنْكارِ اتِّخاذِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى ناصِرًا أنَّهُ لا يَتَّخِذُهُ مَعْبُودًا مِن بابِ الأوْلى، ويَحْتَمِلُ الكَلامُ عَلى ما قِيلَ أنْ يَكُونَ مِنَ الإخْراجِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ قَصْدًا إلى إمْحاضِ النُّصْحِ لِيَكُونَ أعْوَنَ عَلى القَبُولِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما لِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ مُبْدِعُها كَما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما (p-110)وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ الأنْبارِيِّ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: كُنْتُ لا أدْرِي ما فاطِرُ السَّمَواتِ والأرْضِ حَتّى أتانِي أعْرابِيّانِ يَخْتَصِمانِ في بِئْرٍ فَقالَ أحَدُهُما: أنا فَطَرْتُها يَقُولُ: أنا ابْتَدَأْتُها، وهو نَعْتٌ لِلْجَلالَةِ مُؤَكِّدٌ لِلْإنْكارِ، وصَحَّ وُقُوعُهُ نَعْتًا لِلْمَعْرِفَةِ لِأنَّهُ بِمَعْنى الماضِي سَواءً كانَ كَلامًا مِنَ اللَّهِ تَعالى ابْتِداءً أوْ مَحْكِيًّا عَنِ الرَّسُولِ ﷺ إذِ المُعْتَبَرُ زَمانُ الحُكْمِ لا زَمانَ التَّكَلُّمِ ويَدُلُّ عَلى إرادَةِ المُضِيِّ أنَّهُ قَرَأ الزَّهْرِيُّ فَطَرَ، ولا يَضُرُّ الفَصْلُ بَيْنَهُما بِالجُمْلَةِ لِأنَّها لَيْسَتْ بِأجْنَبِيَّةٍ إذْ هي عامِلَةٌ في عامِلِ المَوْصُوفِ، وقِيلَ: بَدَلٌ مِنَ الِاسْمِ الجَلِيلِ ورَجَّحَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّ الفَصْلَ فِيهِ أسْهَلُ، وقُرِئَ بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ عَلى المَدْحِ أيْ هو فاطِرٌ أوْ أمْدَحُ فاطِرًا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ النَّصْبُ عَلى البَدَلِيَّةِ مِن (ولِيًّا) لا الوَصْفِيَّةِ لِأنَّهُ مَعْرِفَةٌ، نَعَمْ يَجُوزُ عَلى قِراءَةِ الزُّهْرِيِّ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ وصْفِيَّةً لَهُ
﴿وهُوَ يُطْعِمُ ولا يُطْعِمُ﴾ أيْ يَرْزُقُ ولا يُرْزَقُ كَما أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنِ السُّدِّيِّ، فالمُرادُ مِنَ المَطْعَمِ الرِّزْقُ بِمَعْناهُ اللُّغَوِيِّ وهو كُلُّ ما يُنْتَفَعُ بِهِ بِدَلِيلِ وُقُوعِهِ مُقابِلًا لَهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما أُرِيدُ مِنهم مِن رِزْقٍ وما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ﴾ وعُبِّرَ بِالخاصِّ عَنِ العامِّ مَجازًا لِأنَّهُ أعْظَمُهُ وأكْثَرُهُ لِشِدَّةِ الحاجَّةِ إلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ اكْتُفِيَ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِهِ لِأنَّهُ يُعْلَمُ مِن ذَلِكَ نَفْيُ ما سِواهُ فَهو حَقِيقَةٌ، والجُمْلَةُ مَحَلُّ نَصْبٍ عَلى الحالِيَّةِ وعَنْ أبِي عَمْرٍو والأعْمَشِ وعِكْرِمَةَ أنَّهم قَرَءُوا: ولا يَطْعَمُ بِفَتْحِ الياءِ والعَيْنِ أيْ ولا يَأْكُلُ والضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعالى، ومِثْلُهُ قِراءَةُ عَبْلَةَ بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ العَيْنِ، وقَرَأ يَعْقُوبُ بِعَكْسِ القِراءَةِ الأُولى أعْنِي بِناءَ الأوَّلِ لِلْمَفْعُولِ والثّانِي لِلْفاعِلِ، والضَّمِيرُ حِينَئِذٍ في الفِعْلَيْنِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى أيْ أتَّخِذُ مَن هو مَرْزُوقٌ غَيْرَ رازِقٍ ولِيًّا، والكَلامُ وإنْ كانَ مِن عَبَدَةِ الأصْنامِ إلّا أنَّهُ نَظَرٌ إلى عُمُومِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى وتَغْلِيبِ أوْلى العُقُولِ كَعِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأنَّ فِيهِ إنْكارَ أنْ يَصْلُحَ الأصْنامُ لِلْأُلُوهِيَّةِ مِن طَرِيقِ الأوْلى، وقَدْ يُقالُ: الكَلامُ كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا غَيْرَ خالِقٍ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهم يَخْلُقُونَ﴾ ويُحْمَلُ الفِعْلُ عَلى مَعْنى النَّفْعِ لا يَرُدُّ شَيْءٌ رَأْسًا، وقَرَأ الأشْهَبُ (وهُوَ يُطْعِمُ ولا يَطْعَمُ) بِبِنائِهِما لِلْفاعِلِ، ووُجِّهَتْ إمّا بِأنَّ أفْعَلَ بِمَعْنى اسْتَفْعَلَ كَما ذَكَرَهُ الأزْهَرِيُّ أيْ وهو يُطْعِمُ ولا يَسْتَطْعِمُ أيْ لا يَطْلُبُ طَعامًا ويَأْخُذُهُ مِن غَيْرِهِ أوْ بِأنَّ المَعْنى يُطْعِمُ تارَةً ولا يَطْعِمُ أُخْرى، كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿يَقْبِضُ ويَبْسُطُ﴾ والضَّمِيرانِ لِلَّهِ تَعالى، ورُجُوعُ الضَّمِيرِ الثّانِي لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى تَكَلُّفٌ يَحْتاجُ إلى التَّقْدِيرِ، ﴿قُلْ﴾ بَعْدَ بَيانِ أنَّ اتِّخاذَ غَيْرِهِ تَعالى ولِيًّا مِمّا يَقْضِي بِبُطْلانِهِ بَدِيهَةُ العُقُولِ ﴿إنِّي أُمِرْتُ﴾ مِن جَنابِ ولِيِّ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿أنْ أكُونَ أوَّلَ مَن أسْلَمَ﴾ وجْهَهُ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مُخْلِصًا لَهُ لِأنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَأْمُورٌ بِما شَرَعَهُ إلّا ما كانَ مِن خَصائِصِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو إمامُ أُمَّتِهِ ومُقْتَداهم ويَنْبَغِي لِكُلِّ آمِرٍ أنْ يَكُونَ هو العامِلَ أوَّلًا بِما أمَرَ بِهِ لِيَكُونَ أدْعى لِلِامْتِثالِ، ومِن ذَلِكَ كَما حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾
وقِيلَ: إنَّ ما ذُكِرَ لِلتَّحْرِيضِ كَما يَأْمُرُ المَلِكُ رَعِيَّتَهُ بِأمْرٍ ثُمَّ يَقُولُ وأنا أوَّلُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَحْمِلَهم عَلى الِامْتِثالِ وإلّا فَلَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ ﷺ امْتِناعٌ عَنْ ذَلِكَ حَتّى يُؤْمَرَ بِهِ، وفِيهِ نَظَرٌ ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾
41
- أيْ في أمْرٍ مِن أُمُورِ الدِّينِ، وفي الكَلامِ قَوْلٌ مُقَدَّرٌ أيْ وقِيلَ لِي لا تَكُونَنَّ، قالُوا و(مِن) لِلْحِكايَةِ عاطِفَةٌ لِلْقَوْلِ المُقَدَّرِ عَلى أُمِرْتُ، وحاصِلُ المَعْنى إنِّي أُمِرْتُ بِالإسْلامِ ونُهِيتُ عَنِ الشِّرْكِ، وقِيلَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى مَقُولِ.
{"ayah":"قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیࣰّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق