الباحث القرآني
﴿وإذا جاءَتْهم آيَةٌ﴾ رُجُوعٌ إلى بَيانِ حالِ مُجْرِمِي أهْلِ مَكَّةَ بَعْدَ ما بَيَّنَ بِطْرِيقِ التَّسْلِيَةِ حالَ غَيْرِهِمْ فَإنَّ العَظِيمَةَ المَنقُولَةَ إنَّما صَدَرَتْ عَنْهم لا عَنْ سائِرِ المُجْرِمِينَ أيْ وإذا جاءَتْهم آيَةٌ بِواسِطَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
﴿قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ قالَ شَيْخُ الإسْلامِ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما حَتّى يُوحى إلَيْنا ويَأْتِيَنا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيُخْبِرَنا أنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ صادِقٌ كَما قالُوا ﴿أوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلا﴾ وعَنِ الحَسَنِ البَصَرِيِّ مِثْلُهُ وهَذا كَما تَرى صَرِيحٌ في أنَّ ماعُلِّقَ بِإيتاءِ ما أُوتِيَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ هو إيمانُهم بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وبِما أُنْزِلَ إلَيْهِ إيمانًا حَقِيقِيًّا كَما هو المُتَبادَرُ مِنهُ عِنْدَ الإطْلاقِ خَلا أنَّهُ يَسْتَدْعِي أنْ يُحْمَلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ عَلى مُطْلَقِ الوَحْيِ ومُخاطَبَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ في الجُمْلَةِ وأنْ يُصْرَفَ الرِّسالَةُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ عَنْ ظاهِرِها وتُحْمَلَ عَلى رِسالَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالوَجْهِ المَذْكُورِ ويُرادُ بِجَعْلِها تَبْلِيغُها إلى المُرْسَلِ إلَيْهِ لا وضْعُها في مَوْضِعِها الَّذِي هو الرَّسُولُ لِيَتَأتّى كَوْنُهُ جَوابًا عَنِ اقْتِراحِهِمْ ورَدًّا لَهُ بِأنَّ كَوْنَ مَعْنى الِاقْتِراحِ لَنْ نُؤْمِنَ بِكَوْنِ تِلْكَ الآيَةِ نازِلَةً مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى إلى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَتّى يَأْتِيَنا جِبْرِيلُ بِالذّاتِ عَيانًا كَما يَأْتِي الرُّسُلَ فَيُخْبِرُنا بِذَلِكَ ومَعْنى الرَّدِّ اللَّهُ أعْلَمُ بِمَن يَلِيقُ بِإرْسالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلَيْهِ لِأمْرٍ مِنَ الأُمُورِ إيذانًا بِأنَّهم بِمَعْزِلٍ مِنَ اسْتِحْقاقِ ذَلِكَ التَّشْرِيفِ وفِيهِ مِنَ التَّمَحُّلِ ما لا يَخْفى.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ لا تَمَحُّلَ في حَمْلِ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ عَلى مُطْلَقِ الوَحْيِ بَلْ في العُدُولِ عَنْ قَوْلٍ لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نَجْعَلَ رُسُلًا مَثَلًا إلى ما في النَّظْمِ الكَرِيمِ نَوْعَ تَأْيِيدٍ لِهَذا الحَمْلِ نَعَمْ صَرْفُ الرِّسالَةِ عَنْ ظاهِرِها وحَمْلُ الجَعْلِ عَلى التَّبْلِيغِ لا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ ولَعَلَّ الأمْرَ فِيهِ سَهْلٌ ويُفْهَمُ مِن كَلامِ البَعْضِ أنَّ مُطْلَقَ الوَحْيِ ومُخاطَبَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ في الجُمْلَةِ وإنْ لَمْ يَسْتَدْعِ تِلْكَ الرِّسالَةَ إلّا أنَّهُ قَرِيبٌ مِن مَنصِبِها فَيَصْلُحُ ما ذَكَرَ جَوابًا بِدُونِ حاجَةٍ إلى الصَّرْفِ والحَمْلِ المَذْكُورَيْنِ وفِيهِ ما فِيهِ وقالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في أبِي جَهْلٍ حِينَ قالَ: زاحَمَنا بَنِي مَنافٍ في الشَّرَفِ حَتّى إذا صِرْنا كَفَرَسَيْ رِهانٍ قالُوا: مِنّا نَبِيٌّ يُوحى إلَيْهِ واللَّهِ لا نَرْضى بِهِ ولا نَتَّبِعُهُ أبَدًا حَتّى يَأْتِيَنا وحْيٌ (p-21)كَما يَأْتِيهِ وقالَ الضَّحّاكُ: سَألَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ القَوْمِ أنْ يُخَصَّ بِالرِّسالَةِ والوَحْيِ كَما أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُؤْتى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ قالَ الشَّيْخُ: ولا يَخْفى أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن هَذَيْنَ القَوْلَيْنِ وإنْ كانَ مُناسِبًا لِلرَّدِّ المَذْكُورِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أنْ يُرادَ بِالإيمانِ المُعَلَّقِ بِإيتاءِ مِثْلِ ما أُوتِيَ الرُّسُلُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِهِمْ بِرِسالَتِهِ ﷺ في الجُمْلَةِ مِن غَيْرِ شُمُولٍ لِكافَّةِ النّاسِ وأنْ يَكُونَ كَلِمَةُ حَتّى في قَوْلِ اللَّعِينِ حَتّى يَأْتِيَنا وحْيٌ كَما يَأْتِيهِ .. إلَخْ. غايَةً لِعَدَمِ الرِّضى لا لِعَدَمِ الِاتِّباعِ فَإنَّهُ مُقَرَّرٌ عَلى تَقْدِيرَيْ إتْيانِ الوَحْيِ وعَدَمِهِ فالمَعْنى لَنْ نُؤْمِنَ بِرِسالَتِهِ أصْلًا حَتّى نُؤْتى نَحْنُ النُّبُوَّةَ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ أوْ إيتاءً مِثْلَ إيتاءِ رُسُلِ اللَّهِ ولا يَخْفى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ في كَلامِ اللَّعِينِ غايَةٌ أيْضًا عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ مُجَرَّدُ المُوافَقَةِ وفِعْلِ مِثْلِ ما يَفْعَلُهُ ﷺ مِن تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعالى وتَرْكِ عِبادَةِ الأصْنامِ لا قَفْوُ الأثَرِ بِالِائْتِمارِ عَلى أنَّ اللَّعِينَ إنَّما طَلَبَ إتْيانَ وحْيٍ كَما يَأْتِي النَّبِيَّ ﷺ ولَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا في طَلَبِ الِاسْتِقْلالِ المُنافِي لِلِاتِّباعِ.
ولَعَلَّ مُرادَهُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ المُشارَكَةُ في الشَّرَفِ بِحَيْثُ لا يَنْحَطُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالكُلِّيَّةِ ويُمْكِنُ أنْ يَدَّعِيَ أيْضًا أنَّ هَؤُلاءِ الكَفَرَةَ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنهم أبا جَهْلٍ بِما يَقْتَضِيهِ مَنصِبُ الرِّسالَةِ لا يَأْبَوْنَ كَوْنَ الرَّسُولَيْنِ يَجُوزُ أنْ يُبْعَثَ أحَدُهُما إلى الآخَرِ ويَلْزَمُ أحْدُهُما امْتِثالُ أمْرِ الآخَرِ واتِّباعُهُ وإنْكانَ مُشارِكًا لَهُ في أصْلِ الرِّسالَةِ فَلْيُفْهَمْ وقِيلَ: إنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: لَوْ كانَتِ النُّبُوَّةُ حَقًّا لَكُنْتُ أوْلى بِها مِنكَ لِأنِّي أكْبَرُ مِنكَ سِنًّا وأكْثَرُ مالًا ووَلَدًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ قَدَّسَ سِرَّهُ أنَّهُ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِكَلامِهِمُ المَرْدُودِ إلّا أنْ يُرادَ بِالإيمانِ المُعَلَّقِ بِما ذُكِرَ مُجَرَّدُ الإيمانِ بِكَوْنِ الآيَةِ النّازِلَةِ وحْيًا صادِقًا لا الإيمانَ بِكَوْنِها نازِلَةً إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَيَكُونُ المَعْنى وإذا جاءَتْهم آيَةٌ نازِلَةٌ إلى الرَّسُولِ قالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ بِنُزُولِها مِن عِنْدِ اللَّهِ حَتّى يَكُونَ نُزُولُها إلَيْنا لا إلَيْهِ لِأنّا نَحْنُ المُسْتَحِقُّونَ دُونَهُ فَإنَّ مُلَخَّصَ مَعْنى قَوْلِهِ: لَوْ كانَتِ النُّبُوَّةُ حَقًّا .. إلَخْ. لَوْ كانَ ماتَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ حَقًّا لَكُنْتُ أنا النَّبِيُّ لا أنْتَ وإذا لَمْ يَكُنِ الأمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِحَقٍّ ومَآلُهُ تَعْلِيقُ الإيمانِ بِحَقِّيَّةِ النُّبُوَّةِ بِكَوْنِ نَفْسِهِ نَبِيًّا.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ إطْلاقَ النُّبُوَّةِ وقَوْلَهم ﴿رُسُلُ اللَّهِ﴾ لَيْسَ بَيْنَهُما كَمالُ المُلاءَمَةِ بِحَسَبِ الظّاهِرِ كَما لا يَخْفى فالحَقُّ سُقُوطُ هَذا القَوْلِ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبارِ وإنَّ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنَيْ جُرَيْجٍ لِما في تَطْبِيقِهِ عَلى ما في الآيَةِ مِن مَزِيدِ العِنايَةِ.
و﴿مِثْلَ ما أُوتِيَ﴾ نُصِبَ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وما مَصْدَرِيَّةٌ أيْ حَتّى نُؤْتاهاإيتاءً مِثْلَ إيتاءِ رُسُلِ اللَّهِ وإضافَةُ الإيتاءِ إلَيْهِمْ مُنْكِرُونَ لِإيتائِه ِعَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وحَيْثُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أيْ يَعْلَمُ وقَدْ خَرَجَتْ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ بِناءً عَلى القَوْلِ بِتَصَرُّفِها ولا عِبْرَةَ بِمَن أنْكَرَهُ والجُمْلَةُ بَعْدَها كَما نَصَّ عَلَيْهِ أبُو عَلِيٍّ في كِتابِ الشِّعْرِ صِفَةٌ لَها وإضافَتُها إلى ما بَعْدَها حَيْثُ اسْتُعْمِلَتْ ظَرْفًا وقالَ الرَّضِيُّ: الأوْلى أنَّ حَيْثُ مُضافَةٌ ولا مانِعَ مِن إضافَتِها وهي اسْمٌ إلى الجُمْلَةِ وبُحِثَ فِيهِ ولا يَجُوزُ فِيها هُنا عِنْدَ الكَثِيرِ أنْ تَكُونَ مَجْرُورَةً بِالإضافَةِ لِأنَّ أفْعَلَ بَعْضُ ما يُضافُ إلَيْهِ ولا مَنصُوبَةً بِأفْعَلَ نَصْبَ الظَّرْفِ لِأنَّ عِلْمَهُ تَعالى غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالظَّرْفِ ومِمَّنْ نَصَّ عَلى ذَلِكَ ابْنُ الصّائِغِ وجَوَّزَ بَعْضُهُمُ الثّانِيَ ورَدَّ ما عُلِّلَ بِهِ المَنعُ مِنهُ بَأنْ يَجُوزَ جَعْلُ تَقْيِيدِ عِلْمِهِ تَعالى بِالظَّرْفِ مَجازِيًّا بِاعْتِبارِ ما تَعَلَّقَ بِهِ بَلْ ذَلِكَ أوْلى مِن إخْراجِ حَيْثُ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ فَإنَّهُ إمّا نادِرٌ أوْ مُمْتَنِعٌ.
وجُمْلَةُ ﴿اللَّهُ أعْلَمُ﴾ .. إلَخْ. اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ والمَعْنى أنَّ مَنصِبَ الرِّسالَةِ لَيْسَ مِمّا يُنالُ بِما يَزْعُمُونَهُ مِن كَثْرَةِ المالِ وتَعاضُدِ الأسْبابِ والعَدَدِ وإنَّما يُنالُ بِفَضائِلَ نَفْسانِيَّةٍ ونَفْسٍ قُدْسِيَّةٍ أفاضَها اللَّهُ تَعالى بِمَحْضِ الكَرَمِ والجُودِ عَلى مَن (p-22)كَمُلَ اسْتِعْدادُهُ ونَصَّ بَعْضُهم عَلى أنَّهُ تابِعٌ لِلِاسْتِعْدادِ الذّاتِيِّ وهو لا يَسْتَلْزِمُ الإيجابَ الَّذِي يَقُولُهُ الفَلاسِفَةُ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ إنْ شاءَ أعْطى ذَلِكَ وإنْ شاءَ أمْسَكَ وإنِ اسْتَعَدَّ المَحَلُّ وما في المَواقِفِ مِن أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ في الإرْسالِ الِاسْتِعْدادُ الذّاتِيُّ بَلِ اللَّهُ تَعالى يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ مَحْمُولٌ عَلى الِاسْتِعْدادِ الذّاتِيِّ المُوجِبِ فَقَدْ جَرَتْ عادَةُ اللَّهِ تَعالى أنْ يَبْعَثَ مِن كُلِّ قَوْمٍ أشْرَفَهم وأطْهَرَهم جِبِلَّةً وتَمامُ البَحْثِ في مَوْضِعِهِ.
وقَرَأ أكْثَرُ السَّبْعَةِ ( رِسالاتِهِ ) بِالجَمْعِ وعَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ يُسَنُّ الوَقْفُ عَلى رُسُلِ اللَّهِ وأنَّهُ يُسْتَجابُ الدُّعاءُ بَيْنَ الآيَتَيْنِ ولَمْ أرَ في ذَلِكَ ما يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أجْرَمُوا﴾ اسْتِئْنافٌ آخَرُ ناعٍ عَلَيْهِمْ ما سَيَلْقَوْنَهُ مِن فُنُونِ الشَّرِّ بَعْدَ ما نَعى عَلَيْهِمْ حِرْمانَهم مِمّا أمَلُوهُ والسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ ووُضِعَ المَوْصُولُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّشْنِيعِ وقِيلَ: إشْعارًا بِعَلِيَّةِ مَضْمُونِ الصِّلَةِ أيْ يُصِيبُهُمُ البَتَّةَ مَكانَ ما تَمَنَّوْهُ وعَلَّقُوا بِهِ أطْماعَهُمُ الفارِغَةَ مِن عِزِّ النُّبُوَّةِ وشَرَفِ الرِّسالَةِ ﴿صَغارٌ﴾ أيْ ذُلٌّ عَظِيمٌ وهَوانٌ بَعْدَ كِبْرِهِمْ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ يَوْمَ القِيامَةِ.
وقِيلَ: مِن عِنْدِ اللَّهِ وعَلَيْهِ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ كَما قالَ الفَرّاءُ واعْتَرَضَهُ بِأنَّهُ لا يَجُوزُ في العَرَبِيَّةِ أنْ تَقُولَ جِئْتُ عِنْدَ زَيْدٍ وأنْتَ تُرِيدُ مِن عِنْدِ زَيْدٍ وقِيلَ: المُرادُ أنَّ ذَلِكَ في ضَمانِهِ سُبْحانَهُ أوْ ذَخِيرَةٌ لَهم عِنْدَهُ وهو جارٍ مَجْرى التَّهَكُّمِ كَما لا يَخْفى ﴿وعَذابٌ شَدِيدٌ﴾ في الآخِرَةِ أوْ في الدُّنْيا ﴿بِما كانُوا يَمْكُرُونَ﴾ (124) أيْ بِسَبَبِ مَكْرِهِمُ المُسْتَمِرِّ أوْ بِمُقابَلَتِهِ وحَيْثُ كانَ هَذا مِن أعْظَمِ مَوادِّ إجْرامِهِمْ صَرَّحَ بِسَبَبِهِ ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهُ﴾ أيْ يُعَرِّفَهُ طَرِيقَ الحَقِّ ويُوَفِّقَهُ لِلْإيمانِ وقالَتِ المُعْتَزِلَةُ المُرادُ بِهَدْيِهِ إلى الثَّوابِ أوْ إلى الجَنَّةِ أوْ يُثِيبُهُ عَلى الهُدى أوْ يَزِيدُهُ ذَلِكَ ﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ﴾ فَيَتَّسِعُ لَهُ ويَنْفَسِحُ وهو مَجازٌ أوْ كِنايَةٌ عَنْ جَعْلِ النَّفْسِ مُهَيَّأةً لِحُلُولِ الحَقِّ فِيها مَصَفّاةً عَمّا يَمْنَعُهُ ويُنافِيهِ كَما أشارَ إلَيْهِ ﷺ حِينَ «قِيلَ لَهُ: كَيْفَ الشَّرْحُ يا رَسُولَ اللَّهِ فَقالَ: نُورٌ يُقْذَفُ في الصَّدْرِ فَيَنْشَرِحُ لَهُ ويَنْفَسِحُ فَقِيلَ: هَلْ لِذَلِكَ مِن آيَةٍ يُعْرَفُ بِها يا رَسُولَ اللَّهِ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الإنابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ والتَّجافِي عَنْ دارِ الغُرُورِ والِاسْتِعْدادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ لِقاءِ المَوْتِ».
﴿ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ﴾ أيْ يَخْلُقُ فِيهِ الضَّلالَةَ لِسُوءِ اخْتِيارِهِ وقِيلَ: المُرادُ يُضِلُّهُ عَنِ الثَّوابِ أوْ عَنِ الجَنَّةِ أوْ عَنْ زِيادَةِ الإيمانِ أوْ يَخْذُلُهُ ويُخَلِّي بَيْنَهُ وبَيْنَ ما يُرِيدُهُ ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ بِحَيْثُ يَنْبُو عَنْ قَبُولِ الحَقِّ فَلا يَكادُ يَكُونُ فِيهِ لِلْخَيْرِ مَنفَذٌ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ضِيقًا بِالتَّخْفِيفِ ونافِعٌ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ( حَرِجًا ) بِكَسْرِ الرّاءِ أيْ شَدِيدُ الضِّيقِ والباقُونَ بِفَتْحِها وصْفًا بِالمَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ وأصْلُ مَعْنى الحَرَجِ كَما قالَ الرّاغِبُ مُجْتَمَعُ الشَّيْءِ ومِنهُ قِيلَ لِلضِّيقِ حَرَجٌ وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: أصْلُ مَعْناهُ شِدَّةُ الضِّيقِ فَإنَّ الحَرَجَةَ غَيْضَةٌ أشْجارُها مُلْتَفَّةٌ بِحَيْثُ يَصْعُبُ دُخُولُها.
وأخْرَجَ ابْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قَرَأ ( حَرَجًا ) بِفَتْحِ الرّاءِ وقَرَأ بَعْضُ ما عِنْدَهُ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿حَرَجًا﴾ بِكَسْرِها فَقالَ عُمَرُ: أبْغُونِي رَجُلًا مِن كِنانَةَ واجْعَلُوهُ راعِيًا ولْيَكُنْ مُدْلِجِيًّا فَأتَوْهُ بِهِ فَقالَ لَهُ عُمَرُ: يا فَتى ما الحَرَجَةُ فِيكم قالَ: الحَرَجَةُ فِينا الشَّجَرَةُ تَكُونُ بَيْنَ الأشْجارِ الَّتِي لا تَصِلُ إلَيْها راعِيَةٌ ولا وحْشِيَّةٌ ولا شَيْءَ فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: كَذَلِكَ قَلْبُ المُنافِقِ لا يَصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الخَيْرِ ﴿كَأنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ﴾ اسْتِئْنافٌ أوْ حالٌ مِن ضَمِيرِ الوَصْفِ أوْ وصْفٌ آخَرُ والمُرادُ المُبالَغَةُ في ضِيقِ صَدْرِهِ حَيْثُ شُبِّهَ بِمَن يُزاوِلُ ما لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإنَّ صُعُودَ السَّماءِ مَثَلٌ فِيما هو خارِجٌ عَنْ دائِرَةِ (p-23)الِاسْتِطاعَةِ وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ الإيمانَ يَمْتَنِعُ مِنهُ كَما يَمْتَنِعُ مِنهُ الصُّعُودُ والِامْتِناعُ في ذَلِكَ عادِيٌّ وعَنِ الزَّجّاجِ مَعْناهُ كَأنَّما يَتَصاعَدُ إلى السَّماءِ نَبْوًا عَنِ الحَقِّ وتَباعُدًا في الهَرَبِ مِنهُ وأصْلُ يَصَّعَّدُ يَتَصَعَّدُ وقَدْ قُرِئَ بِهِ فَأُدْغِمَتِ التّاءُ في الصّادِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ( يَصْعَدُ ) وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ( يَصّاعَدُ ) وأصْلُهُ أيْضًا يَتَصاعَدُ فَفُعِلَ بِهِ ما تَقَدَّمَ.
﴿كَذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الجَعْلِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ عَلى ما مَرَّ تَحْقِيقُهُ أوْ إشارَةٌ إلى الجَعْلِ السّابِقِ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الجَعْلِ أيْ جَعْلُ الصَّدْرِ حَرَجًا عَلى الوَجْهِ المَذْكُورِ ﴿يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ﴾ أيِ العَذابَ أوِ الخِذْلانَ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: الرِّجْسُ ما لا خَيْرَ فِيهِ وقالَ الرّاغِبُ: الرِّجْسُ الشَّيْءُ القَذِرُ وقالَ الزَّجّاجُ: هو اللَّعْنَةُ في الدُّنْيا والعَذابُ في الآخِرَةِ وأصْلُهُ عَلى ما قِيلَ مِنَ الِارْتِجاسِ وهو الِاضْطِرابُ ﴿عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (125) أيْ عَلَيْهِمْ ووُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ المُضْمِرِ لِلتَّعْلِيلِ ﴿وهَذا﴾ أيْ ما جاءَ بِهِ القُرْآنُ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أوِ الإسْلامُ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أوْ ما سَبَقَ مِنَ التَّوْفِيقِ والخِذْلانِ كَما قِيلَ ﴿صِراطُ رَبِّكَ﴾ أيْ طَرِيقُهُ الَّذِي ارْتَضاهُ أوْ عادَتُهُ وطَرِيقَتُهُ الَّتِي اقْتَضَتْها حِكْمَتُهُ ولا يَخْفى ما في التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِ مِنَ اللُّطْفِ ﴿مُسْتَقِيمًا﴾ لا اعْوِجاجَ فِيهِ ولا زَيْغَ أوْ عادِلًا مُطَّرِدًا وهو إمّا حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِصاحِبِها وعامِلُها مَحْذُوفٌ وُجُوبًا مِثْلَ هَذا أبُوكَ عَطُوفًا أوْ مُؤَسِّسَةٌ والعامِلُ فِيها مَعْنى الإشارَةِ أوْ ها الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ ﴿قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ﴾ بَيَّنّاها مُفَصَّلَةً ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ (126) أيْ يَتَذَكَّرُونَ ما في تَضاعِيفِها فَيَعْلَمُونَ أنَّ كُلَّ الحَوادِثِ بِقَضائِهِ سُبْحانَهُ وقَدَرِهِ وأنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ حَكِيمٌ عادِلٌ في جَمِيعِ أفْعالِهِ وتَخْصِيصُ هَؤُلاءِ القَوْمِ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُمُ المُنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ ﴿لَهُمْ﴾ أيْ لِهَؤُلاءِ القَوْمِ ﴿دارُ السَّلامِ﴾ أيِ الجَنَّةُ كَما قالَ قَتادَةُ والسَّلامُ هو اللَّهُ تَعالى كَما قالَ الحَسَنُ وابْنُ زَيْدٍ والسُّدِّيُّ وإضافَةُ الدّارِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ لِلتَّشْرِيفِ وقالَ الزَّجّاجُ والجُبّائِيُّ: ( السَّلامُ ) بِمَعْنى السَّلامَةِ أيْ دارُ السَّلامَةِ مِنَ الآفاتِ والبَلايا وسائِرِ المَكارِهِ الَّتِي يَتَلَقّاها أهْلُ النّارِ وقِيلَ هو بِمَعْنى التَّسْلِيمِ أيْ دارٌ تَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أيْ في ضَمانِهِ وتَكَفُّلِهِ التَّفَضُّلِيِّ أوْ ذَخِيرَةٌ لَهم عِنْدَهُ لا يَعْلَمُ كُنْهَ ذَلِكَ غَيْرُهُ والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ وقِيلَ صِفَةٌ لِقَوْمٍ ﴿وهُوَ ولِيُّهُمْ﴾ أيْ مُحِبُّهم أوْ ناصِرُهم ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (127) أيْ بِسَبَبِ أعْمالِهِمُ الصّالِحَةِ أوْ مُتَوَلِّيهِمْ بِجَزائِها بِأنْ يَتَوَلّى إيصالَ الثَّوابِ إلَيْهِمْ.
* * *
هَذا ومِن بابِ الإشارَةِ في الآياتِ ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ لِتَفاوُتِ مَراتِبِ أرْواحِهِمْ في الصَّفاءِ والكُدُورَةِ والنُّورِ والظُّلْمَةِ والقُرْبِ والبُعْدِ ومِن هُنا قِيلَ والجاهِلُونَ لِأهْلِ العِلْمِ أعْداءٌ وكُلَّما اشْتَدَّ التَّفاوُتُ اشْتَدَّتِ العَداوَةُ وزادَ الإيذاءُ النّاشِئُ مِنها ولِهَذا ورَدَ في بَعْضِ الآثارِ ما أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ ما أُوذِيتُ وتُسَبِّبُ هَذِهِ العَداوَةُ مَزِيدَ التَّوَجُّهِ إلى الحَقِّ جَلَّ شَأْنُهُ والإعْراضِ عَنِ المَلاذِّ والحِرْصِ عَلى الفَضِيلَةِ الَّتِي يُقْهَرُ بِها العَدُوُّ والِاحْتِرازِ عَمّا يُوشِكُ أنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلطَّعْنِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ ﴿ولِتَصْغى﴾ أيْ تَمِيلُ إلَيْهِ ﴿أفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وهُمُ المَحْجُوبُونَ لِوُجُودِ المُناسَبَةِ ﴿ولِيَرْضَوْهُ﴾ بِمَحَبَّتِهِمْ إيّاهُ ﴿ولِيَقْتَرِفُوا ما هم مُقْتَرِفُونَ﴾ مِنَ اسْمِ التَّعاضُدِ والتَّظاهُرِ ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ (p-24)أبْتَغِي حَكَمًا﴾ بَيْنِي وبَيْنَكم ﴿وهُوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ﴾ المُعْجِزَ الجامِعَ مُفَصِّلًا فِيهِ الحَقَّ والباطِلَ بِحَيْثُ لا يَبْقى مَعَهُ مَقالٌ لِقائِلٍ فَطَلَبُ ما سِواهُ مِمّا لا يَلِيقُ بِعاقِلٍ ولا يَمِيلُ إلَيْهِ إلّا جاهِلٌ ﴿وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ أيْ تَمَّ قَضاؤُهُ في الأزَلِ بِما قَضى وقَدَّرَ ﴿صِدْقًا﴾ مُطابِقًا لِما يَقَعُ ﴿وعَدْلا﴾ مُناسِبًا لِلِاسْتِعْدادِ قِيلَ: صِدْقًا فِيما وعَدَ وعَدْلًا فِيما أوْعَدَ ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ لِأنَّها عَلى طُرُزِ ما ثَبَتَ في عِلْمِهِ والِانْقِلابُ مُحالٌ ﴿وإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن في الأرْضِ﴾ أيْ مِنَ الجِهَةِ السُّفْلِيَّةِ بِالرُّكُونِ إلى الدُّنْيا وعالَمِ النَّفْسِ والطَّبِيعَةِ ﴿يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لِأنَّهم لا يَدْعُونَ إلّا لِلشَّهَواتِ المُبْعِدَةِ عَنِ اللَّهِ تَعالى ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ﴾ أيْ ما يَتَّبِعُونَ لِكَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ في مَقامِ النَّفْسِ بِالأوْهامِ والخَيالاتِ ﴿إلا الظَّنَّ وإنْ هم إلا يَخْرُصُونَ﴾ بِقِياسِ الغائِبِ عَلى الشّاهِدِ ﴿وذَرُوا ظاهِرَ الإثْمِ﴾ مِنَ الأقْوالِ والأفْعالِ الظّاهِرَةِ عَلى الجَوارِحِ ﴿وباطِنَهُ﴾ مِنَ العَقائِدِ الفاسِدَةِ والعَزائِمِ الباطِلَةِ.
وقالَ سَهْلٌ ظاهِرُ الإثْمِ المَعاصِي كَيْفَ كانَتْ وباطِنُهُ حُبُّها وقالَ الشِّبْلِيُّ ظاهِرُ الإثْمِ الغَفْلَةُ وباطِنُهُ نِسْيانُ مُطالَعَةِ السَّوابِقِ وقالَ بَعْضُهم ظاهِرُ الإثْمِ طَلَبُ الدُّنْيا وباطِنُهُ طَلَبُ الجَنَّةِ لِأنَّ الأمْرَيْنِ يَشْغَلانِ عَنِ الحَقِّ وكُلُّ ما يَشْغَلُ عَنْهُ سُبْحانَهُ فَهو إثْمٌ وقِيلَ: ظاهِرُ الإثْمِ حُظُوظُ النَّفْسِ وباطِنُهُ حُظُوظُ القَلْبِ وقِيلَ: ظاهِرُ الإثْمِ حَبُّ الدُّنْيا وباطِنُهُ حُبُّ الجاهِ وقِيلَ: ظاهِرُ الإثْمِ رُؤْيَةُ الأعْمالِ وباطِنُهُ سُكُونُ القَلْبِ إلى الأحْوالِ.
﴿وإنَّ الشَّياطِينَ﴾ وهُمُ المَحْجُوبُونَ بِالظّاهِرِ عَنِ الباطِنِ ﴿لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ﴾ أيْ مِن يُوالِيهِمْ مِنَ المُنْكِرِينَ ﴿لِيُجادِلُوكُمْ﴾ بِما يَتَلَقَّوْنَهُ مِنَ الشُّبَهِ ﴿وإنْ أطَعْتُمُوهُمْ﴾ وتَرَكْتُمْ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ ﴿إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾ مِثْلُهم ﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا﴾ بِالجَهْلِ وهَوى النَّفْسِ أوِ الِاحْتِجابِ بِصِفاتِها ﴿فَأحْيَيْناهُ﴾ بِالعِلْمِ ومَحَبَّةِ الحَقِّ أوْ كَشْفِ حُجُبِ صِفاتِهِ ﴿وجَعَلْنا لَهُ نُورًا﴾ مِن هِدايَتِنا وعِلْمِنا أوْ نُورًا مِن صِفاتِنا أوْ مَن كانَ مَيْتًا بِالمُجاهَداتِ فَأحْيَيْناهُ بِرُوحِ المُشاهَداتِ أوْ مَيْتًا بِشَهَواتِ النَّفْسِ فَأحْيَيْناهُ بِصَفاءِ القَلْبِ أوْ مَيْتًا بِرُؤْيَةِ الثَّوابِ فَأحْيَيْناهُ بِرُؤْيَةِ المَآبِ إلى الوَهّابِ وجَعَلْنا لَهُ نُورَ الفِراسَةِ أوِ الإرْشادِ وقالَ جَعْفَرٌ الصّادِقُ: المَعْنى أوَمَن كانَ مَيْتًا عَنّا فَأحْيَيْناهُ بِنا وجَعَلْناهُ إمامًا يَهْدِي بِنُورِ الإجابَةِ ويَرْجِعُ إلَيْهِ الضَّلالُ وقالَ ابْنُ عَطاءٍ: أوَمَن كانَ مَيْتًا بِحَياةِ نَفْسِهِ ومَوْتِ قَلْبِهِ فَأحْيَيْناهُ بِإماتَةِ نَفْسِهِ وحَياةِ قَلْبِهِ وسَهَّلْنا عَلَيْهِ سُبُلَ التَّوْفِيقِ وكَحَّلْناهُ بِأنْوارِ القُرْبِ فَلا يَرى غَيْرَنا ولا يَلْتَفِتُ إلى سِوانا ﴿كَمَن مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ﴾ أيْ ظُلُماتِ نَفْسِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ ﴿لَيْسَ بِخارِجٍ مِنها﴾ لِسُوءِ اسْتِعْدادِهِ ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ﴾ المَحْجُوبِينَ ﴿ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فاحْتَجَبُوا بِهِ ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها﴾ ويَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَزِيدِ كَمالِ العارِفِينَ حَسْبَما تَقَدَّمَ في جَعْلِ الأعْداءِ لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى ما في الأنْفُسِ أيْ وكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ وُجُودَ الإنْسانِ الَّتِي هي البَدَنُ ﴿أكابِرَ مُجْرِمِيها﴾ مِن قُوى النَّفْسِ الأمّارَةِ لِيَمْكُرُوا فِيها بِإضْلالِ القَلْبِ ﴿وما يَمْكُرُونَ إلا بِأنْفُسِهِمْ﴾ لِأنَّ عاقِبَةَ مَكْرِهِمْ راجِعٌ إلَيْهِمْ آفاقًا وأنْفُسًا ﴿وإذا جاءَتْهُمْ﴾ عَلى يَدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ مِنَ الرِّسالَةِ إلَيْهِمُ ﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ وذَلِكَ حَيْثُ خَزِينَةُ الِاسْتِعْدادِ عامِرَةٌ والنَّفْسُ قُدْسِيَّةٌ ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أجْرَمُوا﴾ بِاحْتِجابٍ عَنِ الحَقِّ ﴿صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ ذُلٌّ بِذَهابِ قَدْرِهِمْ حِينَ خَرابِأبْدانِهِمْ ﴿وعَذابٌ شَدِيدٌ﴾ بِحِرْمانِهِمُ المُلائِمِ ووُصُولِ النّافِي إلَيْهِمْ في المَعادِ الجُسْمانِيِّ
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَمۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق