الباحث القرآني

﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ أيْ مِنَ الحَيَوانِ كَما هو المُتَبادَرُ والآيَةُ ظاهِرَةٌ في تَحْرِيمِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا كانَ أوْ نِسْيانًا وإلَيْهِ ذَهَبَ داوُدُ. وعَنْ أحْمَدَ والحَسَنِ وابْنِ سِيرِينَ والجُبّائِيِّ مِثْلُهُ وقالَ الشّافِعِيُّ بِخِلافِهِ لِما رَواهُ أبُو داوُدَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ مُرْسَلًا «ذَبِيحَةُ المُسْلِمِ حَلالٌ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعالى أوْ لَمْ يُذْكَرْ» وعَنْ مالِكٍ وهي الرِّوايَةُ المُعَوَّلُ عَلَيْها عِنْدَ أئِمَّةِ مَذْهَبِهِ أنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لا يُؤْكَلُ سَواءً كانَ تَهاوُنًا أوْ غَيْرَ تَهاوُنٍ ولِأشْهَبَ قَوْلٌ شاذٌّ بِجَوازِ غَيْرِ المُتَهاوَنِ في تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ مَذْهَبَ مالِكٍ كَمَذْهَبِ الشّافِعِيِّ وآخَرُونَ أنَّهُ كَمَذْهَبِ داوُدَ ومَن مَعَهُ وما ذَكَرْناهُ هو المَوْجُودُ في كُتُبِ المالِكِيَّةِ وأهْلُ مَكَّةَ أدْرى بِشِعابِها ومَذْهَبُ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ العَمْدِ والنِّسْيانِ كالصَّحِيحِ مِن مَذْهَبِ مالِكٍ قالَ العَلّامَةُ الثّانِي: إنَّ النّاسِيَ عَلى مَذْهَبِ الإمامِ الأعْظَمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لَيْسَ بِتارِكٍ لِلتَّسْمِيَةِ بَلْ هي في قَلْبِهِ عَلى ما رُوِيَ «أنَّهُ ﷺ سُئِلَ عَنْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ ناسِيًا فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: كُلُوهُ فَإنَّ تَسْمِيَةَ اللَّهِ تَعالى في قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» ولَمْ يُلْحَقْ بِهِ العامِدُ إلّا لِامْتِناعِ تَخْصِيصِ الكِتابِ بِالقِياسِ وإنْ كانَ مَنصُوصَ العِلَّةِ وإمّا لِأنَّهُ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَكَأنَّهُ نَفى ما في قَلْبِهِ واعْتُرِضَ بِأنَّ تَخْصِيصَ العامِّ الَّذِي خُصَّ مِنهُ البَعْضُ جائِزٌ بِالقِياسِ المَنصُوصِ العِلَّةِ وِفاقًا وبِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ التّارِكَ عَمْدًا بِمَنزِلَةِ النّافِي لِما في قَلْبِهِ رُبَّما يَكُونُ لِوُثُوقِهِ بِذَلِكَ وعَدَمِ افْتِقارِهِ لِذِكْرِهِ ثُمَّ قالَ: فَذَهَبُوا إلى أنَّ النّاسِيَ خارِجٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ إذِ الضَّمِيرُ عائِدٌ إلى المَصْدَرِ المَأْخُوذِ مِن مَضْمُونِ ﴿لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ وهو التَّرْكُ لِكَوْنِهِ الأقْرَبَ ومَعْلُومٌ أنَّ التَّرْكَ نِسْيانًا لَيْسَ بِفِسْقٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِ النّاسِي والمُؤاخَذَةِ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ العَمْدُ. واعْتُرِضَ ما ذُكِرَ بِأنَّ كَوْنَ ذَلِكَ فِسْقًا لا سِيَّما عَلى وجْهِ التَّحْقِيقِ والتَّأْكِيدِ خِلافُ الظّاهِرِ ولَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أحَدٌ ولا يُلائِمُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ مَعَ أنَّ القُرْآنَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا سِيَّما في حُكْمٍ واحِدٍ وبِأنَّ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَتَناوَلُ المَيْتَةَ مَعَ القَطْعِ بِأنَّ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ عَلَيْها لَيْسَ بِفِسْقٍ وبَعْضُهم أرْجَعَ الضَّمِيرَ إلى ما بِمَعْنى الذَّبِيحَةِ وجَعَلَها عَيْنَ الفِسْقِ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ لَكِنْ لا بُدَّ مِن مُلاحَظَةِ كَوْنِها مَتْرُوكَةَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا إذْ لا فِسْقَ في النِّسْيانِ وحِينَئِذٍ لا يَصِحُّ الحَمْلُ أيْضًا ومِمّا تَقَدَّمَ يُعْلَمُ ما فِيهِ وذَكَرَ العَلّامَةُ لِلشّافِعِيَّةِ في دَعْوى حِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أوْ نِسْيانًا وحُرْمَةِ ما ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ أوْ ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ وُجُوهًا الأوَّلُ أنَّ التَّسْمِيَةَ عَلى ذِكْرِ المُؤْمِنِ وفي قَلْبِهِ ما دامَ مُؤْمِنًا فَلا يَتَحَقَّقُ مِنهُ عَدَمُ الذِّكْرِ فَلا يَحْرُمُ مِن ذَبِيحَتِهِ إلّا ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى. (p-16)الثّانِي أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ عَلى وجْهِ التَّحْقِيقِ والتَّأْكِيدِ لا يَصِحُّ في حَقِّ أكْلِ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ عَمْدًا كانَ أوْ سَهْوًا إذْ لا فِسْقَ بِفِعْلِ ما هو مَحَلُّ الِاجْتِهادِ والثّالِثُ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ في مَوْقِعِ الحالِ إذْ لا يَحْسُنُ عَطْفُ الخَبَرِ عَلى الإنْشاءِ وقَدْ بُيِّنَ الفِسْقُ بِقَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الأكْلِ مُقَيَّدًا بِكَوْنِ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ قَدْ أُهِلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى فَيَحِلُّ ما لَيْسَ كَذَلِكَ إمّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ المُخالَفَةِ وإمّا بِحُكْمِ الأصْلِ وإمّا بِالعُمُوَماتِ الوارِدَةِ في حِلِّ الأطْعِمَةِ وهَذا خُلاصَةُ ما ذَكَرَهُ الإمامُ في مَجْلِسِ تَذْكِيرٍ عَقَدَهُ لَهُ سُلْطانُ خَوارِزْمَ فِيها بِمَحْضَرٍ مِنهُ ومِن جُمْلَةِ الأئِمَّةِ الحَنَفِيَّةِ وعَلَيْهِ لا حاجَةَ لِلشّافِعِيَّةِ إلى دَلِيلٍ خارِجِيٍّ في تَخْصِيصِ الآيَةِ. واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَقْتَضِي أنْ لا يَتَناوَلَ النَّهْيُ أكْلَ المَيْتَةِ مَعَ أنَّهُ سَبَبُ النُّزُولِ وبِأنَّ التَّأْكِيدَ بَأنْ واللّامِ يَنْفِي كَوْنَ الجُمْلَةِ حالِيَّةً لِأنَّهُ إنَّما يَحْسُنُ فِيما قُصِدَ الإعْلامُ بِتَحَقُّقِهِ البَتَّةَ والرَّدُّ عَلى مُنْكِرٍ تَحْقِيقًا أوْ تَقْدِيرًا عَلى ما بُيِّنَ في عِلْمِ المَعانِي والحالُ الواقِعُ في الأمْرِ والنَّهْيِ مَبْناهُ عَلى التَّقْدِيرِ كَأنَّهُ قِيلَ: لا تَأْكُلُوا مِنهُ إنْ كانَ فِسْقًا فَلا يَحْسُنُ ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ بَلْ وهو فِسْقٌ ومِن هُنا ذَهَبَ كَثِيرٌ إلى أنَّ الجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ وأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بِأنَّهُ دَخَلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وبِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وإنَّ الشَّياطِينَ﴾ .. إلَخْ. المَيْتَةُ فَيَتَحَقَّقُ قَوْلُهم: إنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى أوْ ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ وأجابَ العَلّامَةُ عَنِ الثّانِي بِأنَّهُ لَمّا كانَ المُرادُ بِالفِسْقِ ها هُنا الإهْلالَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى كانَ التَّأْكِيدُ مُناسِبًا كَأنَّهُ قِيلَ: لا تَأْكُلُوا مِنهُ إذا كانَ هَذا النَّوْعُ مِنَ الفِسْقِ الَّذِي الحُكْمُ بِهِ مُتَحَقَّقٌ والمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَهُ ومِنهم مَن تَأوَّلَ الآيَةَ بِالمَيْتَةِ لِأنَّ الجِدالَ فِيها كَما سَتَعْلَمُ قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. واسْتَظْهِرْ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلى الأكْلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ﴿ولا تَأْكُلُوا﴾ والَّذِي يَلُوحُ مِن كَلامِ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ أنَّ ما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عامٌّ لِما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى ولِمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أوْ سَهْوًا ولِما ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ لِأنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ والتَّحْقِيقُ أنَّ العامَّ الظّاهِرَ مَتى ورَدَ عَلى سَبَبٍ خاصٍّ كانَ نَصًّا في السَّبَبِ ظاهِرًا باقِيًا عَلى ظُهُورِهِ فِيما عَداهُ وأنَّهُ لا بُدَّ لِمُبِيحِ مَنسِيِّ التَّسْمِيَةِ مِن مُخَصِّصٍ وهو الخَبَرُ المُشْتَمِلُ عَلى السُّؤالِ والجَوابِ وادَّعى أنَّ هَذا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ بَلْ مَنعٌ لِانْدِراجِ المَنسِيِّ في العُمُومِ مُسْتَنِدٌ بِالحَدِيثِ المَذْكُورِ. ويُؤَيِّدُ بِأنَّ العامَّ الوارِدَ عَلى سَبَبٍ خاصٍّ وإنَّ قَوِيَ تَناوُلُهُ لِسَبَبٍ حَتّى يَنْتَهِضَ الظّاهِرُ فِيهِ نَصًّا إلّا أنَّهُ ضَعِيفُ التَّناوُلِ لِما عَداهُ حَتّى يَنْحَطَّ عَلى أعالِي الظّاهِرِ فِيهِ ويَكْتَفِي مِن مُعارَضَةٍ ما لا يَكْتَفِي بِهِ مِنهُ لَوْلا السَّبَبُ. انْتَهى. ولا يَخْفى ما فِيهِ لِمَن أحاطَ خَبَرًا بِما ذَكَرَهُ العَلّامَةُ قَبْلُ وذَكَرَ كَثِيرٌ مِن أصْحابِنا أنَّ قَوْلَ الشّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ مُخالِفٌ لِلْإجْماعِ إذْ لا خِلافَ فِيمَن كانَ قَبْلَهُ في حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عامِدًا وإنَّما الخِلافُ بَيْنَهم في مَتْرُوكِها ناسِيًا فَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ يَحْرُمُ ومَذْهَبُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ يَحِلُّ ولَمْ يَخْتَلِفُوا في حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عامِدًا ولِهَذا قالَ أبُو يُوسُفَ والمَشايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعالى: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عامِدًا لا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهادُ ولَوْ قَضى القاضِي بِجَوازِ بَيْعِهِ لا يُنَفَّذُ لِكَوْنِهِ مُخالِفًا لِلْإجْماعِ وأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي شُمُولَها لِمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نِسْيانًا إلّا أنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النّاسِيَ ذاكِرًا لِعُذْرٍ مِن جِهَتِهِ وفي ذَلِكَ رَفْعٌ لِلْحَرَجِ فَإنَّ الإنْسانَ كَثِيرُ النِّسْيانِ. وقَوْلُ بَعْضِ الشّافِعِيَّةِ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ: إنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَما سَقَطَ بِعُذْرِ النِّسْيانِ كالطَّهارَةِ في (p-17)بابِ الصَّلاةِ مُفْضٍ إلى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ العَمْدِ والنِّسْيانِ وهي مَعْهُودَةٌ فِيما إذا كانَ عَلى النّاسِي هَيْئَةٌ مُذَكِّرَةٌ كالأكْلِ في الصَّلاةِ والجِماعِ في الإحْرامِ لا فِيما إذا لَمْ يَكُنْ كالأكْلِ في الصِّيامِ وهُنا إنْ لَمْ تَكُنْ هَيْئَةٌ تُوجِبُ النِّسْيانَ وهي ما يَحْصُلُ لِلذَّبائِحِ عِنْدَ زُهُوقِ رُوحِ حَيَوانٍ مِن تَغَيُّرِ الحالِ فَلَيْسَ هَيْئَةً مُذَكِّرَةً بِمَوْجُودَةٍ. والحَقُّ عِنْدِي أنَّ المَسْألَةَ اجْتِهادِيَّةٌ وثُبُوتَ الإجْماعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ولَوْ كانَ ما كانَ خَرَقَهُ الإمامُ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى واسْتِدْلالُهُ عَلى مُدَّعاهُ عَلى ما سَمِعَتَ لا يَخْلُو عَنْ مَتانَةٍ وقَوْلُ الأصْفَهانِيِّ كَما في المُسْتَصْفى أفْحَشَ الشّافِعِيَّ حَيْثُ خالَفَ سَبْعَ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ ثَلاثٌ مِنها في سُورَةِ الأنْعامِ الأُولى ﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ والثّانِيَةُ ﴿وما لَكم ألا تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ والثّالِثَةُ ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ وثَلاثٌ في سُورَةِ الحَجِّ الأُولى ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ﴾ والثّانِيَةُ ﴿ولِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ والثّالِثَةُ ﴿والبُدْنَ جَعَلْناها لَكم مِن شَعائِرِ اللَّهِ لَكم فِيها خَيْرٌ فاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ﴾ وآيَةٌ في المائِدَةِ ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكم واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ مِنَ الفُحْشِ في حَقِّ هَذا الإمامِ القُرَشِيِّ ومَثارُهُ عَدَمُ الوُقُوفِ عَلى فَضْلِهِ وسِعَةِ عِلْمِهِ ودِقَّةِ نَظَرِهِ وبِالجُمْلَةِ الكَلامُ في الآيَةِ واسِعُ المَجالِ وبِها اسْتَدَلَّ كُلٌّ مِن أصْحابِ هاتِيكِ الأقْوالِ وعَنْ عَطاءٍ وطاوُسٍ أنَّهُما اسْتَدَلّا بِظاهِرِها عَلى أنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ حَيَوانًا كانَ أوْ غَيْرَهُ حَرامٌ وسَبَبُ النُّزُولِ يُؤَيِّدُ خِلافَ ذَلِكَ كَما عَلِمْتَ والِاحْتِياطُ لا يَخْفى. ﴿وإنَّ الشَّياطِينَ﴾ أيْ إبْلِيسَ وجُنُودَهُ ﴿لَيُوحُونَ﴾ أيْ يُوَسْوِسُونَ ﴿إلى أوْلِيائِهِمْ﴾ الَّذِينَ اتَّبَعُوهم مِنَ المُشْرِكِينَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وقِيلَ: المُرادُ بِالشَّياطِينِ مَرَدَةُ المَجُوسِ فَإيحاؤُهم إلى أوْلِيائِهِمْ ما أنْهَوْا إلى قُرَيْشٍ حَسْبَما حَكَيْناهُ عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿لِيُجادِلُوكُمْ﴾ أيْ بِالوَساوِسِ الشَّيْطانِيَّةِ أوْ بِما نُقِلَ مِن أباطِيلِ المَجُوسِ ﴿وإنْ أطَعْتُمُوهُمْ﴾ في اسْتِحْلالِ الحَرامِ ﴿إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾ (121) ضَرُورَةً أنَّ مَن تَرَكَ طاعَةَ اللَّهِ تَعالى إلى طاعَةِ غَيْرِهِ واسْتَحَلَّ الحَرامَ واتَّبَعَهُ في دِينِهِ فَقَدْ أشْرَكَهُ بِهِ تَعالى بَلْ آثَرَهُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ. ونَقَلَ الإمامُ عَنِ الكَعْبِيِّ أنَّهُ قالَ: الآيَةُ حُجَّةٌ عَلى أنَّ الإيمانَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الطّاعاتِ وإنْ كانَ مَعْناهُ في اللُّغَةِ التَّصْدِيقَ كَما جَعَلَ تَعالى الشِّرْكَ اسْمًا لِكُلِّ ما كانَ مُخالَفَةً لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ وإنْ كانَ في اللُّغَةِ مُخْتَصًّا بِمَن يَعْتَقِدُ أنَّ لِلَّهِ تَعالى شَأْنُهُ شَرِيكًا بِدَلِيلِ أنَّهُ سُبْحانَهُ سَمّى طاعَةَ المُؤْمِنِينَ لِلْمُشْرِكِينَ في إباحَةِ المَيْتَةِ شِرْكًا ثُمَّ قالَ: ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الشِّرْكِ ها هُنا اعْتِقادَ أنَّ لِلَّهِ تَعالى شَرِيكًا في الحُكْمِ والتَّكْلِيفِ وبِهَذا القَدْرِ يَرْجِعُ مَعْنى هَذا الشِّرْكِ إلى الِاعْتِقادِ فَقَطْ. انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ التَّعْبِيرَ عَنْ هَذِهِ الإطاعَةِ بِالشِّرْكِ مِن بابِ التَّغْلِيظِ ونَظائِرُهُ كَثِيرَةٌ والكَلامُهُنا كَما قالَ أبُو حَيّانَ وغَيْرُهُ عَلى تَقْدِيرِ القَسَمِ وحَذْفِ لامِ التَّوْطِئَةِ أيْ ولَئِنْ أطَعْتُمُوهم واللَّهِ إنَّكم لَمُشْرِكُونَ وحُذِفَ جَوابُ الشَّرْطِ لِسَدِّ جَوابِ القَسَمِ مَسَدَّهُ وجَعَلَ أبُو البَقاءِ وتَبِعَهُ بَعْضُهُمُ المَذْكُورَ جَوابَ الشَّرْطِ ولا قَسَمَ وادَّعى أنَّ حَذْفَ الفاءِ مِنهُ حَسَنٌ إذا كانَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الماضِي كَما هُنا واعْتُرِضَ بِأنَّ هَذا لَمْ يُوجَدْ في كُتُبِ العَرَبِيَّةِ بَلِ اتَّفَقَ الكُلُّ عَلى وُجُوبِ الفاءِ في الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ ولَمْ يُجَوِّزُوا تَرْكَها إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ وفِيهِ أنَّ المُبَرِّدَ أجازَ ذَلِكَ في الِاخْتِيارِ كَما ذَكَرَهُ المُرادِيُّ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب