الباحث القرآني
﴿وإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن في الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: إنَّهُ لَمّا تَحَقَّقَ اخْتِصاصُهُ تَعالى بِالحُكْمِيَّةِ لِاسْتِقْلالِهِ بِما يُوجِبُ ذَلِكَ مِن إنْزالِ الكِتابِ الفاصِلِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ وتَمامِ صِدْقِ كَلامِهِ وكَمالِ عَدْلِهِ في أحْكامِهِ وامْتِناعِ وُجُودِ مَن يُبَدِّلُ شَيْئًا مِنها واسْتِبْدادِهِ سُبْحانَهُ بِالإحاطَةِ التّامَّةِ بِجَمِيعِ المَسْمُوعاتِ والمَعْلُوَماتِ عَقِبَ ذَلِكَ بِبَيانِ أنَّ الكَفَرَةَ مُتَّصِفُونَ بِنَقائِصِ تِلْكَ الكِمالاتِ مِنَ النَّقائِصِ الَّتِي هي الضَّلالُ والإضْلالُ واتِّباعُ الظُّنُونِ الفاسِدَةِ النّاشِئُ مِنَ الجَهْلِ والكَذِبِ عَلى اللَّهِ تَعالى إبانَةَ الكَلامِ مُبايَنَةَ حالِهِمْ لِما يَرْمُونَهُ وتَحْذِيرًا عَنِ الرُّكُونِ إلَيْهِمْ والعَمَلِ بِآرائِهِمْ فَقالَ سُبْحانَهُ ما قالَ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا مِن بابِ الإرْشادِ إلى اتِّباعِ القُرْآنِ والتَّمَسُّكِ بِهِ بَعْدَ بَيانِ كَمالِهِ عَلى أكْمَلِ وجْهٍ خِطابٍ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولِأُمَّتِهِ.
وقِيلَ: خُوطِبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأُرِيدَ غَيْرُهُ والمُرادُ بِمَن في الأرْضِ النّاسُ وبِأكْثَرِهِمُ الكُفّارُ وقِيلَ: ما يَعُمُّهم وغَيْرُهم مِنَ الجُهّالِ واتِّباعِ الهَوى وقِيلَ: أهْلُ مَكَّةَ والأرْضُ أرْضُها وأكْثَرُ أهْلِها كانُوا حِينَئِذٍ كُفّارًا.
ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ هَذا نَهْيٌ في المَعْنى عَنْ مُتابَعَةِ غَيْرِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذْ هم والكِرامُ قَلِيلٌ أقَلَّ النّاسِ عَدَدًا وقَدْ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ وهو كَما تَرى ومِثْلُهُ احْتِمالُ أنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُتابَعَةِ غَيْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِأنَّهُ لَوْ أُطِيعَ أكْثَرُ مَن في الأرْضِ لَأضَلُّوا فَضْلًا عَنْ إطاعَةِ قَلِيلٍ أوْ واحِدٍ مِنهم والمَعْنى إنْ تُطِعْ أحَدًا مِنَ الكَفّارِ بِمُخالَفَةِ ما شَرَعَ لَكَ وأوْدَعَهُ كَلِماتِهِ المُنَزَّلَةَ مِن عِنْدِهِ إلَيْكَ يُضِلُّوكَ عَنِ الحَقِّ أوْ إنْ تُطِعِ الكَفّارَ بِأنْ جَعَلْتَ مِنهم حَكَمًا يُضِلُّوكَ عَنِ الطَّرِيقِ المُوصِلِ إلَيْهِ أوْ عَنِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي شَرَعَها لِعِبادِهِ ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ﴾ أيْ ما يَتَّبِعُونَ فِيما هم عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ والضَّلالِ ﴿إلا الظَّنَّ﴾ وإنَّ الظَّنَّ فِيما يَتَعَلَّقُ بِاللَّهِ تَعالى لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا ولا يَكْفِي هُناكَ إلّا العِلْمُ وأنّى لَهم بِهِ وهَذا بِخِلافِ سائِرِ الأحْكامِ وأسْبابِها مَثَلًا فَإنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِيها العِلْمُ وإلّا لَفاتَ مُعْظَمُ المَصالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ والأُخْرَوِيَّةِ والفَرْقُ بَيْنَهُما عَلى ما قالَهُ العِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ في (p-12)قَواعِدِهِ الكُبْرى أنَّ الظّانَّ مُجَوِّزٌ لِخِلافِ مَظْنُونِهِ فَإذا ظَنَّ صِفَةً مِن صِفاتِ الإلَهِ عَزَّ شَأْنُهُ فَإنَّهُ يَجُوزُ نَقِيضُها وهو نَقْصٌ ولا يَجُوزُ النَّقْصُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بِخِلافِ الأحْكامِ فَإنَّهُ لَوْ ظَنَّ الحَلالَ حَرامًا أوِ الحَرامَ حَلالًا لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ تَجْوِيزُ نَقْصٍ عَلى الرَّبِّ جَلَّ شَأْنُهُ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ لَوْ أحَلَّ الحَرامَ وحَرَّمَ الحَلالَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا عَلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ فَدارَ تَجْوِيزُهُ بَيْنَ أمْرَيْنِ كُلٌّ مِنهُما كَمالٌ بِخِلافِ الصِّفاتِ وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: المُرادُ ما يَتَّبِعُونَ إلّا ظَنَّهم أنَّ آباءَهم كانُوا عَلى الحَقِّ وجَهالَتَهم وآراءَهُمُ الباطِلَةَ ويُرادُ مِنَ الظَّنِّ ما يُقابِلُ العِلْمَ أيِ الجَهْلُ فَلَيْسَ في الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى عَدَمِ جَوازِ العَمَلِ بِالظَّنِّ مُطْلَقًا فَلا مُتَمَسَّكَ لِنُفاةِ القِياسِ بِها والإمامُ بَعْدَ أنْ قَرَّرَ وجْهَ اسْتِدْلالِهِمْ قالَ: والجَوابُ لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: الظَّنُّ عِبارَةٌ عَنِ الِاعْتِقادِ الرّاجِحِ إذا لَمْ يَسْتَنِدْ إلى أمارَةٍ وهو مِثْلُ ظَنِّ الكَفّارِ أمّا إذا كانَ الِاعْتِقادُ الرّاجِحُ مُسْتَنِدًا إلَيْها فَلا يُسَمّى ظَنًّا وهو كَما تَرى ﴿وإنْ هُمْ﴾ أيْ وما هم ﴿إلا يَخْرُصُونَ﴾ (116) أيْ يَكْذِبُونَ وأصْلُ الخَرْصِ القَوْلُ بِالظَّنِّ وقَوْلُ مَن لا يَسْتَيْقِنُ ويَتَحَقَّقُ كَما قالَ الأزْهَرِيُّ ومِنهُ خَرْصُ النَّخْلِ بِفَتْحِ الخاءِ وهي خِرْصٌ بِالكَسْرِ أيْ مَخْرُوصَةٌ والمُرادُ أنَّ شَأْنَ هَؤُلاءِ الكَذِبُ وهم مُسْتَمِرُّونَ عَلى تَجَدُّدِهِ مِنهم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مَعَ ما هم عَلَيْهِ مِنَ اتِّباعِ الظَّنِّ في شَأْنِ خالِقِهِمْ عَزَّ شَأْنُهُ.
وقالَ الإمامُ: المُرادُ أنَّ هَؤُلاءِ الكُفّارَ الَّذِينَ يُنازِعُونَكَ في دِينِكَ ومَذْهَبِكَ غَيْرُ قاطِعِينَ بِصِحَّةِ مَذاهِبِهِمْ بَلْ لا يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وهم خَرّاصُونَ كاذِبُونَ في ادِّعاءِ القَطْعِ ولا يَخْفى بُعْدُ تَقْيِيدِ الكَذِبِ بِادِّعاءِ القَطْعِ وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: المُرادُ أنَّهم يَكْذِبُونَ عَلى اللَّهِ تَعالى فِيما يَنْسِبُونَ إلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ كاتِّخاذِ الوَلَدِ وجَعْلِ عِبادَةِ الأوْثانِ ذَرِيعَةً إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَحْلِيلِ المَيْتَةِ والبَحائِرِ ونَظِيرِ ذَلِكَ ولَعَلَّ ما ذَهَبْنا إلَيْهِ أوْلى وأبْلَغُ في الذَّمِّ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّ هَؤُلاءِ الكُفّارَ يَتَّبِعُونَ في أُمُورِ دِينِهِمْ ظَنَّ أسْلافِهِمْ وأنَّ شَأْنَهم أنْفُسَهُمُ الظَّنُّ أيْضًا وحاصِلُ ذَلِكَ ذَمُّهم بِفَسادِهِمْ وفَسادِ أُصُولِهِمْ إلّا أنَّ ذَلِكَ بِعِيدٌ جَدًّا.
{"ayah":"وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق