الباحث القرآني
﴿وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ كَمالِ القُرْآنِ مِن حَيْثُ ذاتِهِ إثْرَ بَيانِ كَمالِهِ مِن حَيْثُ إضافَتِهِ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ بِكَوْنِهِ مُنَزَّلًا مِنهُ سُبْحانَهُ بِالحَقِّ وتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِعِلْمِ أهْلِ الكِتابَيْنِ بِهِ وتَمامُ الشَّيْءِ كَما قالَ الرّاغِبُ انْتِهاؤُهُ إلى حَدٍّ لا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ خارِجٍ عَنْهُ والمُرادُ بِالكَلِمَةِ الكَلامُ وأُرِيدَ بِهِ كَما قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ القُرْآنُ وإطْلاقُها عَلَيْهِ إمّا مِن بابِ المَجازِ المُرْسَلِ أوِ الِاسْتِعارَةِ وعَلاقَتُها تَأْبى أنْ تُطْلَقَ الكَلِمَةُ عَلى الجُمْلَةِ غَيْرِ المُفِيدَةِ وعَلاقَتُهُ لا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ في كَلامِهِمْ ذَلِكَ الإطْلاقُ واخْتِيرَ هَذا التَّعْبِيرُ لِما فِيهِ مِنَ اللَّطافَةِ الَّتِي لا تَخْفى عَلى مَن دَقَّقَ النَّظَرَ وقالَ البَعْضُ لَمّا أنَّ الكَلِمَةَ هي الأصْلُ في الِاتِّصافِ بِالصِّدْقِ والعَدْلِ وبِها تَظْهَرُ الآثارُ مِنَ الحُكْمِ وعَنْ أبِي مُسْلِمٍ أنَّ المُرادَ بِالكَلِمَةِ دِينُ اللَّهِ تَعالى كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وكَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا﴾ .
وقِيلَ: المُرادُ بِها حُجَّتُهُ عَزَّ وجَلَّ عَلى خَلْقِهِ والأوَّلُ هو الظّاهِرُ وقَرَأ بِالتَّوْحِيدِ عاصِمٌ وحَمْزَةُ وعَلِيٌّ وخَلَفٌ وسَهْلٌ ويَعْقُوبُ وقَرَأ الباقُونَ ( كَلِماتُ رَبِّكَ ): ﴿صِدْقًا وعَدْلا﴾ مَصْدَرانِ نُصِبا عَلى الحالِ مِن ( رَبِّكَ ) أوْ مِن ( كَلِمَةُ ) كَما ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ نَصْبَهُما عَلى التَّمْيِيزِ وعَلى العِلَّةِ والصِّدْقِ في الأخْبارِ والمَواعِيدِ مِنها في المَشْهُورِ والعَدْلِ في الأقْضِيَةِ والأحْكامِ ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِفَضْلِها عَلى غَيْرِها إثْرَ بَيانِ فَضْلِها في نَفْسِها وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا أخْبَرَ بِتَمامِ كَلِمَتِهِ وكانَ التَّمامُ يَعْقُبُهُ النَّقْصُ غالِبًا كَما قِيلَ.
؎إذا تَمَّ أمْرٌ بَدا نَقْصُهُ تَوَقَّعْ زَوالًا إذا قِيلَ تَمَّ
ذَكَرَ ذَلِكَ احْتِراسًا وبَيانًا لِأنَّ تَمامَها لَيْسَ كَتَمامِ غَيْرِها وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ ﴿تَمُتْ﴾ عَلى أنَّ الظّاهِرَ مُغْنٍ عَنِ الضَّمِيرِ الرّابِطِ قالَ أبُو البَقاءِ: ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن رَبِّكَ لِئَلّا يُفْصَلُ بَيْنَ الحالِ وصاحِبِها بِأجْنَبِيٍّ وهو ﴿صِدْقًا وعَدْلا﴾ إلّا أنْ يُجْعَلا حالَيْنِ مِنهُ أيْضًا والمَعْنى لا أحَدَ يُبَدِّلُ شَيْئًا مِن كَلِماتِهِ بِما هو أصْدَقُ وأعْدَلُ مِنهُ ولا بِما هو مِثْلُهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ابْتِغاءُ حُكْمِ غَيْرِهِ تَعالى والمُرادُ بِالأصْدَقِ الأبْيَنُ والأظْهَرُ صِدْقًا فَلا يَرِدُ أنَّ الصِّدْقَ لا يَقْبَلُ الزِّيادَةَ والنَّقْصَ لِأنَّ النِّسْبَةَ إنْ طابَقَتِ الواقِعَ فَصِدْقٌ وإلّا فَكَذِبٌ.
وذَكَرَ الكَرْمانِيُّ في حَدِيثِ «( أصْدَقِ الحَدِيثِ )» .. إلَخْ. أنَّهُ جَعَلَ الحَدِيثَ كَمُتَكَلِّمٍ فَوَصَفَ بِهِ كَما يُقالُ زَيْدٌ أصْدَقُ مِن غَيْرِهِ والمُتَكَلِّمُ يَقْبَلُ الزِّيادَةَ والنَّقْصَ في ذَلِكَ وقِيلَ: المَعْنى لا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَحْرِفَها شائِعًا كَما فُعِلَ بِالتَّوْراةِ فَيَكُونُ هَذا ضَمانًا مِنهُ سُبْحانَهُ بِالحِفْظِ كَقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ أوْ لا نَبِيَّ (p-11)ولا كِتابَ بَعْدَها يُبَدِّلُها ويَنْسَخُ أحْكامَها وعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ يَعْمَلُ بَعْدَ النُّزُولِ بِها لا يَنْسَخُ شَيْئًا كَما حُقِّقَ في مَحَلِّهِ.
وقِيلَ: المُرادُ إنَّ أحْكامَ اللَّهِ تَعالى لا تَقْبَلُ التَّبَدُّلَ والزَّوالَ لِأنَّها أزَلِيَّةٌ والأزَلِيُّ لا يَزُولُ وزَعَمَ الإمامُ أنَّ الآيَةَ عَلى هَذا أحَدُ الأُصُولِ القَوِيَّةِ في إثْباتِ الجَبْرِ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا حَكَمَ عَلى زَيْدٍ بِالسَّعادَةِ وعَلى عَمْرٍو بِالشَّقاوَةِ ثُمَّ قالَ: ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ يَلْزَمُ امْتِناعُ أنْ يَنْقَلِبَ السَّعِيدُ شَقِيًّا والشَّقِيُّ سَعِيدًا فالسَّعِيدُ مَن سَعِدَ في بَطْنِ أُمِّهِ والشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ وأنا أقُولُ لا يَخْفى أنَّ الشَّقِيَّ في العِلْمِ لا يَكُونُ سَعِيدًا والسَّعِيدَ فِيهِ لا يَكُونُ شَقِيًّا أصْلًا لِأنَّ العِلْمَ لا يَتَعَلَّقُ إلّا بِما المَعْلُومُ عَلَيْهِ في نَفْسِهِ وحُكْمُهُ سُبْحانَهُ تابِعٌ لِذَلِكَ العِلْمِ وكَذا إيجادُهُ الأشْياءَ عَلى طِبْقِ ذَلِكَ العِلْمِ ولا يُتَصَوَّرُ هُناكَ جَبْرٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ لِأنَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ لَمْ يُفِضْ عَلى القَوابِلِ إلّا ما طَلَبَتْهُ مِنهُ جَلَّ وعَلا بِلِسانِ اسْتِعْدادِها كَما يُشِيرُ إلَيْهِ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ الجَبْرُ لَوْ طَلَبَتِ القَوابِلُ شَيْئًا وأفاضَ عَلَيْها عَزَّ شَأْنُهُ ضِدَّهُ واللَّهُ سُبْحانَهُ أجَلُّ وأعْلى مِن ذَلِكَ ﴿وهُوَ السَّمِيعُ﴾ لِكُلِّ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ السَّمِيعُ ﴿العَلِيمُ﴾ (115) بِكُلِّ ما يُمْكِنُ أنْ يُعْلَمَ فَيَدْخُلُ في ذَلِكَ أقْوالُ المُتَحاكِمِينَ وأحْوالُهُمُ الظّاهِرَةُ والباطِنَةُ دُخُولًا أوَّلِيًّا.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى عَلى ما ذَكَرَ الإمامُ لَمّا أجابَ عَنْ شُبَهاتِ الكُفّارِ وبَيَّنَ بِالدَّلِيلِ صِحَّةَ النُّبُوَّةِ أرْشَدَ إلى أنَّهُ بَعْدَ زَوالِ الشُّبْهَةِ وظُهُورِ الحُجَّةِ لا يَنْبَغِي أنْ يَلْتَفِتَ العاقِلُ إلى كَلِماتِ الجُهّالِ فَقالَ سُبْحانَهُ:
{"ayah":"وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقࣰا وَعَدۡلࣰاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق