الباحث القرآني
﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ جَمْعُ بَصَرٍ يُطْلَقُ -كَما قالَ الرّاغِبُ - عَلى الجارِحَةِ النّاظِرَةِ وعَلى القُوَّةِ الَّتِي فِيها (p-245)وعَلى البَصِيرَةِ. وهي قُوَّةُ القَلْبِ المُدْرِكَةُ، وإدْراكُ الشَّيْءِ عِبارَةٌ عَنِ الوُصُولِ إلى غايَتِهِ والإحاطَةِ بِهِ، وأكْثَرُ المُتَكَلِّمِينَ عَلى حَمْلِ البَصَرِ هُنا عَلى الجارِحَةِ مِن حَيْثُ أنَّها مَحَلُّ القُوَّةِ، وقِيلَ: هو إشارَةٌ إلى ذَلِكَ وإلى الأوْهامِ والأفْهامِ كَما قالَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ: التَّوْحِيدُ لا تَتَوَهَّمُهُ، وقالَ أيْضًا: كُلُّ ما أدْرَكْتَهُ فَهو غَيْرُهُ
ونَقَلَ الرّاغِبُ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَلى البَصِيرَةِ وذَكَرَ أنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلى ما رُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ في قَوْلِهِ: يا مَن غايَةُ مَعْرِفَتِهِ القُصُورُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ إذا كانَ مَعْرِفَتُهُ تَعالى أنْ تَعْرِفَ الأشْياءَ فَتَعَلَّمْ أنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِشَيْءٍ مِنها بَلْ هو مُوجِدُ كُلِّ ما أدْرَكْتَهُ، واسْتَدَلَّ المُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يُرى
وتَقْرِيرُ ذَلِكَ عَلى ما في المَواقِفِ وشَرْحِها أنَّ الِادِّراكَ المُضافَ إلى الإبْصارِ إنَّما هو الرُّؤْيَةُ ولا فَرْقَ بَيْنَ أدْرَكْتُهُ بِبَصَرِي ورَأيْتُهُ إلّا في اللَّفْظِ أوْ هُما مُتَلازِمانِ لا يَصِحُّ نَفْيُ أحَدِهِما مَعَ إثْباتِ الآخَرِ فَلا يَجُوزُ رَأيْتُهُ وما أدْرَكْتُهُ بِبَصَرِي ولا عَكْسُهُ، فالآيَةُ نَفَتْ أنْ تَراهُ الأبْصارُ وذَلِكَ يَتَناوَلُ جَمِيعَ الأبْصارِ بِواسِطَةِ اللّامِ الجِنْسِيَّةِ في مَقامِ المُبالَغَةِ في جَمِيعِ الأوْقاتِ لِأنَّ قَوْلَكَ فُلانٌ تُدْرِكُهُ الأبْصارُ لا يُفِيدُ عُمُومَ الأوْقاتِ فَلا بُدَّ أنْ يُفِيدَهُ ما يُقابِلُهُ فَلا يَراهُ شَيْءٌ مِنَ الأبْصارِ لا في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ لِما ذُكِرَ ولِأنَّهُ تَعالى تُمُدِّحَ بِكَوْنِهِ لا يُرى حَيْثُ ذَكَرَهُ في أثْناءِ المَدائِحِ، وما كانَ مِنَ الصِّفاتِ عَدَمُهُ مَدْحًا كانَ وجُودُهُ نَقْصًا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعالى عَنْهُ فَظَهَرَ أنَّهُ يَمْتَنِعُ رُؤْيَتُهُ سُبْحانَهُ، وإنَّما قِيلَ: مِنَ الصِّفاتِ احْتِرازٌ عَنِ الأفْعالِ كالعَفْوِ والِانْتِقامِ فَإنَّ الأوَّلَ تَفَضُّلٌ والثّانِي عَدْلٌ وكِلاهُما كَمالٌ، انْتَهى. وحاصِلُهُ أنَّ المُرادَ بِالِادِّراكِ الرُّؤْيَةُ المُطْلَقَةُ لا الرُّؤْيَةُ عَلى وجْهِ الإحاطَةِ وأنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ سالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ دائِمَةٌ وهَذا أقْوى أدِلَّتِهِمُ النَّقْلِيَّةِ في هَذا المَطْلَبِ كَما ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشايِخِنا الكُورانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ. والجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ الأوَّلُ: أنَّ الِادِّراكَ لَيْسَ هو الرُّؤْيَةَ المُطْلَقَةَ وإنِ اخْتارَهُ عَلى ما نَقَلَهُ الآمِدِيُّ أبُو الحَسَنِ الأشْعَرِيُّ وإنَّما هو الرُّؤْيَةُ عَلى نَعْتِ الإحاطَةِ بِجَوانِبِ المَرْئِيِّ كَما فَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما بِها في أحَدِ تَفْسِيرَيْهِ، فَفي الدُّرِّ المَنثُورِ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ لا يُحِيطُ بَصَرُ أحَدٍ بِاللَّهِ تَعالى، انْتَهى. وإلَيْهِ ذَهَبَ الكَثِيرُ مِن أئِمَّةِ اللُّغَةِ وغَيْرِهِمْ. والرُّؤْيَةُ المُكَيَّفَةُ بِكَيْفِيَّةِ الإحاطَةِ أخَصُّ مُطْلَقًا مِنَ الرُّؤْيَةِ المُطْلَقَةِ ولا يَلْزَمُ مِن نَفْيِ الأخَصِّ نَفْيُ الأعَمِّ؛ فَظَهَرَ صِحَّةُ أنْ يُقالَ رَأيْتُهُ وما أدْرَكَهُ بَصَرِي أيْ ما أحاطَ بِهِ مِن جَوانِبِهِ وإنْ لَمْ يَصِحَّ عَكْسُهُ. الثّانِي: أنْ ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ كَما يُحْتَمَلُ أنْ يُلاحَظَ فِيهِ أوَّلًا دُخُولُ النَّفْيِ ثُمَّ وُرُودُ اللّامِ فَتَكُونُ سالِبَةً كُلِّيَّةً عَلى طَرْزِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبادِ﴾ فَيَكُونُ لِعُمُومِ السَّلْبِ، كَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ العُمُومَ أوَّلًا ثُمَّ وُرُودُ النَّفْيِ عَلَيْهِ فَتَكُونُ سالِبَةً جُزْئِيَّةً نَحْوَ: ما قامَ العَبِيدُ كُلُّهم ولَمْ آخُذِ الدّارَهِمَ كُلَّها؛ فَتَكُونُ لسَلْبِ العُمُومِ وكُلَّما احْتُمِلَ سَلْبُ العُمُومِ لَمْ يَكُنْ نَصًّا في عُمُومِ السَّلْبِ وإنْ كانَ عُمُومُ السَّلْبِ في مِثْلِ هَذا هو الأكْثَرُ، وكُلَّما كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلى امْتِناعِ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا وهو ظاهِرٌ، هَذا إذا كانَ (ألْ) في (الأبْصارِ) لِلِاسْتِغْراقِ فَإنْ كانَ لِلْجِنْسِ كانَ ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ سالِبَةً مُهْمَلَةً وهي في قُوَّةِ الجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ المَعْنى لا تُدْرِكُهُ بَعْضُ الأبْصارِ وهو مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. والثّالِثُ: أنّا لَوْ سَلَّمْنا أنَّ الادِّراكَ هو الرُّؤْيَةُ المُطْلَقَةُ وأنَّ (ألْ) لِلِاسْتِغْراقِ وأنَّ الكَلامَ لِعُمُومِ السَّلْبِ؛ لَكِنْ لا نُسَلِّمُ عُمُومَهُ في الأحْوالِ والأوْقاتِ أيْ لا نُسَلِّمُ أنَّها دائِمَةٌ لِجَوازَ أنْ يَكُونَ المُرادِ نَفِيَ الرُّؤْيَةِ في الدُّنْيا كَما يُرْوى تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ وغَيْرِهِ
ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما أخْرَجَهُ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ فَقالَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: يا مُوسى إنَّهُ (p-246)لا يَرانِي حَيٌّ إلّا ماتَ ولا يابِسٌ إلّا تَدَهْدَهَ ولا رَطْبٌ إلّا تَفَرَّقَ وإنَّما يَرانِي أهْلُ الجَنَّةِ الَّذِينَ لا تَمُوتُ أعْيُنُهم ولا تَبْلى أجْسادُهم» قَوْلُهم بَلْ هي دائِمَةٌ لِأنَّ قَوْلَكَ: فَلانٌ تُدْرِكُهُ الأبْصارُ؛ لا يُفِيدُ عُمُومَ الأوْقاتِ فَلا بُدَّ أنَّ يُفِيدَهُ ما يُقابِلُهُ، قُلْنا هَذا لا يَتِمُّ إلّا إذا وجَبَ أنْ يَكُونَ التَّقابُلُ مِنَ اللَّهِ تَعالى تُدْرِكُهُ الأبْصارُ و﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ تَقابُلُ تَناقُضٍ ولا مُوجِبَ لِذَلِكَ لا عَقْلِيًّا ولا لُغَوِيًّا ولا شَرْعِيًّا: أمّا الأوَّلُ فَلِأنّا إذا وجَدْنا قَضِيَّةً مُوجِبَةً مُطْلَقَةً جازَ أنْ يُقابِلَها سالِبَةٌ دائِمَةٌ مُطْلَقَةٌ وأنْ يُقابِلَها سالِبَةٌ دائِمَةٌ ولا تَتَعَيَّنُ الدّائِمَةُ الصّادِقَةُ إلّا إذا كانَتِ المُطْلَقَةُ كاذِبَةً قَطْعًا لَكِنَّ كَذِبَ المُطْلَقَةِ هَهُنا أوَّلُ البَحْثِ وعَيْنُ المُتَنازَعِ فِيهِ؛ فَلا يَجُوزُ أنَّ يُبْنى كَوْنُ ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ دائِمَةً عَلى كَذِبِ هَذِهِ المُطْلَقَةِ أعْنِي اللَّهَ تَعالى يُدْرِكُهُ الأبْصارُ مُرادًا بِها أبْصارُ المُؤْمِنِينَ في الجَنَّةِ والمَوْقِفِ لِأنَّهُ مُصادَرَةٌ عَلى المَطْلُوبِ المُسْتَلْزِمِ لِلدَّوْرِ. وأمّا الثّانِي: فَلِأنَّ الجُمْلَةَ ثُبُوتِيَّةٌ كانَتْ أوْ مَنفِيَّةً تُسْتَعْمَلُ بِحَسْبِ المَقاماتِ تارَةً في الِإطْلاقِ وتارَةً في الدَّوامِ ولَيْسَ يَجِبُ في اللُّغَةِ أنا إذا وجَدْنا جُمْلَةً مُثْبَتَةً اسْتُعْمِلَتْ في مَقامٍ ما في مَعْنى الِإطْلاقِ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ المُقابِلَةُ لَها مُسْتَعْمَلَةً في مَعْنى الدَّوامِ البَتَّةَ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ المَقاماتِ وقَصْدِ المُسْتَعْمِلِينَ لَها وهو ظاهِرٌ جِدًّا. وأمّا الثّالِثُ: فَلِأنَّ المُطْلَقَةَ المَذْكُورَةَ بِالمَعْنى السّابِقِ عَيْنُ المُتَنازَعِ فِيهِ بَيْنَنا وبَيْنَ المُعْتَزِلَةِ شَرَعًا؛ فَنَحْنُ نَقُولُ إنَّها صادِقَةٌ شَرْعًا ونَحْتَجُّ عَلَيْها بِالعَقْلِ والنَّقْلِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ وكُلَّما كانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أنْ لا يَكُونَ ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ دائِمَةً دَفْعًا لِلتَّناقُضِ فَتَكُونُ إمّا مُطْلَقَةً عامَّةً أوْ وقْتِيَّةً مُطْلَقَةً، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لا تَناقُضَ لِانْتِفاءِ اتِّحادِ الزَّمانِ فَيَصْدُقُ: اللَّهُ تَعالى تُدْرِكُهُ الأبْصارُ أيْ أبْصارُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيامَةِ مَثَلًا أوْ وقْتَ تَجَلِّيهِ في نُورِهِ الَّذِي لا يَذْهَبُ بِالأبْصارِ، اللَّهُ تَعالى لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ أيْ في الدُّنْيا بِالقَيْدِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ سابِقًا أوْ وقْتَ تَجَلِّيهِ بِنُورِهِ الَّذِي يَذْهَبُ بِالأبْصارِ وهو النُّورُ الشَّعْشَعانِيُّ المُشارُ إلَيْهِ في الحَدِيثِ الوارِدِ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ: «لَأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجْهِهِ ما انْتَهى إلَيْهِ بَصَرُهُ» وإلى هَذا التَّقْيِيدِ يُشِيرُ ثانِي تَفْسِيرَيِ ابْنِ عَبّاسٍ المُتَقَدِّمُ أوَّلُهُما
فَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ قالَ: «رَأى مُحَمَّدٌ ﷺ رَبَّهُ فَقالَ لَهُ عِكْرِمَةَ: ألَيْسَ اللَّهُ تَعالى يَقُولُ: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ فَقالَ: لا أُمَّ لَكَ ذاكَ نُورُهُ الَّذِي هو نُورُهُ إذا تَجَلّى بِنُورِهِ لا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ» الحَدِيثَ، وبِإثْباتِ هَذَيْنِ النُّورَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَ جَوابَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأبِي ذَرٍّ حَيْثُ سَألَهُ «هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟ فَقالَ في أحَدِ جَوابَيْهِ: ”نُور أنّي أراهُ“» وفي الجَوابِ الآخَرِ: «رَأيْتُ نُورًا» فَيُقالُ النُّورُ الَّذِي نَفى رُؤْيَتَهُ في الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِـ (أنّى) هو نُورُهُ أعْنِي النُّورَ الَّذِي يَذْهَبُ بِالأبْصارِ ولا يَقُومُ لَهُ بَصَرٌ، والنُّورُ الَّذِي أثْبَتَ رُؤْيَتَهُ هو النُّورُ الَّذِي لا يَذْهَبُ بِالأبْصارِ
وكَذا يُمْكِنُ حَمْلُ «قَوْلِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها: مَن زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأى رَبَّهُ سُبْحانَهُ فَقَدْ أعْظَمَ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ الفِرْيَةَ،» واسْتِشْهادُها لِذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى هَذا بِأنْ يُقالَ: أرادَتْ مَن زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَأى رَبَّهُ سُبْحانَهُ في نُورِهِ الَّذِي هو نُورُهُ الَّذِي يَذْهَبُ بِالأبْصارِ فَقَدْ أعْظَمَ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ الفِرْيَةَ؛ ويَكُونُ الِاسْتِشْهادُ بِالآيَةِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِن ثانِي تَفْسِيرَيْهِ، وحِينَئِذٍ لا يَتِمُّ لِلْمُعْتَزِلَةِ دَعْوى كَوْنِ (تُدْرِكُهُ الأبْصارُ) دائِمَةً إلّا إذا كانَتْ هَذِهِ المُطْلَقَةُ كاذِبَةً شَرْعًا وهو عَيْنُ المُتَنازَعِ فِيهِ كَما عَرَفْتَ فَلَمْ يَبْقَ لَهم عَلى دَعْوى الدَّوامِ دَلِيلٌ أصْلًا
وقَدْ يُقالُ أيْضًا المُرادُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ وقْتَ عَدَمِ إذْنِ اللَّهِ تَعالى لِلْإبْصارِ بِالِادِّراكِ، والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ إرادَةِ هَذا القَيْدِ هو أنْ إرادَةَ الإبْصارِ فِعْلٌ مِن أفْعالِ العَبِيدِ وكَسْبٌ مِن كَسْبِهِمْ وقَدْ ثَبَتَ بِغَيْرِ ما دَلِيلٍ أنَّ العِبادَ (p-247)لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ ما مِنَ المَقْدُوراتِ إلّا بِإذْنِهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ وتَمْكِينِهِ فَلا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ إلّا بِإذْنِهِ وهو المَطْلُوبُ
ويُؤَيِّدُ هَذا البَيانَ ويُشَيِّدُ أرْكانَهُ أنَّ ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ﴾ وقَعَ بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ﴾ ووَجْهُ التَّأْيِيدِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أخْبَرَ بِأنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٍ أيِّ مُتَوَلٍّ لِأُمُورِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الأبْصارَ مِنَ الأشْياءِ وأنَّ ادِّراكَها مِن أُمُورِها فَهو سُبْحانُهُ وتَعالى مُتَوَلِّيها ومُتَصَرِّفٌ فِيها عَلى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ فَيَفِيضُ عَلَيْها الِادِّراكَ ويَأْذَنُ لَها إذا شاءَ كَيْفَ شاءَ وعَلى الحَدِّ الَّذِي شاءَ، ويَقْبِضُ عَنْها الِادِّراكَ قَبْضًا كُلِّيًّا أوْ جُزْئِيًّا في أيِّ وقْتٍ شاءَ كَيْفَ شاءَ، ولا يَخْفى عَلى هَذا أنَّهُ غايَةُ التَّمَدُّحِ بِالعِزَّةِ والقَهْرِ والغَلَبَةِ فَإنَّ مَن هو عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٍ إذا لَمْ تُدْرِكْهُ الأبْصارُ إلّا بِإذْنِهِ مَعَ كَوْنِهِ يُدْرِكُ الأبْصارَ ولا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ كانَ ذَلِكَ غايَةً في عِزَّتِهِ وقَهْرِهِ وكَوْنِهِ غالِبًا عَلى أمْرِهِ
وذَهَبَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ الآيَةَ لِمْ تُسَقْ لِلتَّمَدُّحِ وإنَّما سِيقَتْ لِلتَّخْوِيفِ بِأنَّهُ سُبْحانَهُ رَقِيبٌ مِن حَيْثُ لا يُرى فَلْيُحْذَرْ، وهو ظاهِرٌ عَلى التَّفْسِيرِ الثّانِي لِلْوَكِيلِ. الرّابِعُ مِنَ الوُجُوهِ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ عَلى الوَجْهِ المُعْتادِ في رُؤْيَةِ المَحْسُوساتِ المَشْرُوطَةِ التِّسْعَةِ العادِيَّةِ عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ آخِرُ الآيَةِ، ومَعْلُومٌ أنَّ نَفْيَ الخاصِّ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ العامِّ فَلا يَلْزَمُ عَلى هَذا مِنَ الآيَةِ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا. الخامِسُ: ما قِيلَ: أنّا لَوْ سَلَّمْنا لِلْخَصْمِ ما أرادَ نَقُولُ إنَّ الآيَةَ إنَّما تَدُلُّ عَلى أنَّ الأبْصارَ لا تُدْرِكُهُ ونَحْنُ نَقُولُ بِهِ ونَدَّعِي أنَّ ذَوِي الأبْصارِ يُدْرِكُونَهُ، والِاعْتِراضُ بِأنَّهُ كَما أنَّ الأبْصارَ لا تُدْرِكُهُ فَكَذَلِكَ لا يُدْرِكُهُ غَيْرُها فَلا فائِدَةَ لِلتَّخْصِيصِ مَدْفُوعٌ بِأنَّهُ إنَّما يَلْزَمُ انْتِفاءُ الفائِدَةِ أنْ لَوِ انْحَصَرَتْ في نَفْيِ حُكْمِ المَنطُوقِ عَلى المَسْكُوتِ وهو غَيْرُ مُسَلَّمٍ ولَعَلَّهُ كانَ بِخُصُوصِ سُؤالِ سائِلٍ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ أوْ لِمَعْنًى آخَرَ
السّادِسُ: أنّا سَلَّمْنا أنَّ المُرادَ لا يُدْرِكُهُ المُبْصِرُونَ بِأبْصارِهِمْ لَكِنَّهُ لا يُفِيدُ المَطْلُوبَ أيْضًا لِجَوازِ حُصُولِ إدْراكِ اللَّهِ تَعالى بِحاسَّةٍ سادِسَةٍ مُغايِرَةٍ لِهَذِهِ الحَواسِّ كَما يَدَّعِيهِ ضِرارُ بْنُ عَمْرٍو الكُوفِيُّ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُرى بِالعَيْنِ وإنَّما بِحاسَّةٍ سادِسَةٍ يَخْلُقُها سُبْحانَهُ يَوْمَ القِيامَةِ؛ واحْتُجَّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: إنَّها دَلَّتْ عَلى تَخْصِيصِ نَفْيِ إدْراكِ اللَّهِ تَعالى بِالبَصَرِ؛ وتَخْصِيصُ الحُكْمِ بِالشَّيْءِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الحالَ في غَيْرِهِ بِخِلافِهِ فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ إدْراكُ اللَّهِ تَعالى بِغَيْرِ البَصَرِ جائِزًا في الجُمْلَةِ، ولِما ثَبَتَ أنَّ سائِرَ الحَواسِّ المَوْجُودَةِ الآنَ لا يَصْلُحُ لِذَلِكَ ثَبَتَ أنَّهُ تَعالى يَخْلُقُ يَوْمَ القِيامَةِ حاسَّةً سادِسَةً بِها تَحْصُلُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعالى وإدْراكُهُ، اهـ
ومِنَ النّاسِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ الِاطِّلاعَ عَلى كُنْهِ ذاتِ اللَّهِ تَعالى مُمْتَنِعٌ بِناءً عَلى أنَّ الأبْصارَ جَمْعُ بَصَرٍ بِمَعْنى البَصِيرَةِ وقَرَّرَهُ كَما قَرَّرَ المُعْتَزِلَةُ اسْتِدْلالَهم عَلى امْتِناعِ الرُّؤْيَةِ وفِيهِ ما فِيهِ. نَعَمِ احْتِمالُ حَمْلِ البَصَرِ عَلى البَصِيرَةِ مِمّا يُوهِنُ اسْتِدْلالَ المُعْتَزِلَةِ كَما لا يَخْفى، ولَهم في هَذا المَطْلَبِ أدِلَّةٌ أُخْرى نَقْلِيَّةٌ سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى الكَلامُ عَلى بَعْضِها، وعَقْلِيَّةٌ قَدْ عَقَلَها القَوْمُ في مَعاطِنِ البُطْلانِ. ولَعَلَّ النَّوْبَةَ تُفْضِي إلى تَسْرِيحِ بِعَمْلاتِ الأقْلامِ في رِياضِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى المَلِكُ العَلّامُ فَمِنهُ التَّوْفِيقُ لِادِّراكِ أبْصارِ الأفْهامِ مَخْفِيّاتِ الأسْرارِ وفَلْقِ صَباحِ الحَقِّ بِسَواطِعِ الأنْوارِ ﴿وهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ﴾ أيْ يَراها عَلى وجْهِ الإحاطَةِ أوْ يُحِيطُ بِها عِلْمًا أوْ عِلْمًا ورُؤْيَةً كَما قِيلَ، وذَكَرَ الآمِدِيُّ أنَّ البَصْرِيِّينَ مِنَ المُعْتَزِلَةِ ذَهَبُوا إلى أنَّ ادِّراكَ اللَّهِ تَعالى بِمَعْنى (p-248)الرُّؤْيَةِ وأنَّ البَغْدادِيِّينَ مِنهم ذَهَبُوا إلى أنَّها بِمَعْنى العِلْمِ لا بِمَعْنى الرُّؤْيَةِ، والمُرادُ بِالأبْصارِ هُنا عَلى ما قَرَّرَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ النُّورُ الَّذِي تُدْرَكُ بِهِ المُبْصَراتُ فَإنَّهُ لا يُدْرِكُهُ مُدْرِكٌ بِخِلافِ جِرْمِ العَيْنِ فَإنَّهُ يَرى. ولَعَلَّ هَذا هو السِّرُّ في الإظْهارِ في مَقامِ الإضْمارِ، وجُوِّزَ أنْ يُقالَ: المُرادُ أنَّ كُلَّ عَيْنٍ لا تَرى نَفْسَها ﴿وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾
103
- فَيُدْرِكُ سُبْحانَهُ ما لا يُدْرِكُهُ الأبْصارُ فالجُمْلَةُ سِيقَتْ لِوَصْفِهِ تَعالى بِما يَتَضَمَّنُ تَعْلِيلَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (وهُوَ) إلَخْ
وجَوَّزَ غَيْرُ واحِدٍ أنْ يَكُونَ ما ذُكِرَ مِن بابِ اللَّفِّ فَإنَّ اللَّطِيفَ يُناسِبُ كَوْنَهُ غَيْرَ مُدْرَكٍ بِالفَتْحِ، والخَبِيرُ يُناسِبُ كَوْنَهُ تَعالى مُدْرِكًا بِالكَسْرِ. واللَّطِيفُ مُسْتَعارٌ مِن مُقابِلِ الكَثِيفِ لِما لا يُدْرِكُهُ بِالحاسَّةِ مِنَ الشَّيْءِ الخَفِيِّ
ويُفْهَمُ مِن ظاهِرِ كَلامِ البَهائِيِّ -كَما قالَ الشِّهابُ- أنَّهُ لا اسْتِعارَةَ في ذَلِكَ حَيْثُ قالَ في شَرْحِ أسْماءِ اللَّهِ تَعالى الحُسْنى: اللَّطِيفُ الَّذِي يُعامِلُ عِبادَهُ بِاللُّطْفِ وألْطافُهُ جَلَّ شَأْنُهُ لا تَتَناهى ظَواهِرُها وبَواطِنُها في الأُولى والأُخْرى ﴿وإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾، وقِيلَ: اللَّطِيفُ العَلِيمُ بِالغَوامِضِ والدَّقائِقِ مِنَ المَعانِي والحَقائِقِ؛ ولِذا يُقالُ لِلْحاذِقِ في صَنْعَتِهِ: لِطَيْفٌ
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِنَ اللَّطافَةِ المُقابِلَةِ لِلْكَثافَةِ وهو وإنْ كانَ في ظاهِرِ الِاسْتِعْمالِ مِن أوْصافِ الجِسْمِ لَكِنَّ اللَّطافَةَ المُطْلَقَةَ لا تُوجَدُ في الجِسْمِ لِأنَّ الجِسْمِيَّةَ يَلْزَمُها الكَثافَةُ وإنَّما لَطافَتُها بِالإضافَةِ، فاللَّطافَةُ المُطْلَقَةُ لا يَبْعُدُ أنْ يُوصَفَ بِها النُّورُ المُطْلَقُ الَّذِي يَجِلُّ عَنِ ادِّراكِ البَصائِرِ فَضْلًا عَنِ الأبْصارِ ويَعِزُّ عَنْ شُعُورِ الأسْرارِ فَضْلًا عَنِ الأفْكارِ ويَتَعالى عَنْ مُشابَهَةِ الصُّوَرِ والأمْثالِ ويُنَزَّهُ عَنْ حُلُولِ الألْوانِ والأشْكالِ فَإنَّ كَما اللَّطافَةَ إنَّما يَكُونُ لِمَن هَذا شَأْنُهُ ووَصْفُ الغَيْرِ بِها لا يَكُونُ عَلى الِإطْلاقِ بَلِ بِالقِياسِ إلى ما هو دُونَهُ في اللَّطافَةِ ويُوصَفُ إلَيْهِ بِالكَثافَةِ، انْتَهى. والمُرَجَّحُ أنَّ إطْلاقَ اللَّطِيفِ بِمَعْنى مُقابِلِ الكَثِيفِ عَلى ما يَنْساقُ إلى الذِّهْنِ عَلى اللَّهِ تَعالى لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ أصْلًا كَما لا يَخْفى
{"ayah":"لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَهُوَ یُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَـٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلۡخَبِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











