الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ حالِ ما أُخِذَ مِن أمْوالِهِمْ بَعْدَ بَيانِ ما حَلَّ بِأنْفُسِهِمْ مِنَ العَذابِ العاجِلِ والآجِلِ وما فُعِلَ بِدِيارِهِمْ ونَخِيلِهِمْ مِنَ التَّخْرِيبِ والقَطْعِ أيْ ما أعادَهُ اللَّهُ تَعالى إلى رَسُولِهِ ﷺ مِن أُولَئِكَ الكَفَرَةِ - وهم بَنُو النَّضِيرِ - وما مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ، والجُمْلَةُ بَعْدَها صِلَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ كَما أشَرْنا إلَيْهِ، والجُمْلَةُ المُقْتَرِنَةُ بِالفاءِ بَعْدُخَبَرٌ، ويَجُوزُ كَوْنُها شَرْطِيَّةً، والجُمْلَةُ بَعْدُ جَوابٌ، والمُرادُ بِما أفاءَ سُبْحانَهُ عَلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنهم أمْوالُهُمُ الَّتِي بَقِيَتْ بَعْدَ جَلائِهِمْ، والمُرادُ بِإعادَتِها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَحْوِيلُها إلَيْهِ، وهو إنْ لَمْ يَقْتَضِ سَبْقَ حُصُولِها لَهُ ﷺ نَظِيرَ ما قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ”أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا“ [الأعْرافَ: 88، إبْراهِيمَ: 13] ظاهِرٌ وإنِ اقْتَضى سَبْقَ الحُصُولِ كانَ فِيما ذُكِرَ مَجازًا، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّها كانَتْ حَرِيَّةً بِأنْ تَكُونَ لَهُ ﷺ وإنَّما وقَعَتْفِي أيْدِيهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَأرْجَعَها اللَّهُ تَعالى إلى مُسْتَحِقِّها، وكَذا شَأْنُ جَمِيعِ أمْوالِ الكَفَرَةِ الَّتِي تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُؤْمِنِينَ لِأنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ النّاسَ لِعِبادَتِهِ وخَلَقَ ما خَلَقَ مِنَ الأمْوالِ لِيَتَوَسَّلُوا بِهِ إلى طاعَتِهِ فَهو جَدِيرٌ بِأنْ يَكُونَ لِلْمُطِيعِينَ، ولِذا قِيلَ لِلْغَنِيمَةِ الَّتِي لا تَلْحَقُ فِيها مَشَقَّةٌ: فَيْءٌ مَعَ أنَّهُ مِن فاءَ الظِّلُّ إذا رَجَعَ، ونَقَلَ الرّاغِبُ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالفَيْءِ الَّذِي هو الظِّلُّ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ أشْرَفَ أعْراضِ الدُّنْيا يَجْرِي مَجْرى ظِلٍّ زائِلٍ، و”أفاءَ“ عَلى ما في البَحْرِ بِمَعْنى المُضارِعِ أمّا إذا كانَتْ ما شَرْطِيَّةً فَظاهِرٌ، وأمّا إذا كانَتْ مَوْصُولَةً فَلِأنَّها إذا كانَتِ الفاءُ في خَبَرِها تَكُونُ مُشَبَّهَةً بِاسْمِالشَّرْطِ فَإنْ كانَتِ الآيَةُ نازِلَةً قَبْلَ جَلائِهِمْ كانَتْ مُخْبِرَةً بِغَيْبٍ، وإنْ كانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ جَلائِهِمْ وحُصُولِ أمْوالِهِمْ في يَدِ الرَّسُولِ ﷺ كانَتْ بَيانًا لِما يُسْتَقْبَلُ، وحُكْمُ الماضِي حُكْمُهُ، والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الأخْبارُ أنَّها نَزَلَتْ بَعْدُ، رُوِيَ أنَّ بَنِي النَّضِيرِ لَمّا أُجْلُوا عَنْ أوْطانِهِمْ وتَرَكُوا رِباعَهم وأمْوالَهم طَلَبَ المُسْلِمُونَ تَخْمِيسَها كَغَنائِمِ بَدْرٍ فَنَزَلَ ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ﴾ إلَخْ فَكانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً، فَقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهم عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمّا أفاءَ اللَّهُ تَعالى عَلى رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ وكانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً فَكانَ يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ مِنها نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ ما بَقِيَ في السِّلاحِ والكُراعِ عُدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى.(p-45)
وقالَ الضَّحّاكُ: كانَتْ لَهُ ﷺ خاصَّةً فَآثَرَ بِها المُهاجِرِينَ وقَسَّمَها عَلَيْهِمْ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ مِنها شَيْئًا إلّا أبا دُجانَةَ سِماكَ بْنَ خُرَشَةَ وسَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ والحارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ أعْطاهم لِفَقْرِهِمْ، وذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ هِشامٍ إلّا أنَّهُ ذَكَرَ الأوَّلَيْنِ ولَمْ يَذْكُرِ الحارِثَ، وكَذا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ سَيِّدِ النّاسِ، وذَكَرَ أنَّهُ أعْطى سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ سَيْفًا لِابْنِ أبِي الحَقِيقِ كانَ لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهم، ومَعْنى ما ﴿أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ﴾ ما أجْرَيْتُمْ عَلى تَحْصِيلِهِ مِنَ الوَجِيفِ وهو سُرْعَةُ السَّيْرِ، وأنْشَدَ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ قَوْلَ نُصَيِّبٍ:
؎ألا رُبَّ رَكْبٍ قَدْ قَطَعْتَ وجِيفَهم إلَيْكَ ولَوْلا أنْتَ لَمْ تُوجَفِ الرَّكْبُ
وقالَ ابْنُ هِشامٍ: «أوْجَفْتُمْ» حَرَّكْتُمْ وأتْعَبْتُمْ في السَّيْرِ، وأنْشَدَ قَوْلَ تَمِيمِ بْنِ مُقْبِلٍ:
؎مَذاوِيدُ بِالبَيْضِ الحَدِيثِ صِقالُها ∗∗∗ عَنِ الرَّكْبِ أحْيانًا إذا الرَّكْبُ أوَجَفُوا
والمَآلُ واحِدٌ، و”مِن“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن خَيْلٍ﴾ زائِدَةٌ في المَفْعُولِ لِلتَّنْصِيصِ عَلى الِاسْتِغْراقِ كَأنَّهُ قِيلَ - فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ - فَرْدًا مِن أفْرادِ الخَيْلِ أصْلًا ﴿ولا رِكابٍ﴾ ولا ما يُرْكَبُ مِنَ الإبِلِ غُلِّبَ فِيهِ كَما غُلِّبَ الرّاكِبُ عَلى راكِبِهِ فَلا يُقالُ في الأكْثَرِ الفَصِيحِ: راكِبٌ لِمَن كانَ عَلى فَرَسٍ أوْ حِمارٍ ونَحْوِهِ بَلْ يُقالُ: فارِسٌ ونَحْوُهُ، وإنْ كانَ ذَلِكَ عامًّا لِغَيْرِهِ وضْعًا، وإنَّما لَمْ يُعْمِلُوا الخَيْلَ ولا الرِّكابَ بَلْ مَشَوْا إلى حُصُونِ بَنِي النَّضِيرِ رِجالًا إلّا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإنَّهُ كانَ عَلى الحِمارِ. أوْ عَلى جَمَلٍ - كَما تَقَدَّمَ - لِأنَّها قَرِيبَةٌ عَلى نَحْوِ مِيلَيْنِ مِنَ المَدِينَةِ فَهي قَرِيبَةٌ جِدًّا مِنها، وكانَ المُرادُ أنَّ ما حَصَلَ لَمْ يَحْصُلْ بِمَشَقَّةٍ عَلَيْكم وقِتالٍ يُعْتَدُّبِهِ مِنكم، ولِهَذا لَمْ يُعْطِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأنْصارَ إلّا مَن سَمِعْتَ، وأمّا إعْطاؤُهُ المُهاجِرِينَ فَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِمْ غُرَباءَ فَنَزَلَتْ غُرْبَتُهم مَنزِلَةَ السَّفَرِ والجِهادِ، ولَمّا أُشِيرَ إلى نَفْيِ كَوْنِ حُصُولِ ذَلِكَ بِعَمَلِهِمْ أُشِيرَ إلى عِلَّةِ حُصُولِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ﴾ أيْ ولَكِنَّ سُنَّتَهُ عَزَّ وجَلَّ جارِيَةٌ عَلى أنْ يُسَلِّطَ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ مِن أعْدائِهِمْ تَسْلِيطًا خاصًّا، وقَدْ سَلَّطَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى هَؤُلاءِ تَسْلِيطًا غَيْرَ مُعْتادٍ مِن غَيْرِ أنْ تَقْتَحِمُوا مَضايِقَ الخُطُوبِ وتُقاسُوا شَدائِدَ الحُرُوبِ فَلا حَقَّ لَكم في أمْوالِهِمْ، ويَكُونُ أمْرُها مُفَوَّضًا إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَيَفْعَلُ ما يَشاءُ كَما يَشاءُ تارَةً عَلى الوُجُوهِ المَعْهُودَةِ، وأُخْرى عَلى غَيْرِها، وقِيلَ: الآيَةُ في فَدَكٍ لِأنَّ بَنِي النَّضِيرِ حُوصِرُوا وقُوتِلُوا دُونَ أهْلِ فَدَكٍ وهو خِلافُ ما صَحَّتْ بِهِ الأخْبارُ، والواقِعُ مِنَ القِتالِ شَيْءٌ لا يُعْتَدُّ بِهِ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَاۤ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ خَیۡلࣲ وَلَا رِكَابࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق