الباحث القرآني
﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: نَزَلَتْ في اليَهُودِ والمُنافِقِينَ كانُوا يَتَناجَوْنَ دُونَ المُؤْمِنِينَ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ ويَتَغامَزُونَ بِأعْيُنِهِمْ عَلَيْهِمْ يُوهِمُونَهم عَنْ أقارِبِهِمْ أنَّهم أصابَهم شَرٌّ فَلا يَزالُونَ كَذَلِكَ حَتّى تَقَدَّمَ أقارِبُهم فَلَمّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنهم شَكا المُؤْمِنُونَإلى الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَنَهاهم أنْ يَتَناجَوْا دُونَ المُؤْمِنِينَ فَعادُوا لِمِثْلِ فِعْلِهِمْ، وقالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في اليَهُودِ.(p-26)
وقالَ ابْنُ السّائِبِ: في المُنافِقِينَ، والخِطابُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والهَمْزَةُ لِلتَّعْجِيبِ مِن حالِهِمْ، وصِيغَةُ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَكَرُّرِ عَوْدِهِمْ وتَجَدُّدِهِ واسْتِحْضارِ صُورَتِهِ العَجِيبَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَتَناجَوْنَ بِالإثْمِ والعُدْوانِ ومَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾ عَطْفٌ عَلَيْهِ داخِلٌ في حُكْمِهِ أيْ ويَتَناجَوْنَ بِما هو إثْمٌ في نَفْسِهِ ووَبالٌ عَلَيْهِمْ وتَعَدٍّ عَلى المُؤْمِنِينَ وتَواصٍ بِمُخالَفَةِ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وذَكَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ بَيْنَ الخِطابَيْنِ المُتَوَجِّهَيْنِ - وإلَيْهِ ﷺ - لِزِيادَةِ تَشْنِيعِهِمْ واسْتِعْظامِ مَعْصِيَتِهِمْ.
وقَرَأ حَمْزَةُ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ ودُوَيْسٌ - ويَنْتَجُونَ - بِنُونٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ الياءِ وضَمِّ الجِيمِ مُضارِعَ انْتَجى، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ -العِدْوانِ - بِكَسْرِ العَيْنِ حَيْثُ وقَعَ، وقُرِئَ - مَعْصِيّاتِ - بِالجَمْعِ ونُسِبَتْ فِيما بَعْدُ إلى الضَّحّاكِ ﴿وإذا جاءُوكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ صَحَّ مِن رِوايَةِ البُخارِيِّ ومُسْلِمٍ وغَيْرِهِما عَنْ عائِشَةَ ««أنَّ ناسًا مِنَ اليَهُودِ دَخَلُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالُوا: السّامُ عَلَيْكَ يا أبا القاسِمِ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: وعَلَيْكم، قالَتْ عائِشَةُ: وقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السّامُ ولَعَنَكُمُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَيْكم»» وفي رِوايَةٍ ««عَلَيْكُمُ السّامُ والذّامُ واللَّعْنَةُ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفاحِشَ ولا المُتَفَحِّشَ، فَقُلْتُ: ألا تَسْمَعُهم يَقُولُونَ: السّامُ ؟ ! فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أوَما سَمِعْتِ أقُولُ: وعَلَيْكم ؟ !» فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿وإذا جاءُوكَ﴾» الآيَةَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ اليَهُودَ كانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ سامٌ عَلَيْكَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ شَتْمَهُ ثُمَّ يَقُولُونَ في أنْفُسِهِمْ: لَوْلا يُعَذِّبُنا اللَّهُ بِما نَقُولُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿وإذا جاءُوكَ﴾ إلَخْ»، والسّامُ قالَ ابْنُ الأثِيرِ: المَشْهُورُ فِيهِ تَرْكُ الهَمْزِ ويَعْنُونَ بِهِ المَوْتَ، وجاءَ في رِوايَةٍ مَهْمُوزًا ومَعْناهُ أنَّكم تَسْأمُونَ دِينَكم، وصَرَّحَ الخَفاجِيُّ بِأنَّهُ بِمَعْنى المَوْتِ عِبْرانِيٌّ، ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الهَمْزَ وتَرْكَهُ.
وقالَ الطَّبَرْسِيُّ: مَن قالَ: السّامُ المَوْتُ فَهو مِن سَأمَ الحَياةَ بِذَهابِها وهَذا إرْجاعٌ لَهُ إلى المَهْمُوزِ، وجَعَلَ البَيْضاوِيُّ مِنَ التَّحِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُحَيِّهِ بِها اللَّهُ تَعالى تَحِيَّتَهم لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْعِمْ صَباحًا وهي تَحِيَّةُ الجاهِلِيَّةِ كَعِمْ صَباحًا ولَمْ نَقِفْ عَلى أثَرٍ في ذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَقُولُونَ في أنْفُسِهِمْ﴾ أيْ فِيما بَيْنَهم، وجُوِّزَ إبْقاؤُهُ عَلى ظاهِرِهِ ﴿لَوْلا يُعَذِّبُنا اللَّهُ بِما نَقُولُ﴾ أيْ هَلّا يُعَذِّبُنا اللَّهُ تَعالى بِسَبَبِ ذَلِكَ لَوْ كانَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَبِيًّا - أيْ لَوْ كانَ نَبِيًّا عَذَّبَنا اللَّهُ تَعالى بِسَبَبِ ما نَقُولُ مِنَ التَّحِيَّةِ - أوْفَقُ بِالأوَّلِ لِأنَّ أنْعِمْ صَباحًا دُعاءٌ بِخَيْرٍ والعُدُولُ إلَيْهِ عَنْ تَحِيَّةِ الإسْلامِ الَّتِي حَيّا اللَّهُ تَعالى بِها رَسُولَهُ صَلى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأُشِيرَ إلَيْها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ﴾ [الصّافّاتِ: 181] ﴿وسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى﴾ [النَّمْلَ: 59] وما جاءَ في التَّشَهُّدِ ««السَّلامَ عَلَيْكَ أيُّها النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ»» لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ إثْمٍ يُتَوَقَّعُ مَعَهُ التَّعْذِيبُ الدُّنْيَوِيُّ حَتّى أنَّهم يَقُولُونَ ذَلِكَ إذا لَمْ يُعَذَّبُوا اللَّهُمَّ إلّا إذا انْضَمَّ إلَيْهِ أنَّهم قَصَدُوا بِذَلِكَ تَحْقِيرًا وإعْلانًا بِعَدَمِ الِاكْتِراثِ، ولَعَلَّ قائِلَ ذَلِكَ هُمُ المُنافِقُونَ مِنَ المُشْرِكِينَ وهو أظْهَرُ مِن كَوْنِ قائِلِهِ اليَهُودُ، وحُكْمُ التَّحِيَّةِ بِهِ اليَوْمَ أنَّها خِلافُ السُّنَّةِ، والقَوْلُ بِالكَراهَةِ غَيْرُ بَعِيدٍ.
وفِي تُحْفَةِ المُحْتاجِ لا يَسْتَحِقُّ مُبْتَدى بِنَحْوِ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالخَيْرِ أوْ قَوّاكَ اللَّهُ جَوابًا ودُعاؤُهُ لَهُ في نَظِيرِهِ حَسَنٌ إلّا أنْ يَقْصِدَ بِإهْمالِهِ لَهُ تَأْدِيبَهُ لِتَرْكِهِ سُنَّةَ السَّلامِ. انْتَهى، وأنْعِمْ صَباحًا نَحْوَ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالخَيْرِ، غايَةُ ما في البابِ أنَّهُ (p-27)
دُعاءٌ كانَ يُسْتَعْمَلُ تَحِيَّةً في الجاهِلِيَّةِ، نَعَمْ تَحِيَّتُهم بِهِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى الوَجْهِ الَّذِي قَصَدُوهُ حَرامٌ بِلا خِلافٍ ﴿حَسْبُهم جَهَنَّمُ﴾ عَذابًا ﴿يَصْلَوْنَها﴾ يَدْخُلُونَها أوْ يُقاسُونَ حَرَّها أوْ يَصْطَلُونَ بِها.
﴿فَبِئْسَ المَصِيرُ﴾ أيْ جَهَنَّمُ
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ نُهُوا۟ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ یَعُودُونَ لِمَا نُهُوا۟ عَنۡهُ وَیَتَنَـٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَمَعۡصِیَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَاۤءُوكَ حَیَّوۡكَ بِمَا لَمۡ یُحَیِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَیَقُولُونَ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا یُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ یَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق