الباحث القرآني

﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ مَنصُوبٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ اللّامُ مِنَ الِاسْتِقْرارِ، (p-23) أوْ - بِمُهِينٍ - أوْ بِإضْمارِ اذْكُرْ أيِاذْكُرْ ذَلِكَ اليَوْمَ تَعْظِيمًا لَهُ وتَهْوِيلًا، وقِيلَ مَنصُوبٌ بِيكُونَ مُضْمَرًا عَلى أنَّهُ جَوابٌ لِمَن سَألَ مَتى يَكُونُ عَذابُ هَؤُلاءِ ؟ فَقِيلَ لَهُ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ﴾ أيْ يَكُونُ يَوْمَ إلَخْ، وقِيلَ: بِالكافِرِينَ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿جَمِيعًا﴾ حالٌ جِيءَ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ، والمَعْنى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ تَعالى كُلَّهم بِحَيْثُ لا يَبْقى مِنهم أحَدٌ غَيْرُ مَبْعُوثٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا غَيْرَ مُؤَكِّدَةٍ أيْ يَبْعَثُهم مُجْتَمَعِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ ﴿فَيُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا﴾ مِنَ القَبائِحِ بِبَيانِ صُدُورِها عَنْهم أوْ بِتَصْوِيرِها في تِلْكَ النَّشْأةِ بِما يَلِيقُ بِها مِنَ الصُّوَرِ الهائِلَةِ عَلى رُؤُوسِ الأشْهادِ تَخْجِيلًا لَهم وتَشْهِيرًا بِحالِهِمْ وزِيادَةً في خِزْيِهِمْ ونَكالِهِمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أحْصاهُ اللَّهُ﴾ اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَمّا نَشَأ مِمّا قَبْلَهُ مِنَ السُّؤالِ إمّا عَنْ كَيْفِيَّةِ التَّنْبِئَةِ أوْ عَنْ سَبَبِها كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يُنَبِّئُهم بِأعْمالِهِمْ وهي أعْراضٌ مُتَقَضِّيَةٌ مُتَلاشِيَةٌ ؟ فَقِيلَ: أحْصاهُ اللَّهُ تَعالى عَدَدًا ولَمْ يَفُتْهُ سُبْحانَهُ مِنهُ شَيْءٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَسُوهُ﴾ حِينَئِذٍ حالٌ مِن مَفْعُولِ - أحْصى - بِإضْمارِ قَدْ أوْ بِدُونِهِ، أوْ قِيلَ: لِمَ يُنَبِّئُهم بِذَلِكَ ؟ فَقِيلَ: أحْصاهُ اللَّهُ تَعالى ونَسُوهُ فَيُنَبِّئُهم بِهِ لِيَعْرِفُوا أنَّ ما عايَنُوهُ مِنَ العَذابِ إنَّما حاقَ بِهِمْ لِأجْلِهِ، وفِيهِ مَزِيدُ تَوْبِيخٍ وتَنْدِيمٍ لَهم غَيْرالتَّخْجِيلِ والتَّشْهِيرِ ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ لا يَغِيبُ عَنْهُ أمْرٌ مِنَ الأُمُورِ أصْلًا، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرَّرٌ لِإحْصائِهِ تَعالى أعْمالَهم، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ اسْتِشْهادٌ عَلى شُمُولِ شَهادَتِهِ تَعالى أيْ ألَمْ تَعْلَمْ أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَعْلَمُ ما فِيهِما مِنَ المَوْجُوداتِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرارِ فِيهِما أوْ بِالجُزْئِيَّةِ مِنهُما. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ﴾ إلَخْ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ مِن سِعَةِ عِلْمِهِ تَعالى، ويَكُونُ مِن كانَ التّامَّةِ، ومِن مَزِيدَةٌ، ونَجْوى فاعِلٌ وهي مَصْدَرٌ بِمَعْنى التَّناجِي وهو المُسارَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّجْوَةِ وهي ما ارْتَفَعَ مِنَ الأرْضِ لِأنَّ المُتَسارَّيْنِ يَخْلُوانِ وحْدَهُما بِنَجْوَةٍ مِنَ الأرْضِ، أوْ لِأنَّ السِّرَّ يُصانُ فَكَأنَّهُ رُفِعَ مِن حَضِيضِ الظُّهُورِ إلى أوْجِ الخَفاءِ، وقِيلَ: أصْلُ ناجَيْتُهُ مِنَ النَّجاةِ وهو أنْ تَعاوُنَهُ عَلى ما فِيهِ خَلاصُهُ أوْ أنْ تَنْجُوَ بِسِرِّكَ مِن أنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ وهي مُضافَةٌ إلى ثَلاثَةٍ أيْ ما يَقَعُ مِن تَناجِي ثَلاثَةِ نَفَرٍ وقَدْ يُقَدَّرُ مُضافٌ أيْ مِن ذَوِي نَجْوى، أوْ يُؤَوَّلُ نَجْوى بِمُتَناجِينَ - فَثَلاثَةٌ - صِفَةٌ لِلْمُضافِ المُقَدَّرِ، أوْ لِنَجْوى المُؤَوَّلِبِما ذُكِرَ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ بَدَلًا أيْضًا والتَّأْوِيلُ والتَّقْدِيرُ المَذْكُورانِ لِيَتَأتّى الِاسْتِثْناءُ الآتِي مِن غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وفي القامُوسِ النَّجْوى السِّرُّ والمُسارُّونَ اسْمُ مَصْدَرِ، وظاهِرُهُ أنَّ اسْتِعْمالَهُ في كُلٍّ حَقِيقَةٌ فَإذا أُرِيدَ المُسارُّونَ لَمْ يَحْتَجْ إلى تَقْدِيرٍ أوْ تَأْوِيلٍ لَكِنْ قالَ الرّاغِبُ: إنِ النَّجْوى أصْلُهُ المَصْدَرُ كَما في الآياتِ بَعْدُ، وقَدْ يُوصَفُ بِهِ فَيُقالُ: هو نَجْوى، وهم نَجْوى، قالَ تَعالى: ﴿وإذْ هم نَجْوى﴾ [الإسْراءَ: 47] وعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن بابِ زَيْدٌ عَدْلٌ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ وأبُو حَيْوَةَ وشَيْبَةُ - ما تَكُونُ -بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ لِتَأْنِيثِ الفاعِلِ، والقِراءَةِ بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلى أنَّ النَّجْوى تَأْنِيثُها غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، ومِن فاصِلَةٌ أوْ عَلى أنَّ المَعْنى ما يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ النَّجْوى، واخْتارَ في الكَشْفِ الثّانِيَ، فَقالَ: هو الوَجْهُ لِأنَّ المُؤَنَّثَ وحْدَهُ لَمْ يُجْعَلْ فاعِلًا لَفْظًا لِوُجُودِ مِن ولا مَعْنى لِأنَّ المَعْنى شَيْءٌ مِنها، فالتَّذْكِيرُ هو الوَجْهُ لَفْظًا ومَعْنى، وهو قِراءَةُ العامَّةِ. انْتَهى، وإلى نَحْوِهِ يُشِيرُ كَلامُ صاحِب ِاللَّوامِحِ، وصَرَّحَ بِأنَّ الأكْثَرَ في هَذا البابِ التَّذْكِيرُ، وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِالمَنعِ وأنَّ الأكْثَرَ التَّأْنِيثُ وأنَّهُ القِياسُ (p-24) قالَ تَعالى: ﴿وما تَأْتِيهِمْ مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِمْ﴾ [الأنْعامَ: 4] ”﴿ما تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ أجَلَها﴾“ [الحِجْرَ: 5، المُؤْمِنُونَ: 43] فَتَأمَّلْ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إلا هو رابِعُهُمْ﴾ اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ، والرّابِعُ لِإضافَتِهِ إلى غَيْرِ مُماثِلِهِ هُنا بِمَعْنى الجاعِلِالمَصِيرَ لَهم أرْبَعَةً أيْ ما يَكُونُونَ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا في حالِ تَصْيِيرِ اللَّهِ تَعالى لَهم أرْبَعَةً حَيْثُ إنَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَطَّلِعُ أيْضًا عَلى نَجْواهم، وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا خَمْسَةٍ﴾ أيْ ولا نَجْوى خَمْسَةٍ ﴿إلا هو سادِسُهم ولا أدْنى﴾ أيْ ولا نَجْوى أدْنى ﴿مِن ذَلِكَ﴾ أيْ مِمّا ذُكِرَ كالِاثْنَيْنِ والأرْبَعَةِ ﴿ولا أكْثَرَ﴾ كالسِّتَّةِ وما فَوْقَها. ﴿إلا هو مَعَهُمْ﴾ يَعْلَمُ ما يَجْرِي بَيْنَهم ﴿أيْنَ ما كانُوا﴾ مِنَ الأماكِنِ، ولَوْ كانُوا في بَطْنِ الأرْضِ فَإنَّ عِلْمَهُ تَعالى بِالأشْياءِ لَيْسَ لِقُرْبٍ مَكانِيٍّ حَتّى يَتَفاوَتَ بِاخْتِلافِ الأمْكِنَةِ قُرْبًا وبُعْدًا، وفي الدّاعِي إلى تَخْصِيصِ الثَّلاثَةِ والخَمْسَةِ، وجْهانِ: أحَدُهُما أنَّ قَوْمًا مِنَ المُنافِقِينَ تَخَلَّفُوا لِلتَّناجِي مُغايَظَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى هَذَيْنِ العَدَدَيْنِ ثَلاثَةً وخَمْسَةً، فَقِيلَ: ما يَتَناجى مِنهم ثَلاثَةٌ ولا خَمْسَةٌ كَما تَرَوْنَهم يَتَناجَوْنَ كَذَلِكَ ولا أدْنى مِن عَدَدِهِمْ ولا أكْثَرَ إلّا واللَّهُ تَعالى مَعَهم يَعْلَمُ ما يَقُولُونَ. فالآيَةُ تَعْرِيضٌ بِالواقِعِ عَلى هَذا، وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ في رَبِيعَةَ وحَبِيبٍ ابْنَيْ عَمْرٍو وصَفْوانَ بْنِ أُمَيَّةَ كانُوا يَوْمًا يَتَحَدَّثُونَ فَقالَ أحَدُهم: أتَرى أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما نَقُولُ ؟ فَقالَ الآخَرُ: يَعْلَمُ بَعْضًا ولا يَعْلَمُ بَعْضًا، وقالَ الثّالِثُ: إنْ كانَ يَعْلَمُ بَعْضًا فَهو يَعْلَمُهُ كُلَّهُ أيْ لِأنَّ مَن عَلِمَ بَعْضَ الأشْياءِ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَقَدْ عَلِمَها كُلَّها لِأنَّ كَوْنَهُ عالِمًا بِغَيْرِ سَبَبٍ ثابِتٍ لَهُ مَعَ كُلِّ مَعْلُومٍ، والثّانِي أنَّهُ قَصَدَ أنْ يَذْكُرَ ما جَرَتْ عَلَيْهِ العادَةُ مِن أعْدادِ أهْلِ النَّجْوى والجالِسِينَ في خَلْوَةٍ لِلشُّورى والمُنْتَدَبُونَ لِذَلِكَ إنَّما هم طائِفَةٌ مُجْتَباةٌ مِن أُولِي الأحْلامِ والنُّهى، وأوَّلُ عَدَدِهِمُ الِاثْنانِ فَصاعِدًا إلى خَمْسَةٍ إلى سِتَّةٍ إلى ما اقْتَضَتْهُ الحالُ، وحَكَمَ بِهِ الِاسْتِصْوابُ، فَذَكَرَ عَزَّ وجَلَّ الثَّلاثَةَ والخَمْسَةَ، وقالَ سُبْحانَهُ: ﴿ولا أدْنى مِن ذَلِكَ﴾ فَدَلَّ عَلى الِاثْنَيْنِ والأرْبَعَةِ، قالَ تَعالى: ﴿ولا أكْثَرَ﴾ فَدَلَّ عَلى ما يَلِي هَذا العَدَدَ ويُقارِبُهُ كَذا في الكَشّافِ. وفِي الكَشْفِ في خُلاصَةِ الوَجْهِ الثّانِي أنَّهُ خُصَّ العَدَدانِ عَلى المُعْتادِ مِن عَدَدِ أهْلِ النَّجْوى فَإنَّهم قَلِيلُو العَدَدِ غالِبًا فَلَزِمَ أنْ يُخَصَّ بِالذِّكْرِ نَحْوُ الثَّلاثَةِ والأرْبَعَةِ إلى الثَّمانِيَةِ والتِّسْعَةِ فَأُوثِرالثَّلاثَةُ لِيَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا أدْنى مِن ذَلِكَ﴾ دالًّا عَلى ما تَحْتَها إذْ لَوْ أُوثِرَ الأرْبَعَةُ والسِّتَّةُ مَثَلًا كانَ الأدْنى الثَّلاثَةُ دُونَ الِاثْنَيْنِ إلّا عَلى التَّوَسُّعِ ولَمّا أُوثِرَتْ جِيءَ بِالخَمْسَةِ لِتُناسِبَ الوَتْرَيْنِ وكانَ الأمْرُ دائِرًا بَيْنَ الثَّلاثَةِ والخَمْسَةِ والأرْبَعَةِ والسِّتَّةِ فَأُوثِرا بِالتَّصْرِيحِ لِذَلِكَ، ولِأنَّهُ تَعالى وتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ. انْتَهى. وقَدْ يُقالُ: إنَّ التَّناجِيَ يَكُونُ في الغالِبِ لِلشُّورى وهي لا تَكُونُ إلّا بَيْنَ عَدَدٍ وأهْلُها قَلِيلُو العَدَدِ غالِبًا، والألْيَقُأنْ يَكُونَ وتْرًا مِنَ الأعْدادِ كالثَّلاثَةِ والخَمْسَةِ والسَّبْعَةِ والتِّسْعَةِ لِيَتَحَقَّقَ عِنْدَ الِاخْتِلافِ طَرَفٌ يَتَرَجَّحُ بِالزِّيادَةِ عَلى الطَّرَفِ الآخَرِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ دُونَهُ كَما هو العادَةُ اليَوْمَ عِنْدَ اخْتِلافِ أهْلِ الشُّورى. وجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ الشُّورى في سِتَّةٍ لِانْحِصارِ الأمْرِ فِيهِمْ كَما يَدُلُّ عَلى قَوْلِهِ لَهم: نَظَرْتُ فَوَجَدْتُكم رُؤَساءَ النّاسِ وقادَتَهم، ولا يَكُونُ هَذا الأمْرُ إلّا فِيكم، وقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو عَنْكم راضٍ، ومَعَ هَذا أمَرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنْ يَحْضُرَ مَعَهم وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِن أمْرِ الخِلافَةِ شَيْءٌ، فَدارَ الأمْرُ بَعْدَ اعْتِبارِ ما ذُكِرَ مِن وتَرِيَّةِ العَدَدِ وقِلَّتِهِ بَيْنَ الثَّلاثَةِ والخَمْسَةِ والسَّبْعَةِ والتِّسْعَةِ فاخْتِيرَتِ الثَّلاثَةُ لِأنَّها أوَّلُ الأوْتارِ العَدَدِيَّةِ وإذا ضُرِبَتْ في نَفْسِها حَصَلَ مُنْتَهاها مِنَ الآحادِ ولا يَخْلُو مِنها اعْتِبارُ كُلِّ مُمْكِنٍ حَتّى (p-25) أنَّ المَطالِبَ الفِكْرِيَّةَ لِلْمُتَناجِينَ مَثَلًا لا تَتِمُّ بِدُونِ ثَلاثَةِ أشْياءَ: المَوْضُوعُ والمَحْمُولُ والحَدُّ الأوْسَطُبَلِ القَضِيَّةُ الَّتِي يُتَناجى لَها لا بُدَّ فِيها مِن ثَلاثَةِ أجْزاءٍ، والخَمْسَةُ لِأنَّها عَدَدٌ دائِرٌ لا تَنْعَدِمُ بِالضَّرْبِ في نَفْسِها، وكَذا بِضَرْبِالحاصِلِ في نَفْسِهِ إلى ما لا يَتَناهى فَلَها شَبَهٌ بِالثَّلاثَةِ مِن حَيْثُ إنَّها دائِرَةٌ مَعَ مَراتِبِ الضَّرْبِ لا تَنْعَدِمُ أصْلًا كَما أنَّ الثَّلاثَةَ دائِرَةٌ مَعَ اعْتِباراتِ المُمْكِنِ لا تَنْعَدِمُ أصْلًا، ومَعَ ذَلِكَ هي عَدَدُ المَشاعِرِ الَّتِي يَحْتاجُ إلَيْها التَّناجِي، وكَذا عَدَدُ الحَواسِّ الظّاهِرَةِ، ويَدْخُلُ ما عَداهُما في عُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا أدْنى مِن ذَلِكَ ولا أكْثَرَ إلا هو مَعَهُمْ﴾ ولا يَدْخُلُ في العُمُومِ الواحِدُ لِأنَّ التَّناجِيَ لِلْمُشاوَرَةِ لا بُدَّ فِيهِ مِنَ اثْنَيْنِ فَأكْثَرَ، ومَن أدْخَلَهُ لَمْ يَعْتَبِرِ التَّناجِيَ لَها ولا يَضُرُّ دُخُولُ الأشْفاعِ فِيهِ لِأنَّ ألْيَقِيَّةَ كَوْنِ المُتَناجِينَ وتْرًا إنَّما كانَتْ نُكْتَةً لِلتَّصْرِيحِ بِالعَدَدَيْنِ السّابِقَيْنِ ولا تَأْبى تَحَقُّقَ النَّجْوى في الأشْفاعِ كَما لا يَخْفى. وادَّعى ابْنُ سُراقَةَ أنَّ النَّجْوى مُخْتَصَّةٌ بِما كانَ بَيْنَ أكْثَرَمِنَ اثْنَيْنِ وأنَّ ما يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُسَمّى سِرارًا، وقالَ ابْنُ عِيسى: كُلُّ سِرارٍ نَجْوى، وفي الآيَةِ لَطائِفُ وأسْرارٌ لا يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ فَلْيُتَأمَّلْ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ «ثَلاثَةً» و«خَمْسَةً» بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ بِإضْمارِ يَتَناجَوْنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَجْوى، أوْ عَلى تَأْوِيلِ نَجْوى بِمُتَناجِينَ ونَصْبُهُما مِنَ المُسْتَكِنِّ فِيهِ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ - إلّا اللَّهُ رابِعُهم ولا أرْبَعَةٌ إلّا اللَّهُ خامِسُهم ولا خَمْسَةٌ إلّا اللَّهُ سادِسُهم ولا أقَلَّ مِن ذَلِكَ ولا أكْثَرَ إلّا اللَّهُ مَعَهم إذا انْتَجَوْا - وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ أبِي إسْحاقَ والأعْمَشُ وأبُو حَيْوَةَ وسَلّامٌ ويَعْقُوبُ «ولا أكْثَرُ» بِالرَّفْعِ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى مَحَلِّ -لا أدْنى - كَقَوْلِكَ: لا حَوْلَ ولا قُوَّةُ إلّا بِاللَّهِ بِفَتْحِ الحَوْلِ ورَفْعِ القُوَّةِ، ويَجُوزُ أنَّ يُعْتَبَرَ «أدْنى» مَرْفُوعًا عَلى هَذِهِ القِراءَةِ ورَفْعُهُما عَلى الِابْتِداءِ، والجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَ إلّا هي الخَبَرُ، أوْ عَلى العَطْفِ عَلى مَحَلِّ مِن نَجْوى كَأنَّهُ قِيلَ: ما يَكُونُ أدْنى ولا أكْثَرُ إلّا هو مَعَهم، وأكْثَرَ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِالفَتْحِ مَعْطُوفًا عَلى لَفْظِ نَجْوى كَأنَّهُ قِيلَ: ما يَكُونُ مِن أدْنى ولا أكْثَرَ إلّا هو مَعَهم، وأنْ يَكُونَ مَفْتُوحًا لِأنَّ لا لِنَفْي ِالجِنْسِ، وقَرَأ كُلٌّ مِنَ الحَسَنِ ويَعْقُوبَ أيْضًا ومُجاهِدٍ والخَلِيلِ ابْنِ أحْمَدَ - ولا أكْبَرُ -بِالباءِ المُوَحَّدَةِ والرَّفْعِ وهو عَلى ما سَمِعْتَ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ﴾ تَفْضِيحًا لَهم وإظْهارًا لِما يُوجِبُ عَذابَهم. وقُرِئَ «يُنْبِئُهم» بِالتَّخْفِيفِ والهَمْزِ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِالتَّخْفِيفِ وتَرْكِ الهَمْزِ وكَسْرِ الهاءِ. ﴿إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لِأنَّ نِسْبَةَ ذاتِهِ المُقْتَضِي لِلْعِلْمِ إلى الكُلِّ عَلى السَّواءِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب