الباحث القرآني

﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ خِطابٌ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أوْ لِكُلِّ أحَدٍ يَصْلُحُ لَهُ، وتَجِدُ إمّا مُتَعَدٍّ إلى اثْنَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوادُّونَ﴾ إلَخْ مَفْعُولُهُ الثّانِي، وإمّا مُتَعَدٍّ إلى واحِدٍ فَهو حالٌ مِن مَفْعُولِهِ لِتَخَصُّصِهِ بِالصِّفَةِ، وقِيلَ: صِفَةٌ أُخْرى لَهُ أيْ قَوْمًا جامِعِينَ بَيْنَ الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى واليَوْمِالآخِرِ وبَيْنَمُوادَّةِ أعْداءِ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَيْسَ بِذاكَ، والكَلامُ عَلى ما في الكَشّافِ مِن بابِ التَّخْيِيلِ خُيِّلَ أنَّ مِنَ المُمْتَنِعِ المُحالِ أنْ تَجِدَ قَوْمًا مُؤْمِنِينَ ﴿يُوادُّونَ﴾ المُشْرِكِينَ. والغَرَضُ مِنهُ أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ذَلِكَ وحَقُّهُ أنْ يَمْتَنِعَ ولا يُوجَدَ بِحالٍ مُبالَغَةٌ في النَّهْيِ عَنْهُ والزَّجْرِ عَنْ مُلابَسَتِهِ والتَّصَلُّبِ في مُجانَبَةِ أعْداءِ اللَّهِ تَعالى، وحاصِلُ هَذا عَلى ما في الكَشْفِ أنَّهُ مِن فَرْضِ غَيْرِ الواقِعِ واقِعًا مَحْسُوسًا حَيْثُ نَفى الوِجْدانَ عَلى الصِّفَةِ وأُرِيدَ نَفْيُ انْبِغاءِ الوِجْدانِ عَلى تِلْكَ الصِّفَةِ فَجَعَلَ الواقِعَ نَفْيَ الوِجْدانِ، وإنَّما الواقِعُ نَفْيُ الِانْبِغاءِ فَخُيِّلَ أنَّهُ هو فالتَّصْوِيرُفِي جَعْلِ ما لا يَمْتَنِعُ مُمْتَنِعًا، وقِيلَ: المُرادُ لا تَجِدُ قَوْمًا كامِلِي الإيمانِ عَلى هَذِهِ الحالِ، فالنَّفْيُ باقٍ عَلى حَقِيقَتِهِ، والمُرادُ بِمُوادَّةِ المُحادِّينَ مُوالاتُهم ومُظاهَرَتُهم، والمُضارِعُ قِيلَ: لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ، و﴿مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ ظاهِرٌ في الكافِرِ وبَعْضُ الآثارِ ظاهِرٌ في شُمُولِهِ لِلْفاسِقِ، والأخْبارُ مُصَرِّحَةٌ بِالنَّهْيِ عَنْ مُوالاةِ الفاسِقِينَ كالمُشْرِكِينَ بَلْ قالَ سُفْيانُ: يَرَوْنَ أنَّ الآيَةَ المَذْكُورَةَ نَزَلَتْ فِيمَن يُخالِطُ السُّلْطانَ، وفي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ واثِلَةَ بْنِ الأسْقَعِ مَرْفُوعًا ««يَقُولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى: وعِزَّتِي لا يَنالُ رَحْمَتِي مَن لَمْ يُوالِ أوْلِيائِي ويُعادِ أعْدائِي»» . وأخْرَجَ أحْمَدُ وغَيْرُهُ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ مَرْفُوعًا، «أوْثَقُ الإيمانِ الحُبُّ في اللَّهِ والبُغْضُ في اللَّهِ» . وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مِن طَرِيقِ الحَسَنِ عَنْ مُعاذٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ لِفاجِرٍ - وفي رِوايَةٍ - ولا لِفاسِقِ عَلَيَّ يَدًا ولا نِعْمَةً فَيَوَدُّهُ قَلْبِي فَإنِّي وجَدْتُ فِيما أوْحَيْتَ إلَيَّ ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾»» وحَكى الكَواشِيُّ عَنْ سَهْلٍ أنَّهُ قالَ: مَن صَحَّحَ إيمانَهُ وأخْلَصَ تَوْحِيدَهُ فَإنَّهُ لا يَأْنَسُ إلى مُبْتَدِعٍ ولا يُجالِسُهُ ولا يُؤاكِلُهُ ولا يُشارِبُهُ ولا يُصاحِبُهُ ويُظْهِرُ لَهُ مِن نَفْسِهِ العَداوَةَ والبَغْضاءَ، ومَن داهَنَ مُبْتَدِعًا سَلَبَهُ اللَّهُ تَعالى حَلاوَةَ السُّنَنِ، ومَن تَحَبَّبَ إلى مُبْتَدِعٍ يَطْلُبُ عِزَّ الدُّنْيا أوْ عَرَضًا مِنها أذَلَّهُ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ العِزِّ وأفْقَرَهُ بِذَلِكَ الغِنى ومَن ضَحِكَ إلى مُبْتَدِعٍ نَزَعَ اللَّهُ تَعالى نُورَ الإيمانِ مِن قَلْبِهِ، ومَن لَمْ يُصَدِّقْ فَلْيُجَرِّبْ. انْتَهى. ومِنَ العَجِيبِ أنَّ بَعْضَ المُنْتَسِبِينَ إلى المُتَصَوِّفَةِ - ولَيْسَ مِنهم ولا قُلامَةَ ظُفْرٍ - يُوالِي الظَّلَمَةَ بَلْ مَن لا عَلاقَةَ لَهُ بِالدِّينِ مِنهم ويَنْصُرُهم بِالباطِلِ ويُظْهِرُ مِن مَحَبَّتَهم ما يَضِيقُ عَنْ شَرْحِهِ صَدْرُ القِرْطاسِ، وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِ آياتُ اللَّهِ تَعالى وأحادِيثُ رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الزّاجِرَةُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ: سَأُعالِجُ قَلْبِي بِقِراءَةِ نَحْوِ ورَقَتَيْنِ مِن كِتابِ المَثْنَوِيِّ الشَّرِيفِ لِمَوْلانا جَلال ِالدِّينِ القَوْنَوِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ وأذْهَبَ ظُلْمَتَهُ - إنْ كانَتْ- بِما يَحْصُلُ لِي مِنَ الأنْوارِ حالَ قِراءَتِهِ، وهَذا لَعَمْرِي هو الضَّلالُ البَعِيدُ، ويَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ اجْتِنابُ مِثْلِ هَؤُلاءِ ﴿ولَوْ كانُوا﴾ أيْ مَن حادَّ اللَّهَ تَعالى ورَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والجَمْعُ بِاعْتِبارِ مَعْنى مَن كَما أنَّ الإفْرادَ فِيما قَبْلُ بِاعْتِبارِ لَفْظِها ﴿آباءَهُمْ﴾ أيِ المُوادِّينَ ﴿أوْ أبْناءَهم أوْ إخْوانَهم أوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ فَإنَّ قَضِيَّةَ الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى (p-36) واليَوْمِالآخِرِ الَّذِي يُحْشَرُ المَرْءُ فِيهِ مَعَ مَن أحَبَّ أنْ يَهْجُرُوا الجَمِيعَ بِالمَرَّةِ، ولَيْسَ المُرادُ بِمَن ذُكِرَ خُصُوصُهم وإنَّما المُرادُ الأقارِبُ مُطْلَقًا، وقَدَّمَ الآباءَ لِأنَّهُ يَجِبُ عَلى أبْنائِهِمْ طاعَتُهم ومُصاحَبَتُهم في الدُّنْيا بِالمَعْرُوفِ، وثَنّى بِالأبْناءِ لِأنَّهم أعْلَقُ بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ أكْبادَهم، وثَلَّثَ بِالإخْوانِ لِأنَّهُمُ النّاصِرُونَ لَهم: ؎أخاكَ أخاكَ إنَّ مَن لا أخا لَهُ كَساعٍ إلى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاحٍ وخَتَمَ بِالعَشِيرَةِ لِأنَّ الِاعْتِمادَ عَلَيْهِمْ والتَّناصُرَ بِهِمْ بَعْدَ الإخْوانِ غالِبًا: ؎لَوْ كُنْتُ مِن مازِنٍ لَمْ تُسْتَبَحْ إبِلِي ∗∗∗ بَنُو اللَّقِيطَةِ مِن ذُهْلِ بْنِ شَيْبانا ؎إذًا لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرُ خُشْنٍ ∗∗∗ عِنْدَ الحَفِيظَةِ إنْ ذُو لَوْثَةٍ لانا ؎لا يَسْألُونَ أخاهم حِينَ يَنْدُبُهم ∗∗∗ في النّائِباتِ عَلى ما قالَ بُرْهانا وقَرَأ أبُو رَجاءٍ «وعَشائِرَهم» بِالجَمْعِ ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الَّذِينَ لايُوادُّونَهُمْوَإنْ كانُوا أقْرَبَ النّاسِ إلَيْهِمْ وأمَسَّهم رَحِمًا بِهِمْ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِرِفْعَةِ دَرَجَتِهِمْفِي الفَضْلِ، وهو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ﴾ أيْ أثْبَتَهُ اللَّهُ تَعالى فِيها ولَمّا كانَ الشَّيْءُ يُرادُ أوَّلًا ثُمَّ يُقالُ ثُمَّ يُكْتَبُ عَبَّرَعَنِ المَبْدَأِ بِالمُنْتَهى لِلتَّأْكِيدِ والمُبالَغَةِ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى خُرُوجِ العَمَلِ مِن مَفْهُومِ -الإيمانِ - فَإنَّ جُزْءَ الثّابِتِ في القَلْبِ ثابِتٌ فِيهِ قَطْعًا، ولا شَيْءَ مِن أعْمالِ الجَوارِحِ يَثْبُتُ فِيهِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ «كُتِبَ» مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ «الإيمانُ» بِالرَّفْعِ عَلى النِّيابَةِ عَنِ الفاعِلِ. ﴿وأيَّدَهُمْ﴾ أيْ قَوّاهم ﴿بِرُوحٍ مِنهُ﴾ أيْ مِن عِنْدِهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى أنَّ مِنَ ابْتِدائِيَّةٌ، والمُرادُ بِالرُّوحِ نُورُ القَلْبِ وهو نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ تَعالى في قَلْبِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ تَحْصُلُ بِهِ الطُّمَأْنِينَةُ والعُرُوجُ عَلى مَعارِجِ التَّحْقِيقِ، وتَسْمِيَتُهُ رُوحًا مَجازٌ مُرْسَلٌ لِأنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَياةِ الطَّيِّبَةِ الأبَدِيَّةِ، وجُوِّزَ كَوْنُهُ اسْتِعارَةً، وقَوْلُ بَعْضِ الأجِلَّةِ: إنَّ نُورَ القَلْبِ ما سَمّاهُ الأطِبّاءُ رُوحًا وهو الشُّعاعُ اللَّطِيفُ المُتَكَوِّنُ مِنَ القَلْبِ - وبِهِ الإدْراكُ - فالرُّوحُ عَلى حَقِيقَتِهِلَيْسَ بِشَيْءٍ كَما لا يَخْفى، أوِ المُرادُ بِهِ القُرْآنُ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ السّابِقَيْنِ، واخْتِيرَتِ الِاسْتِعارَةُ أوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وإطْلاقُ الرُّوحِ عَلَيْهِ شائِعُ أقْوالٍ. وقِيلَ: ضَمِيرُ ﴿مِنهُ﴾ لِلْإيمانِ، والمُرادُ بِالرُّوحِ الإيمانُ أيْضًا، والكَلامُ عَلى التَّجْرِيدِ البَدِيعِيِّ - فَمِن - بَيانِيَّةٌ أوِ ابْتِدائِيَّةٌ عَلى الخِلافِ فِيها، وإطْلاقُ الرُّوحِ عَلى الإيمانِ عَلى ما مَرَّ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُدْخِلُهُمْ﴾ إلَخْ بَيانٌ لِآثارِ رَحْمَتِهِ تَعالى الأُخْرَوِيَّةِ إثْرَ بَيانِ ألْطافِهِ سُبْحانَهُ الدُّنْيَوِيَّةِ أيْ ويُدْخِلُهم في الآخِرَةِ. ﴿جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها﴾ أبَدَ الآبِدِينَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ جارٍ مَجْرى التَّعْلِيلِ لِما أفاضَ سُبْحانَهُ عَلَيْهِمْ مِن آثارِ رَحْمَتِهِ عَزَّ وجَلَّ العاجِلَةِ والآجِلَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ورَضُوا عَنْهُ﴾ بَيانٌ لِابْتِهاجِهِمْ بِما أُوتُوهُ عاجِلًا وآجِلًا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ تَشْرِيفٌ لَهم بِبَيانِاخْتِصاصِهِمْ بِهِ تَعالى وقَوْلُهُسُبْحانَهُ: ﴿ألا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ بَيانٌ لِاخْتِصاصِهِمْ بِسَعادَةِ الدّارَيْنِ والكَلامُ في تَحْلِيَةِ الجُمْلَةِ - بِألا. وإنَّ - عَلى ما مَرَّ في أمْثالِها، والآيَةُ قِيلَ: نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ. أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: حُدِّثْتُ «أنَّ أبا قُحافَةَ سَبَّ النَّبِيَّ ﷺ فَصَكَّهُ (p-37) أبُو بَكْرٍ صَكَّةً فَسَقَطَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ: أفَعَلْتَ يا أبا بَكْرٍ ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: لا تَعُدْ، قالَ: واللَّهِ لَوْ كانَ السَّيْفُ قَرِيبًا مِنِّي لَضَرَبْتُهُ - وفي رِوايَةٍ - لَقَتَلْتُهُ فَنَزَلَتْ ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا﴾ الآياتِ». وقِيلَ: في أبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجَرّاحِ، أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ قالَ: جَعَلَ والِدُ أبِي عُبَيْدَةَ يَتَصَدّى لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وجَعَلَ أبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ فَلَمّا أكْثَرَ قَصَدَهُ أبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ فَنَزَلَتْ ”لاتَجِدُ“ إلَخْ، وفي الكَشّافِ أنَّ أبا عُبَيْدَةَ قَتَلَ أباهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الجَرّاحِ يَوْمَ أُحُدٍ، وقالَ الواقِدِيُّ في قِصَّةِ قَتْلِهِ إيّاهُ: كَذَلِكَ يَقُولُ أهْلُ الشّامِ، وقَدْ سَألْتُ رِجالًا مِن بَنِي فِهْرٍ فَقالُوا: تُوُفِّيَ أبُوهُ قَبْلَ الإسْلامِ أيْ في الجاهِلِيَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الإسْلامِ. انْتَهى. والحَقُّ أنَّهُ قَتَلَهُ في بَدْرٍ، أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أنَسٍ قالَ: كانَ - أيْ أبُو عُبَيْدَةَ - قَتَلَ أباهُ وهو مِن جُمْلَةِ أسارى بَدْرٍ بِيَدِهِ لَمّا سَمِعَ مِنهُ في رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ما يَكْرَهُ ونَهاهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، وقِيلَ: نَزَلَتْ فِيهِ حَيْثُ قَتَلَ أباهُ. «وفِي أبِي بَكْرٍ دَعا ابْنَهُ يَوْمَ بَدْرٍ إلى البِرازِ، وقالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: دَعْنِي أكُونُ في الرَّعْلَةِ الأُولى - وهي القِطْعَةُ مِنَ الخَيْلِ - قالَ: «مَتِّعْنا بِنَفْسِكَ يا أبا بَكْرٍ ما تَعْلَمُ أنَّكَ عِنْدِي بِمَنزِلَةِ سَمْعِي وبَصَرِي»» وفي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَتَلَ أخاهُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ وفي عُمَرَ قَتَلَ خالَهُ العاصِ بْنَ هِشامٍ يَوْمَ بَدْرٍ. وفي عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وحَمْزَةَ وعُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ قَتَلُوا عُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ والوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ. وتَفْصِيلُ ذَلِكَ ما رَواهُ أبُو داوُدَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَقَدَّمَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ومَعَهُ ابْنُهُ وأخُوهُ فَنادى مَن يُبارِزُ - إلى قَوْلِهِ - فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُمْ يا حَمْزَةُ قُمْ يا عَلِيُّ قُمْ يا عُبَيْدَةُ بْنَ الحارِثِ» فَأقْبَلَ حَمْزَةُ إلى عُتْبَةَ وأقْبَلْتُ إلى شَيْبَةَ واخْتَلَفَتْ بَيْنَ عُبَيْدَةَ والوَلِيدِ ضَرْبَتانِ فَأثْخَنَ كُلٌّ مِنهُما صاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنا عَلى الوَلِيدِ فَقَتَلْناهُ واحْتَمَلْنا عُبَيْدَةَ. هَذا ورَتَّبَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ ﴿ولَوْ كانُوا آباءَهم أوْ أبْناءَهم أوْ إخْوانَهم أوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ عَلى قِصَّةِ أبِي عُبَيْدَةَ وأبِي بَكْرٍ ومُصْعَبٍ وعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ ومَن مَعَهُ، وقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا﴾ إلَخْ نَزَلَ في حاطِبِ بْنِ أبِي بَلْتَعَةَ، والظّاهِرُ عَلى ما قِيلَ: إنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالآيِالَّتِي في المُنافِقِينَ المُوالِينَ لِلْيَهُودِ، وأيًّا ما كانَ فَحُكْمُ الآياتِ عامٌّ وإنْ نَزَلَتْ في أُناسٍ مَخْصُوصِينَ كَما لا يَخْفى، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب