الباحث القرآني
﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ﴾ أيْ نائِبَةٍ أيُّ نائِبَةٍ وأصْلُها في الرَّمْيَةِ وهي مِن أصابَ السَّهْمُ إذا وصَلَ إلى المَرْمى بِالصَّوابِ ثُمَّ خُصَّتْ بِها.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّها لُغَةٌ عامَّةٌ في الشَّرِّ والخَيْرِ وعُرْفًا خاصَّةٌ بِالشَّرِّ، ومِن مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وأصابَ جاءَ في الشَّرِّ كَما هُنا، وفي الخَيْرِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَئِنْ أصابَكم فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النِّساءَ: 73] وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّهُ يُسْتَعْمَلُ في الخَيْرِ اعْتِبارًا بِالصَّوْبِ أيْ بِالمَطَرِ وفي الشَّرِّ اعْتِبارًا بِإصابَةِ السَّهْمِ، وكِلاهُما يَرْجِعانِ إلى أصْلٍ وتَذْكِيرُ الفِعْلِ في مِثْلِ ذَلِكَ جائِزٌ كَتَأْنِيثِهِ، وعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ما ( تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ أجَلَها ) [الحِجْرَ: 5، المُؤْمِنُونَ: 43] والكَلامُ عَلى العُمُومِ لِجَمِيعِ الشُّرُورِ أيْ مُصِيبَةٌ أيُّ مُصِيبَةٍ ﴿فِي الأرْضِ﴾ كَجَدْبٍ وعاهَةٍ في الزَّرْعِ والثِّمارِ وزَلْزَلَةٍ وغَيْرِها ﴿ولا في أنْفُسِكُمْ﴾ كَمَرَضٍ وآفَةٍ كالجُرْحِ والكَسْرِ ﴿إلا في كِتابٍ﴾ أيْ إلّا مَكْتُوبَةٌ مُثْبَتَةٌ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وقِيلَ: في عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
﴿مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها﴾ أيْ نَخْلُقَها، والضَّمِيرُ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ والحَسَنِ وجَماعَةٍ: لِلْأنْفُسِ، وقِيلَ: لِلْأرْضِ، واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانَ كَوْنَهُ لِلْمُصِيبَةِ لِأنَّها هي المُحَدَّثُ عَنْها، وذِكْرُ الأرْضِ والأنْفَسِ إنَّما هو عَلى سَبِيلِ ذِكْرِ مَحَلِّها، وذَكَرَ المَهْدَوِيُّ جَوازَ عَوْدِهِ عَلى جَمِيعِ ما ذُكِرَ، وقالَ جَماعَةٌ: يَعُودُ عَلى المَخْلُوقاتِ وإنْ لَمْ يَجْرِ لَها ذِكْرٌ، وقِيلَ: المُرادُ بِالمُصِيبَةِ هُنا الحَوادِثُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ وهو خِلافُ الظّاهِرِ مِنَ اسْتِعْمالِ المُصِيبَةِ إلّا أنَّ فِيما بَعْدُ نَوْعَ تَأْيِيدٍ لَهُ وأيًّا ما كانَ فَفي الأرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَرْفُوعٍ أوْ مَجْرُورٍ صِفَةٌ لِمُصِيبَةٍ عَلى المَوْضِعِ أوْ عَلى اللَّفْظِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَأصابَ أوْ لِلْمُصِيبَةِ، قِيلَ: وإنَّما قُيِّدَتِ المُصِيبَةُ بِكَوْنِها في الأرْضِ والأنْفُسِ لِأنَّ الحَوادِثَ المُطْلَقَةَ كُلَّها لَيْسَتْ مَكْتُوبَةً في اللَّوْحِ لِأنَّها غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ، واللَّوْحُ مُتَناهٍ وهو لا يَكُونُ (p-187)ظَرْفًا لِغَيْرِ المُتَناهِي ولِذا جاءَ «جَفَّ القَلَمُ بِما هو كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ» وفي الآيَةِ تَخْصِيصٌ آخَرُ وهو أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمْ يَذْكُرْ أحْوالَ أهْلِ السَّماواتِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِذَلِكَ مَعَ قِلَّةِ المَصائِبِ في أهْلِها لا يَكادُ يُصِيبُهم سِوى مُصِيبَةِ المَوْتِ، وما ذَكَرَهُ في وجْهِ التَّخْصِيصِ الأوَّلِ لا يَتِمُّ إذا أُرِيدَ بِالكِتابِ عِلْمُهُ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: بِأنَّ كِتابَةَ الحَوادِثِ فِيهِ عَلى نَحْوِ كِتابَتِها في القُرْآنِ العَظِيمِ بِناءً عَلى ما يَقُولُونَ: إنَّهُ ما مِن شَيْءٍ إلّا ويُمْكِنُ اسْتِخْراجُهُ مِنهُ حَتّى أسْماءَ المُلُوكِ ومَدَدِهِمْ وما يَقَعُ مِنهم ولَوْ قِيلَ في وجْهِهِ - إنَّ الأوْفَقَ بِما تَقَدَّمَ مِن شَرْحِ حالِ الحَياةِ الدُّنْيا إنَّما هو ذِكْرُ المَصائِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِذا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ - لَكانَ تامًّا مُطْلَقًا ﴿إنَّ ذَلِكَ﴾ أيْ إثْباتَها في كِتابٍ ﴿عَلى اللَّهِ﴾ لا غَيْرِهِ سُبْحانَهُ ﴿يَسِيرٌ﴾ لِاسْتِغْنائِهِ تَعالى فِيهِ عَنِ العُدَّةِ والمُدَّةِ، وإنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ تَحَقُّقُها في عِلْمِهِ جَلَّ شَأْنُهُ فَيُسْرُهُ لِأنَّهُ مِن مُقْتَضَياتِ ذاتِهِ عَزَّ وجَلَّ، وفي الآيَةِ رَدٌّ عَلى هِشامِ بْنِ الحَكَمِ الزّاعِمِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يَعْلَمُ الحَوادِثَ قَبْلَ وُقُوعِها، وفي الإكْلِيلِ إنَّ فِيها رَدّا عَلى القَدَرِيَّةِ، وجاءَ ذَلِكَ في خَبَرٍ مَرْفُوعٍ، أخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ جابِرٍ الجُهَيْمِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««سَيُفْتَحُ عَلى أُمَّتِي بابٌ مِنَ القَدَرِ في آخِرِ الزَّمانِ لا يَسُدُّهُ شَيْءٌ يَكْفِيكم مِنهُ أنْ تَلْقَوْهُ بِهَذِهِ الآيَةِ ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ»» الآيَةَ.
وأخْرَجَ الإمامُ أحْمَدُ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أبِي حَسّانَ «أنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلا عَلى عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها فَقالا: «إنَّ أبا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ يَقُولُ إنَّما الطِّيَرَةُ في المَرْأةِ والدّابَّةِ والدّارِ فَقالَتْ: والَّذِي أنْزَلَ القُرْآنَ عَلى أبِي القاسِمِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ما هَكَذا كانَ يَقُولُ، ولَكِنْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إنَّما الطِّيَرَةُ في المَرْأةِ والدّابَّةِ والدّارِ، ثُمَّ قَرَأتْ ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ﴾ الآيَةَ»
{"ayah":"مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق