الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ ما أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ ﴿وأصْحابُ المَشْأمَةِ ما أصْحابُ المَشْأمَةِ﴾ تَفْصِيلٌ لِلْأزْواجِ الثَّلاثَةِ مَعَ الإشارَةِ الإجْمالِيَّةِ إلى أحْوالِهِمْ قَبْلَ تَفْصِيلِها، والدّائِرُ عَلى ألْسِنَتِهِمْ أنَّ أصْحابَ المَيْمَنَةِ مُبْتَدَأٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ ما فِيهِ اسْتِفْهامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ ثانٍ ( وأصْحابُ ) خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ والرّابِطُ الظّاهِرُ القائِمُ مَقامَ الضَّمِيرِ، وكَذا يُقالُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأصْحابُ المَشْأمَةِ﴾ إلَخْ، والأصْلُ في المَوْضِعَيْنِ ما هم ؟ أيْ أيُّ شَيْءٍ هم في حالِهِمْ وصِفَتِهِمْ فَإنَّ (ما) وإنْ شاعَتْ في طَلَبِ مَفْهُومِ الِاسْمِ والحَقِيقَةِ لَكِنَّها قَدْ تَطْلُبُ بِها الصِّفَةَ والحالَ كَما تَقُولُ ما زَيْدُ ؟ فَيُقالُ: عالِمٌ، أوْ طَبِيبٌ فَوُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِكَوْنِهِ أدْخِلَ في المَقْصُودِ وهو التَّفْخِيمُ في الأوَّلِ والتَّفْظِيعُ في الثّانِي، والمُرادُ تَعْجِيبُ السّامِعِ مِن شَأْنِ الفَرِيقَيْنِ في الفَخامَةِ والفَظاعَةِ كَأنَّهُ قِيلَ: ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ في غايَةِ حُسْنِ الحالِ ﴿وأصْحابُ المَشْأمَةِ﴾ في نِهايَةِ سُوءِ الحالِ، وقِيلَ: جُمْلَةُ (ما أصْحابُ ) خَبَرٌ بِتَقْدِيرِ القَوْلِ عَلى ما عُرِفَ في الجُمْلَةِ الإنْشائِيَةِ إذا وقَعَتْ خَبَرًا أيْ مَقُولٍ في حَقِّهِمْ (ما أصْحابُ ) إلَخْ فَلا حاجَةَ إلى جَعْلِهِ مِن إقامَةِ الظّاهِرِ مَقامَ الضَّمِيرِ وفِيهِ نَظَرٌ، و(المَيْمَنَةِ ) ناحِيَةُ اليَمِينِ، أوِ اليُمْنُ والبَرَكَةُ، و (المَشْأمَةِ ) ناحِيَةُ الشِّمالِ مِنَ اليَدِ الشُّؤْمى وهي الشِّمالُ، أوْ هي مِنَ الشُّؤْمِ مُقابِلِ اليَمَنِ، ورُجِّحَ إرادَةُ النّاحِيَةِ فِيهِما بِأنَّها أوْفَقُ بِما يَأْتِي في التَّفْصِيلِ، واخْتَلَفُوا في الفَرِيقَيْنِ فَقِيلَ: أصْحابُ المَيْمَنَةِ أصْحابُ المَنزِلَةِ السَّنِّيَّةِ، وأصْحابُ المَشْأمَةِ أصْحابُ المَنزِلَةِ الدَّنِيَّةِ أخْذًا مِن تَيَمُّنِهِمْ بِالمُيامِنِ وتَشَؤُّمِهِمْ بِالشَّمائِلِ كَما تَسْمَعُ في السّانِحِ والبارِحِ، وهو مَجازٌ شائِعٌ، وجُوَّزَ أنْ يَكُونَ كِنايَةً، وقِيلَ: الَّذِينَ يُؤْتُونَ صَحائِفَهم بِأيْمانِهِمْ والَّذِينَ يُؤْتُونَها بِشِمائِلِهِمْ، وقِيلَ: الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذاتُ اليَمِينِ إلى الجَنَّةِ والَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذاتُ الشِّمالِ إلى النّارِ، وقِيلَ: أصْحابُ اليَمَنِ وأصْحابُ الشُّؤْمِ، فَإنَّ السُّعَداءَ مَيامِينُ عَلى أنْفُسِهِمْ بِطاعَتِهِمْ والأشْقِياءَ مَشائِيمُ عَلى أنْفُسِهِمْ (p-132) بِمَعاصِيهِمْ، ورُوِيَ هَذا عَنِ الحَسَنِ والرَّبِيعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب